ارشيف من :ترجمات ودراسات
من صحافتهم ـ «الحريديم»: الأزمة القومية المتفاقمة في «إسرائيل»
عباس إسماعيل/ بيروت/ مجلة العودة العدد 29
يتميز المجتمع الإسرائيلي بأنه مجتمع هجين على خلفية تركيبته الفسيفسائية القائمة على استجلاب يهود العالم وتجميعهم في بوتقة واحدة، داخل فلسطين المحتلة، ومحاولة صهرهم بغية تحويلهم إلى كتلة بشرية متجانسة قدر الإمكان على مختلف الصُّعُد، ولا سيما على الصعيد الاجتماعي. هذا الواقع أوجد جملة من المشاكل والأزمات تجلّت في نشوء تكتلات ومعسكرات اجتماعية، تسود بينها علاقات متوتّرة تصل أحياناً إلى مستوى العداء والخطر على أمن المجتمع الإسرائيلي واستقراره، إلى درجة اعتبار البعض أن الدولة العبرية تضم شعبين، إضافة إلى العرب فيها.
يرى كثير من الإسرائيليين أن اليهود المتزمّتين دينياً، «الحريديم»، يمثلون أحد أوجه المخاطر المتفاقمة التي تحدق بالمجتمع الإسرائيلي، وأن التهديدات الخارجية المتواصلة تحرف انتباه الإسرائيليين وتمنعهم من مواجهة الأزمة الحريدية المتشكلة، التي من شأنها أن تتحول قريباً إلى أزمة قومية، بحسب تعبير إيزي ليبلي، في صحيفة «إسرائيل اليوم».
وبحسب الصحيفة، «يشكل الوسط الحريدي مركباً حيوياً في المجتمع الإسرائيلي، لكن على غرار الأوساط والقطاعات الأُخرى في المجتمع الإسرائيلي، فسد كثير من الحريديم على يد السياسة. فنجاحهم المفرط -كأحزاب أحادية البعد- في ابتزاز تنازلات خاصة تجاه جمهور ناخبيهم زاد من ميلهم إلى الانعزال تقريباً والتركيز كلياً على مصالحهم الضيقة».
وتتطرق الصحيفة إلى المخاطر الديموغرافية التي يتوقع أن يشكلها الحريديم على «إسرائيل»، في ضوء معدلات الولادة المرتفعة في أوساطهم، وتقول إنه إذا كان الحريديم قد شكّلوا في ثمانينيات القرن الماضي 4% فقط من السكان، فإنهم يشكلون اليوم 10%. وتضيف أنه في ظل غياب تغيير دراماتيكي، سيتحول الحريديم في أقل من عقدين إلى خُمس اليهود في الكيان الغاصب، وهذا ما تعدُّه الصحيفة «مشكلة قيمية لأن كثيرين منهم لا يحتفلون بيوم الاستقلال (يوم النكبة)، ولا يعترفون بعلم إسرائيل ويُثبطون عزيمة الشباب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي».
إضافة إلى المشكلة القيمية، ترى صحيفة «إسرائيل اليوم» في الوسط الحريدي مشكلة اقتصادية-اجتماعية أيضاً، إذ رغم أن أغلبية كبيرة من العائلات الحريدية مُصنفة في الخانة الاجتماعية-الاقتصادية الأدنى من المجتمع وتعيش تحت خط الفقر، إلا أن كثيرين من حاخامات الحريديم يسخرون من قضية «اكتساب الرزق بكرامة»، وتضيف الصحيفة: «من شأننا أن نصل إلى مرحلة انهيار منظومة الرفاه لاجتماعي في الدولة».
يُضاف إلى ذلك تهرّب الحريديم من الخدمة العسكرية، حيث بلغ عدد الذين يتهربون اليوم من الخدمة العسكرية أكثر من 55 ألف طالب في المعاهد الدينية، وكذلك ميل الحاخامات الحريديم إلى التشدد في فرض الشريعة اليهودية، ما يضعهم في مواجهة مع العلمانيين الذين سيشعرون بالمشكلة جراء تفاقم الظاهرة الدينية.
صحيح أن هذا الموضوع حتى الآن لا يثير اهتمام معظم العلمانيين، لأن الفتاوى الحريدية لا تمسّهم، لكن كلما ازداد الحريديم تطرفاً، اشتدت المظاهرات من النوع الذي رأيناه في الآونة الأخيرة في القدس، وعندها سيشعر العلمانيون أيضاً بمشكلة تفاقم الظاهرة الدينية.
