ارشيف من :خاص

في زمن الإساءات الكبرى لمقدسات الإسلام ...: لا صوت يعلو فوق صوت السيادة!

في زمن الإساءات الكبرى لمقدسات الإسلام ...: لا صوت يعلو فوق صوت السيادة!

عقيل الشيخ حسين
منذ خمسة عشر شهراً، كان من المقرر أن يقوم كيرت فيلدرز ـ تلبية لدعوة وجهتها إليه شخصيات سياسية بريطانية ـ بزيارة لبريطانيا يعرض خلالها فيلمه السيئ الذكر "فتنة" في مجلس اللوردات البريطاني. لكن الحكومة البريطانية قررت يومها منعه من الدخول إلى بريطانيا.

وقد ينتظر المرء، وخصوصاً أن الكلام لا يكلف المليارات في زمن سيادة المليارات، وأن البريطانيين ليسوا جاهلين باللياقات الدبلوماسية، قد ينتظر أن يسمع كلاماً عن سبب المنع من نوع أن الفيلم المذكور يسيء إلى نبي جاء بدين يعتنقه اليوم أكثر من مليار ونصف مليار إنسان... وخصوصاً أن مسلمين كثيرين من الصنف " الاعتدالي" سينتعشون لو أن بريطانيا وحلفاءها راعوا مشاعرهم بعض الشيء، وقالوا كلاماً يقوي بعض الشيء من حجتهم في "اعتناقهم" غير المشروط لسياسات بريطانيا وحلفائها.

لكن الفظاظة كانت سيد الموقف، وأكدت وزيرة الداخلية البريطانية أن سبب منع كيرت فيلدرز من الدخول إلى بريطانيا، يومذاك، قد يهدد الوئام في المجتمع وقد يضر بالأمن العام!

ثم حدث قبل أيام، أن دخل كيرت فيلدرز إلى بريطانيا. وعرض فيلمه السيئ الذكر أمام مجلس اللوردات البريطاني. وتسنى للوردات أن يستمتعوا بمشاهدة تنويع من تنويعات الإفك الذي طالما برعت بممارسته بريطانيا الاستعمارية وحليفاتها الاستعماريات كرافعة لحروبها الاستعمارية التي كان وقودها عشرات الملايين من المسلمين خاصة، دون ذكر الثروات المنهوبة والدمار المادي والمعنوي والثقافي الذي ما زال يضرب معظم العالم الإسلامي.

فيلم كيرت فيلدرز السيئ الذكر يلصق بنبي الإسلام (ص) صفة العنف. كما ولو أن تجريب القنابل النووية الأميركية على هيروشيما ونكازاكي، والقنابل النووية الفرنسية على جزائريين كانوا يعلقونهم على أخشاب في رمال الصحراء، وتجريب القنابل الذكية وقنابل اليورانيوم "المتدني التخصيب" والفوسفور وغيرها من تقنيات القتل، من قبل الإسرائيلين، على الفلسطينيين واللبنانيين وآلاف الأسرى المصريين في سيناء ... وغير ذلك مما لا يحصى ذكره من جرائم ... كما ولو أن كل ذلك هو نوع من الرشق بالورود كضرورة من ضرورات نشر الديموقراطية والقيم الإنسانية!

وعلى ذلك العنف "الإسلامي"، يقدم كيرت فيلدرز دليلاً "دامغاً" : "القرآن يدعو إلى قتل اليهود واللواطيين والسحاقيات. أي، على ما يستبطنه الكلام، زهرة ما أنجبته البشرية من شعوب ومن أفراد هم تجسيدات للحق والخير والجمال، ومن مثل عليا في تجسيد الحرية"!

بالمناسبة، قد تنبغي الإشارة إلى أن هذه "الفلسفة" هي ذات شق مأساوي جذري يتمثل بسوء حظ الغوييم لحرمانهم من "الفوز العظيم" لأن باب اعتناق اليهودية مسدود في وجوههم.

في زمن الإساءات الكبرى لمقدسات الإسلام ...: لا صوت يعلو فوق صوت السيادة!لكنها ذات شق تفاؤلي يضع الحرية كلها والسعادة كلها بمتناول الغوييم الذين يحوزون مجد أن يتقبلهم اليهود قبولاً حسناً... كعبيد لهم. وبمتناول الغوييم الذين يرتقون إلى أرفع الدرجات من خلال التحول إلى جنسيين مثليين!

