ارشيف من :ترجمات ودراسات

الثورة السورية: حتى لاتظل أراضينا مسرحاً لجرائم الموساد

الثورة السورية: حتى لاتظل أراضينا مسرحاً لجرائم الموساد
كتب د.عبدالله الأشعل

جواز السفر في القانون الدولي وفي القوانين الدولية له حماية خاصة، حيث تجمع القوانين الوطنية على أن العبث بجواز السفر يعتبر جريمة جنائية سواء بالإهمال أم البيع أم التزوير. من ناحية أخرى، فإن جواز السفر هو الورقة الرسمية التي تضفي المصداقية على حاملها من الوطنيين وحدهم وتتمتع بحماية الدولة التي أصدرتها.
 
ولذلك فإن جواز السفر مرتبط ارتباطاً مطلقاً بالجنسية، أما جوازات السفر الدولية أو وثائق العبور التي تمنح من جانب بعض المنظمات الإنسانية لعديمي الجنسية أواللاجئين فلها وضع قانوني خاص. وعندما فرّ الفلسطينيون من دارهم في أعقاب النكبة عام 1948 ثم في أعقاب النكسة عام 1967 حاولت الدول العربية التي قدمت المأوى لهم أن تكفل تحركهم عبر الحدود بوثائق وطنية ، بعضها كان جوازات سفر أردنية أو سورية مع الإشارة إلى الأصل الفلسطيني، وبعضها الآخر مثل مصر التي منحت الفلسطينيين في غزة وثائق سفر تتسم بأعلى درجات التناقض، حيث يجوز للفلسطيني حامل الوثيقة أن يدخل الدولة المعنية بقدر ما تسمح هذه الدولة وفي أغلب الأحيان يمنع من دخول مصر رغم حمله لوثيقتها.‏


ولسنا بحاجة في هذا المقام إلى الإفاضة في تعرض هذه الوثيقة الثمينة للتزوير من جانب العصابات الإجرامية حتى تسهل تنقلاتها بين الدول.‏


والحق أن قيام الاشتباه في مجموعة إرهابية قدمت إلى دبي خصيصاً في إطار عملية إجرامية لاغتيال محمود المبحوح من قاعدة حماس ليس جديداً في العالم العربي وفي الدول الأخرى، لأن إسرائيل التي قامت أساساً على الغصب وأنشأتها عصابات إجرامية ارتكبت ما لا يحصر من الجرائم لقيام دولة من نوع خاص على الدماء والأشلاء لا يمكن أن تسلك في علاقاتها مع الأمم المتمدنية التي اندست فيها غير هذا السلوك الإجرامي. ولسنا بحاجة أيضا إلى تعداد الحالات التي تم فيها قيام الموساد الإسرائيلي بتزوير جوازات سفر دول أخرى صديقة وحليفة لارتكاب جرائم الاغتيال والتصفية لكل من تقرر إسرائيل أنه عقبة في سبيل مشروعها الإجرامي، ولكن الجديد هذه المرة هوالمكان والظروف التي قرأتها إسرائيل قراءة مغلوطة. فاغتيال المبحوح قرار سياسي اتخذه رئيس الحكومة بما يترتب عليه من لوجستيات، ومنها تزوير جوازات دول حليفة مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا واستراليا حتى لا تثور الشبهة حولهم في الدولة المستهدفة خلال قيامهم بالعملية، ورغم أنها ليست المرة الأولى، إلا أن الظرف يظهر أن إسرائيل تتعرض بسبب افتئاتها وتجاوزها لحدود العلاقة مع هؤلاء الحلفاء لنزع شرعيتها بعد محرقة غزة، ما سبب حرجاً شديداً لحكومات هذه الدول، وخاصة بريطانيا التي أعلن رئيس وزرائها خلال فضيحة ليفني في لندن أنه سوف يعدل القانون البريطاني بما يضمن إفلات المجرمين الإسرائيليين من العقاب، وهوأحد الآثار الخطيرة التي تكرر التنبيه إليها لتقرير جولدستون وبعد فضيحة السجون السرية للمخابرات الأميركية في كبرى الديمقراطيات الغربية.‏
 

