ارشيف من :خاص
نيجيريا ... حلقة من حلقات الحرب الأميركية على العالم!
عقيل الشيخ حسين
المجازر والإعدامات الجماعية التي تجري في نيجيريا، تحت جنح الظلام أو في رابعة النهار، تقشعر لها الأبدان. مواجهات بالأسلحة النارية والسواطير والحراب وصولاً إلى الهراوات وقطع الزجاج. وجثث تلقى في المجارير وأشخاص يحرقون وهم أحياء. وجرحى يتم الإجهاز عليهم، وآخرون لا يسمح الوقت بقتلهم يتركون للموت البطيء العنيف. وبين الضحايا أكثرية من النساء والأطفال، لأن نوازع الإبادة غير غائبة عن الساحة.
حرب طائفية؟ لا خلاف في أن نيجيريا، كالكثير غيرها من البلدان، بلد متعدد الطوائف بشمال تسكنه أكثرية مسلمة وأقلية مسيحية، وجنوب تنعكس فيه الآية. ولا خلاف في أن من يقتتلون هم من معتنقى الإسلام أو المسيحية.
حرب قبلية؟ قد يقال ذلك أيضاً لأن الناس في نيجيريا ينتمون إلى قبائل تضرب جذورها عميقاً في تنظيم اجتماعي قبلي، ولأن المتقاتلين ينتمون إلى القبائل التي تتشكل منها البنية السكانية.
ولكن، هل يتقاتل الناس في نيجيريا، أو في غيرها من البلدان ذات الأوضاع المشابهة، باسم انتماءاتهم الدينية أو القبلية؟
لا بالتأكيد. لأن نيجيريا كانت قبل أن تعرف الإسلام وقبل أن تعرف المسيحية، وبعد أن عرفتهما، تعيش تاريخاً اشتمل على النزاعات مثلما اشتمل على حقب من التعايش والتعاون الحميم.
وإذا كان من الصحيح أن الإسلام القادم إلى نيجيريا من الشمال في أيام الفتح، قد اصطدم بالمسيحية التي وصلت إليها من البحر مع التوسع الاستعماري الغربي، فإن هذا الاصطدام لم يحل، كما كانت عليه الحال أيام الحروب الصليبية، دون مرور فترات من الاستقرار والتبادل وحتى التحالفات بين مسيحيين ومسلمين ضد مسلمين ومسيحيين آخرين.
وهذا يعزز القول بأن الديني أو القبلي ليس غير طلاء خارجي لنزاعات مشابهة للنزاعات التقليدية على ما يسمى بالمصالح. مع التشديد على أن المصالح نفسها كانت كثيراً ما تقتضي الجنوح إلى السلم والتعايش.
لا بد إذاً من سبب آخر يفسر الانتقال الحالي من التعايش السلمي إلى هذا الاحتراب والبطش. ولا نضيف جديداً إذا ما قلنا بأن خطورة ما يجري الآن إنما تكمن ـ إضافة إلى بذور الفتن التي غذاها الاستعمار البريطاني، وإلى نصف قرن من التسييب والانقلابات والفساد في المرحلة الاستقلالية ـ في السياق الذي يحكم التطورات الدولية الراهنة بسمتها الرئيسية المتمثلة بما أطلق عليه المحافظون الجدد، منذ العام 2001، اسم الحرب العالمية الثالثة ذات الهدف المعلن: إقامة الإمبراطورية الأميركية العالمية.
ليس من قبيل الصدفة أن هذا النوع المستجد من المواجهات قد بدأ في نيجيريا عام 2001 بالذات. أي في الوقت الذي بدأ فيه الغزو الأميركي ـ الدولي لأفغانستان، ثم العراق، ومنه إلى أكثر من مكان في العالم الإسلامي تحديداً.
وليس من قبيل الصدفة أن يكون شخص نيجيري بمواصفات شبيهة بمواصفات المسؤولين المفترضين عن الهجمات، في أيلول/ سبتمبر، على نيويورك وواشنطن، هو المسؤول المفترض عن المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة ركاب أميركية ليلة عيد الميلاد.
وليس من قبيل الصدفة أن تحاط تلك المحاولة الفاشلة بكل هذا الضجيج، وأن تستخدم في إذكاء حروب تمتد من نيجيريا إلى اليمن، مروراً بالصومال ودارفور والنيجر ومالي وكينيا...
وليس من قبيل الصدفة أن ترتفع في نيجيريا اليوم أصوات تطالب بتقسيم البلاد بشكل مشابه لما يطبخ للسودان.
ثم إن نيجيريا تحتل موقعاً مميزاً على خارطة المصالح الأميركية لا يقل أهمية عن مصالحها النفطية في الخليج. وموقعاً ممتازاً للتجارب الفتنوية لجهة مخزونها السكاني الضخم (150 مليوناً من المسلمين والمسيحيين الذين تعصف بهم الشحناء الطائفية).
مصلحة نيجيريا وغيرها من البلدان ذات الأوضاع المشابهة ليست في الرد على تردي أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بالتحول إلى وقود لحروب طائفية وقبلية مدمرة وعبثية. بل في التصدي لهذه الأوضاع التي رسمت بعناية من قبل قوى الهيمنة لأغراض تعميق الهيمنة على الجميع، على اختلاف انتماءاتهم الدينية والقبلية.