في ضوء هذا الواقع، ترى الصحيفة أنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية التطرق إلى المشكلة الحريدية بنفسها منذ اليوم، وعدم انتظار المستقبل الذي قد يجلب مشكلة عسيرة جداً يصعب حلها.
دولة مقسمة منذ الآن
وفي تجلٍّ آخر من تجليات المجتمع الإسرائيلي الهجين، يتحدث يوارم كانيوك، في صحيفة «هآرتس»، عن الدولة العبرية باعتبارها دولة مقسَّمة منذ الآن، لكن ليس بين اليهود والعرب، بل بين يهود تل أبيب ويهود المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
في هذا المجال، يقول كانيوك، إنه لن تنشأ في أرض فلسطين دولة لشعبين (في إشارة إلى اليهود والعرب)، «لأننا تحوّلنا منذ زمن إلى شعبين لبلدين»، ويضيف أنه «من بلاد تل أبيب نحن نعرف عن الحياة في شيكاغو أكثر مما نعرف عما يجري في عوفرا (مستوطنة في الضفة الغربية). نحن لا نسافر إلى هناك. هم يأتون إلى هنا بين الحين والآخر مع بنادق M16، كي ينشدوا نشيداً عبرياً تعلّموه ونحن نسيناه».
ويقول كانيوك إن «بلاد تل أبيب لا تنحصر في تل أبيب فقط ، فهي تضم نصف القدس المتواضعة وكل ما يمتد بين عسقلان وعكا. أما بلاد يهودا (جنوبي الضفة) فهي تعني يهودا، وما كانت عليه أيضاً مملكة إسرائيل قديماً هنا وهناك».
يضيف كانيوك أنه «كمَن قاتل في القدس في سبيل قيام دولة يهودية في 1948، ليس لدي فكرة عما يحصل حقاً في الجانب الآخر. في ذاك الخارج الذي يوجد على مسافة 50 كلم من جادة روتشيلد في تل أبيب».
وبحسب كانيوك، فإنه «بسبب بن غوريون واستسلامه للمتدينين توجد اليوم دولة تل أبيب، ولكن لا توجد فيها قومية إسرائيلية. بعد 61 سنة وصلنا إلى دولة أبارتهايد دينية بين أفراد شعب واحد فقط، وهي متطرفة مثل إيران. في دولة يهودا تسيطر دولة يمينية دينية – متطرفة، تفرض الرعب على الدولتين معاً أيضاً».
يتميز المجتمع الإسرائيلي بأنه مجتمع هجين على خلفية تركيبته الفسيفسائية القائمة على استجلاب يهود العالم وتجميعهم في بوتقة واحدة، داخل فلسطين المحتلة، ومحاولة صهرهم بغية تحويلهم إلى كتلة بشرية متجانسة قدر الإمكان على مختلف الصُّعُد، ولا سيما على الصعيد الاجتماعي. هذا الواقع أوجد جملة من المشاكل والأزمات تجلّت في نشوء تكتلات ومعسكرات اجتماعية، تسود بينها علاقات متوتّرة تصل أحياناً إلى مستوى العداء والخطر على أمن المجتمع الإسرائيلي واستقراره، إلى درجة اعتبار البعض أن الدولة العبرية تضم شعبين، إضافة إلى العرب فيها.
يرى كثير من الإسرائيليين أن اليهود المتزمّتين دينياً، «الحريديم»، يمثلون أحد أوجه المخاطر المتفاقمة التي تحدق بالمجتمع الإسرائيلي، وأن التهديدات الخارجية المتواصلة تحرف انتباه الإسرائيليين وتمنعهم من مواجهة الأزمة الحريدية المتشكلة، التي من شأنها أن تتحول قريباً إلى أزمة قومية، بحسب تعبير إيزي ليبلي، في صحيفة «إسرائيل اليوم».
وبحسب الصحيفة، «يشكل الوسط الحريدي مركباً حيوياً في المجتمع الإسرائيلي، لكن على غرار الأوساط والقطاعات الأُخرى في المجتمع الإسرائيلي، فسد كثير من الحريديم على يد السياسة. فنجاحهم المفرط -كأحزاب أحادية البعد- في ابتزاز تنازلات خاصة تجاه جمهور ناخبيهم زاد من ميلهم إلى الانعزال تقريباً والتركيز كلياً على مصالحهم الضيقة».