وقد ارتبط هذا الظرف في لندن باستجواب طوني بلير حول دوره في العدوان الغاشم على العراق وتدميره، تجاور هذا الظرف أيضاً مع طبول الحرب التي تدقها إسرائيل وهي الوجه الآخر لشعارات السلام التي يرفعها نتنياهومع حرصه على إذلال الولايات المتحدة، وكشف الرباعية الدولية وإحراج الدول الصديقة له في المنطقة، ثم تواتر المشروعات حول التسوية على حساب مصر وما تابعه العالم من أزمة طاحنة بين تركيا وإسرائيل بسبب محرقة غزة والسلوك غير الدبلوماسي للمسؤولين الإسرائيليين. وقد ظنت إسرائيل دائماً أن الموساد هو ذراع الردع وخاصة ضد المقاومة في ظرف قرأت فيه إسرائيل جيداً أن العالم العربي ربما تخلى عن المقاومة مثلاً عجز عن تحقيق السلام بالمفاوضات العبثية، ما أدى إلى تعثر المصالحة الفلسطينية وتردي الموقف العربي، ومن ثم ظنت إسرائيل أن التصعيد ضد إيران والمقاومة سوف يكون غطاء ممتازاً لاغتيال أحد أهم منسقي الدعم الإيراني لحماس مروراً بدبي.

فإذا كان تزوير الجوازات جريمة في قوانين الدول التي أصدرتها فإنه يعد جريمة أيضا في القانون الدولي، وخاصة إذا قامت بالتزوير دولة واستخدمت بالتزوير الثقة الواجبة في الجواز وفي الدولة التي أصدرته، ومن ثم فالتزوير في هذه الحالة بذاته ودون أن نقرنه بأنه جزء من مشروع إجرامي يهدف في النهاية إلى تسهيل اغتيال أحد قادة حماس فإن إسرائيل بذلك تكون قد خلطت بين جريمة التزوير في القانون الدولي وبين جريمة الاغتيال التي سكت العالم كله في السابق عليها، فتجرأ الفقه الصهيوني على اعتبار أن تصفية الفلسطينيين هومن قبيل الدفاع الشرعي وأن القتل المخطط والمنظم إذا تم على يد إسرائيل ضد المقاومة فإنه عندهم مشروع رغم أنه في القانون الدولي جريمة إرهاب تلحق بالدولة، كما أنه جريمة عمدية لإبادة عرق بذاته فتكتسب الجريمة أوصافاً قانونية متعددة منها الإبادة الجماعية والجريمة ضد الانسانية.

وإذا كانت الدول التي اعتدت إسرائيل على سيادتها وجوازاتها قد سكتت في الماضي عن جرائم الاغتيال للفلسطينيين، فإن هذه الدول كانت مستعدة لأن تسكت أيضا إكراماً لإسرائيل على الاعتداء على حقوقها السيادية لولا أن دبي- مسرح الجريمة- قررت تصعيد القضية ولديها تحركات موثقة وتشعر دبي بأنها ضحية في قضية لاعلاقة لها بها، فقد دخل الجناة إلى أراضيها بجوازات سفر مزورة ولكن دبي لم تكتشف هذا التزوير في حينه، ثم أعلن بعد الكثير من التطورات وبعد أكثر من أسبوعين على الحادث عن واقعة التزوير في هذه الحالة يكون القضاء في دبي هوالمختص بمحاكمة المتهمين في جرائم الدخول بوثائق مزورة توسلاً إلى ارتكاب جريمة الاغتيال على أراضيها، بصرف النظر عن الجنسيات الحقيقية للمتهمين، لذلك يجب أن يتخذ العالم العربي قراراً بمساندة دولة الإمارات العربية في إدارة هذه القضية حتى لا تصبح الأراضي العربية مسرحاً لعمليات الموساد. وحتى لا يفتح السكوت أوالعجز عن المساءلة الباب إلى المساس بالاستقرار الواجب لاستمرار الاستثمارات الأجنبية في دبي.‏


2010-03-05