ولا بد من الاعتراف بأن إفك السامري عندما جعل بني إسرائيل يسجدون للعجل الذهبي ليس غير هباءة لا تكاد تبين بالقياس إلى القناطير المقنطرة من الإفك الذين يخرج من ماكينات الإعلام الغربي والصهيوني. هل يجرؤ أحد في الغرب على إنكار المحرقة؟ هل يجرؤ أحد في الغرب على إنكار الشذوذ بأشكاله المتكاثرة كتكاثر الرمل على شواطئ البحار؟

أمام مجلس اللوردات البريطاني، وقبله أمام البرلمان الهولندي، وبعده أمام البرلمان الأوروبي، عُرض فيلم فيلدرز السيئ الذكر. وعرض الفيلم أيضاً على نطاق واسع على مواقع الانترنت. وسيعرض أمام الكثير والكثير من البرلمانات الأخرى. وسيبلغ الاستمتاع ذروته تشفياً بنبي الإسلام (ص) لأنه، بما جاء به من عند ربه، أزهق إفكهم ولو طال السرى.

ولا بد من الإضافة أن رئيس القسم الثقافي لما يسمى بالاتحاد من أجل المتوسط، الذي انعقدت قمة له في برشلونة مؤخراً بين الاتحاد الاوروبي والمغرب [أولا]، قد صرح بأن من حق فيلدرز، ديموقراطياً، أن يعرض فيلمه، وبأن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يمنعه من ذلك. وبالمناسبة نفسها، طلب الاتحاد الأوروبي إلى البلد الوحيد الذي ما زال يحكمه "أمير مؤمنين" بأن يحترم القيم الانسانية وحقوق الانسان.

فيلم فيلدرز هو حلقة لم تعد متقدمة من حلقات استشراء ما يسمى بالإسلاموفوبيا في الغرب. هنالك قوائم تخوض معارك انتخابية في أكثر من بلد أوروبي تحت شعارات من نوع "لا للمآذن". والحجاب والبرقع واللحم الحلال وذبح الخراف يوم عيد الأضحى، وما إلى ذلك، كل ذلك صار موضوعات يومية للشغل السياسي في أوربا والغرب.

وكل ذلك في وقت تتسع فيه دوائر الحرب على ما يسمى بالإرهاب. وتتسع فيه عمليات التهويد ووضع اليد الصهيونية على المقدسات الإسلامية في الخليل وبيت لحم. وتستخدم فيه جوازات أوروبية بالجملة من أجل تسهيل عملية اغتيال لمناضل فلسطيني في بلد عربي ذي سيادة. وفي وقت تخف فيه الجامعة العربية إلى مساعدة " إسرائيل" على الخروج من ورطتها عبر الالتداغ للمرة الألف من جحر المفاوضات. وعبر التهديد "الشجاع" بوضع قضية فلسطين في حال فشل المفاوضات، في عهدة محكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن ذي عشرات السوابق الفيتوية لمصلحة "إسرائيل".

كل شيء يجري كما ولو أن كل التطرف والتفنن الذي يمارسه الغربيون والصهاينة في الإساءة للإسلام ورموزه لا يفعل غير دفع الاعتداليين (وهم يقدمون أنفسهم بالطبع على أنهم أصحاب سيادات ومنافحون حصريون عن الاسلام)، لا يفعل غير دفعهم إلى التفنن والتقعر في طلب زلفى الغربيين والصهاينة.

ألا يحق للمراقب بأن يتهمهم بأنهم يستمتعون أيضاً بما يستمتع به البرلمانيون من مشاهدي فيلم فيلدرز السيئ الذكر؟

هولندا (فيلدرز هو نائب وزعيم كتلة في البرلمان الهولندي) قررت أن تبيع 25 مليون جرعة من لقاح مضاد لإنفلونزا الخنازير... بعد أن تبين أنها لم تعد بحاجة إليها. ألا يحق للمراقب الخبير بأريحيات الاعتداليين العرب في العصر الحديث أن يتوقع مسارعة بعضهم إلى شراء تلك الجرعات، على سبيل الأريحية، ولسبب ضمني هو مكافأة هولندا لأنها أنجبت أمثال فيلدرز؟ لأن فيلدرز وأمثاله يعود إليهم الفضل في تمتع أصحاب السيادة بالسيادة...

2010-03-08