وتتطرق الصحيفة إلى المخاطر الديموغرافية التي يتوقع أن يشكلها الحريديم على «إسرائيل»، في ضوء معدلات الولادة المرتفعة في أوساطهم، وتقول إنه إذا كان الحريديم قد شكّلوا في ثمانينيات القرن الماضي 4% فقط من السكان، فإنهم يشكلون اليوم 10%. وتضيف أنه في ظل غياب تغيير دراماتيكي، سيتحول الحريديم في أقل من عقدين إلى خُمس اليهود في الكيان الغاصب، وهذا ما تعدُّه الصحيفة «مشكلة قيمية لأن كثيرين منهم لا يحتفلون بيوم الاستقلال (يوم النكبة)، ولا يعترفون بعلم إسرائيل ويُثبطون عزيمة الشباب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي».
إضافة إلى المشكلة القيمية، ترى صحيفة «إسرائيل اليوم» في الوسط الحريدي مشكلة اقتصادية-اجتماعية أيضاً، إذ رغم أن أغلبية كبيرة من العائلات الحريدية مُصنفة في الخانة الاجتماعية-الاقتصادية الأدنى من المجتمع وتعيش تحت خط الفقر، إلا أن كثيرين من حاخامات الحريديم يسخرون من قضية «اكتساب الرزق بكرامة»، وتضيف الصحيفة: «من شأننا أن نصل إلى مرحلة انهيار منظومة الرفاه لاجتماعي في الدولة».
يُضاف إلى ذلك تهرّب الحريديم من الخدمة العسكرية، حيث بلغ عدد الذين يتهربون اليوم من الخدمة العسكرية أكثر من 55 ألف طالب في المعاهد الدينية، وكذلك ميل الحاخامات الحريديم إلى التشدد في فرض الشريعة اليهودية، ما يضعهم في مواجهة مع العلمانيين الذين سيشعرون بالمشكلة جراء تفاقم الظاهرة الدينية.
صحيح أن هذا الموضوع حتى الآن لا يثير اهتمام معظم العلمانيين، لأن الفتاوى الحريدية لا تمسّهم، لكن كلما ازداد الحريديم تطرفاً، اشتدت المظاهرات من النوع الذي رأيناه في الآونة الأخيرة في القدس، وعندها سيشعر العلمانيون أيضاً بمشكلة تفاقم الظاهرة الدينية.
في ضوء هذا الواقع، ترى الصحيفة أنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية التطرق إلى المشكلة الحريدية بنفسها منذ اليوم، وعدم انتظار المستقبل الذي قد يجلب مشكلة عسيرة جداً يصعب حلها.
دولة مقسمة منذ الآن
وفي تجلٍّ آخر من تجليات المجتمع الإسرائيلي الهجين، يتحدث يوارم كانيوك، في صحيفة «هآرتس»، عن الدولة العبرية باعتبارها دولة مقسَّمة منذ الآن، لكن ليس بين اليهود والعرب، بل بين يهود تل أبيب ويهود المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
في هذا المجال، يقول كانيوك، إنه لن تنشأ في أرض فلسطين دولة لشعبين (في إشارة إلى اليهود والعرب)، «لأننا تحوّلنا منذ زمن إلى شعبين لبلدين»، ويضيف أنه «من بلاد تل أبيب نحن نعرف عن الحياة في شيكاغو أكثر مما نعرف عما يجري في عوفرا (مستوطنة في الضفة الغربية). نحن لا نسافر إلى هناك. هم يأتون إلى هنا بين الحين والآخر مع بنادق M16، كي ينشدوا نشيداً عبرياً تعلّموه ونحن نسيناه».
ويقول كانيوك إن «بلاد تل أبيب لا تنحصر في تل أبيب فقط ، فهي تضم نصف القدس المتواضعة وكل ما يمتد بين عسقلان وعكا. أما بلاد يهودا (جنوبي الضفة) فهي تعني يهودا، وما كانت عليه أيضاً مملكة إسرائيل قديماً هنا وهناك».
يضيف كانيوك أنه «كمَن قاتل في القدس في سبيل قيام دولة يهودية في 1948، ليس لدي فكرة عما يحصل حقاً في الجانب الآخر. في ذاك الخارج الذي يوجد على مسافة 50 كلم من جادة روتشيلد في تل أبيب».
وبحسب كانيوك، فإنه «بسبب بن غوريون واستسلامه للمتدينين توجد اليوم دولة تل أبيب، ولكن لا توجد فيها قومية إسرائيلية. بعد 61 سنة وصلنا إلى دولة أبارتهايد دينية بين أفراد شعب واحد فقط، وهي متطرفة مثل إيران. في دولة يهودا تسيطر دولة يمينية دينية – متطرفة، تفرض الرعب على الدولتين معاً أيضاً».