ارشيف من :ترجمات ودراسات
القرار 1701 بعد ثلاث سنوات ونصف على صدوره
يحيى دبوق/ نقلاً عن الأخبار اللبنانية
يجب التمييز، لدى تناول القرار 1701، بين بنوده وما نص عليه، وإمكانات تنفيذه. يمكن القول إن القرار، إلى حد بعيد، جاء متوافقاً مع ما كان يُخطط للمقاومة ولبنان من جانب إسرائيل والإدارة الأميركية، إلا أن فشل تل أبيب في تحقيق الحد الأدنى من أهداف حرب عام 2006، بمعنى توجيه ضربة قاصمة إلى المقاومة، وتغيير ميزان القوى في لبنان، حال دون إيجاد بيئة مريحة ومؤاتية لتنفيذ القرار، وحوّل القوات الدولية المعزّزة، وليدة القرار، إلى جهة مراقِبة ليس إلّا، طوال ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف.
تحدّدت بنود القرار 1701، نتيجة المعركة السياسية في آخر الحرب (مجلس الأمن)، التي كان فيها ميزان القوى في غير مصلحة المقاومة، إذ شاركت في هذه المعركة مجموعة واسعة من الدول المنحازة لإسرائيل، وجهات لبنانية رأت أن من مصلحتها كسر المقاومة، بل وإيجاد كل ظرف مؤاتٍ مهما كان، لاجتثاثها. وهذا الواقع أتاح صدور القرار كما صدر، وكأن إسرائيل هي التي انتصرت في الحرب، لكن مع عدم القدرة على تنفيذ بنوده الأساسية، من ناحية واقعية، إذ إن فشل تل أبيب في تحقيق أهداف المعركة العسكرية، حال دون ذلك.
إلّا أن القرار وفّر مخرجاً لإسرائيل مكّنها من الحديث عن نقطة خروج سياسية من الحرب، حتى وإن كانت دون الطموح... هذا ما تشير إليه وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، التي ترى أنّ القرار صنيعة يديها، فتقول: «من يعتقد أن لديه جواباً أفضل من القرار 1701، فليتقدّم ويطرحه على الطاولة، لقد كنا خلال الحرب أمام ثلاثة احتمالات، وهي احتلال لبنان، أو الخروج من الأراضي اللبنانية من دون تسوية، أو إيجاد تغيير... وهذا ما قمنا به». أما عن حقيقية هذا التغيير، فتضيف ليفني في مكان آخر، إنّ «ذلك لا يعود إلى القرار نفسه، بل إلى أنّ حزب الله لم ينفّذ القرار الدولي»، في إشارة منها إلى «حسنات» ما يرد في القرار، وإلى عدم القدرة على تنفيذه.
في الواقع، كما يقول البعض، أوجد القرار 1701 حقائق استراتيجية على الأرض، لكنه كان عاجزاً عن إيجاد تغيير استراتيجي فعلي في واقع المواجهة بين المقاومة وإسرائيل. وعلى النقيض من ذلك، تمكّنت المقاومة بموازاة هذه الحقائق الجديدة، أن تخرج من المناكفة اليومية للاحتلال، إلى التوجّه نحو استكمال جهوزية خاصة، بحجمها ونوعها، استعداداً للمواجهة الكبرى مع إسرائيل، إذا قررت الأخيرة شن اعتداء جديد على لبنان. بدأت هذه الجهوزية تظهر إلى العلن على جرعات في هذه المرحلة، وكان آخرها الإعلان غير المباشر عن جزء من قدرات نوعية في حوزة المقاومة، ضمن معادلة ردع جديدة، ترسّخت أخيراً.
من هنا، يأتي الموقف الإسرائيلي من القرار 1701، وإعلان الفشل في تحقيق أهدافه. وفي أكثر من مناسبة، كان آخرها بداية الأسبوع الماضي في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، يشير رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى عدم فاعلية هذا القرار، الذي وصفه بـ«الضمانة الورقية لإسرائيل». أما وزير الدفاع إيهود بارك، فقد كان واضحاً جداً في واشنطن، قبل أيام، إذ قال إن «القرار 1701، الذي صدر بعد الحرب الأخيرة في الشمال عام 2006، جاء لوضع حدّ لوجود حزب الله في لبنان، لكنه بدلاً من حلّ هذه المشكلة، سمح لحزب الله بأن يكون أكثر تعقيداً».
مع ذلك، تتمسك تل أبيب بالقرار، وهي غير معنية بإلغائه. ويبدو أنها تنظر إلى وجود القوة الدولية في لبنان، على أنها جهة عسكرية قادرة بالفعل، من ناحية نظرية، وفي إطار مشروع يؤمَل أن تنضج ظروفه، على تحقيق نتائج ضد المقاومة باتجاه اجتثاثها أو احتوائها. فقوات اليونيفيل جهة صالحة من ناحية تل أبيب، لتكون بديلاً من الحلول العسكرية المباشرة ضد حزب الله، إذ يمكن المراهنة عليها نظرياً إذا تغيّرت الظروف وموازين القوى القائمة في المنطقة وبالتبعية في لبنان، ما يسمح بـ«معالجة» مختلفة لـ«مشكلة» حزب الله، بحسب تعبير باراك. وهذه الوظيفة المأمولة لليونيفيل، تفرض على تل أبيب أن تُبقي على هذه القوة قائمة، أملاً في «استخدامها» في المستقبل، طالما أنها لا تُقدم على أفعال مضرّة بها. لكن من دون أن يعني ذلك، بالضرورة، أن دولاً مشارِكة في القوات الدولية، ستكون جاهزة للعمل بالوكالة عن إسرائيل.
في إطار توصيفه للتحديات أمام مهمات القوات الدولية في جنوب لبنان، أشار القائد السابق لقوات اليونيفيل، كلاوديو غراتسيانو، في خطاب التسليم والتسلّم في شباط الماضي، إلى أن «التطبيق الناجز للقرار 1701، يواجه عدداً من التحديات الاستراتيجية، علماً بأن جزءاً كبيراً منها يقع خارج مسؤوليات اليونيفيل. ومن الصعب الحفاظ على الإنجازات التي نحقّقها على الأرض على المدى الطويل دون وقف دائم لإطلاق النار، و(بالتالي) لن يزول احتمال تصعّد الحوادث التي تقع على طول الخط الأزرق، لتتحوّل إلى صراع أشمل».
معنى كلامه، أن استمرار كل ما تحقّقه قوات اليونيفيل، أو يظهر أنها هي التي تحققه، كالهدوء الأمني على طول الحدود مع إسرائيل، مرتبط بعوامل خارجة عنها، لأنه لا دور فعلياً لهذه القوات في صد هذا الجانب أو ذاك، وبمعنى أكثر مباشرةً، الهدوء ليس إلّا حالة وليدة من إرادة الجانبين، ويرتبط بالاستراتيجية المتّبعة من جانبهما كلٌّ حيال الآخر في هذه المرحلة، وضمن حدود القدرة الفعلية لديهما، ولا يرتبط بإرادة طرف خارجي كاليونيفيل، رغم وجود هذه القوات على أرض الواقع. هذا هو القرار 1701، وهذا هو توصيفه وإمكاناته في هذه المرحلة، وربما أيضاً في المرحلة المقبلة، إلى أن تتغير الظروف الموضوعية القائمة، وموازين القوى لدى الجانبين.
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية