ارشيف من :ترجمات ودراسات
هذه هي المقاربة الإسرائيلية لمواجهة المدّ الديموغرافي لفلسطينيي 48
عباس اسماعيل/ نقلا عن مجلة العودة/ العدد الثلاثون/ اذار 2010
تفرض النظرة الإسرائيلية إلى الواقع الديموغرافي المتبلور داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، مقاربة خارجة عن المألوف السائد في العالم، انطلاقاً من اعتبار أن أي خلل في التوازن الديموغرافي بين العرب واليهود داخل أراضي 48، يُخلّ بالمعادلة التي حددتها دوائر القرار الصهيوني في الدولة اليهودية، التي تفرض الحفاظ على توازن ديموغرافي وفق نسبة 20% للعرب مقابل 80% لليهود.تقوم المقاربة الإسرائيلية المشار إليها على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لتثبيت السقف الديموغرافي العربي في فلسطين المحتلة عند المعدل الحالي كسقف أعلى، مع أرجحية وأولوية قصوى لخَفض النسبة الحالية قدر الإمكان، ذلك أن أي تغيّر بياني تصاعدي في المعطيات الديموغرافية لفلسطينيي 48، يمثل في المقابل تصاعداً في المسار البياني للخطر على الدولة اليهودية، ما يعني وجود علاقة جدلية بين تعزيز الواقع الديموغرافي العربي في الدولة اليهودية وتراجع فرص الحفاظ على يهودية الدولة، على اعتبار أن يهودية الدولة تفرض تحقيق أغلبية يهودية راسخة ومستقرة تكون متحررة من خطر التزايد الديموغرافي العربي الذي من شأنه أن يحوّل «إسرائيل» من دولة قومية- دينية؛ أي دولة يهودية، إلى دولة ثنائية القومية، الأمر الذي يعني فشل المشروع الصهيوني الذي قام على شعار «بناء وطن قومي لليهود» في فلسطين.
بناءً عليه، ثمة إجماع في دوائر القرار الإسرائيلي، على اعتبار الواقع الديموغرافي العربي في الكيان قنبلةً موقوتة، يتعيّن العمل في سباق مع الزمن لنزع فتيلها قبل أن تنفجر في وجه «الدولة اليهودية». ولا يتوانى العديد من صناع القرار الإسرائيلي، عن التطرق إلى الواقع الديموغرافي العربي باعتباره أحد المخاطر الأساسية والاستراتيجية التي تتكون منها منظومة المخاطر والتحديات التي تحدق بالكيان، بل يذهب البعض إلى وضع الخطر الديموغرافي في مكانة متقدمة ضمن قائمة المخاطر، على الخطر الأمني الذي تمثله حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، أو حتى الخطر الآتي من اختلال توازن الردع في المنطقة وتغيير موازين القوى فيها، ولا سيما ما يتعلق منها بالمشروع النووي الإيراني. على سبيل المقارنة، ثمة من يعتقد أنه إذا كان التهديد النووي الإيراني مصنفاً «تهديداً محتملاً»، بمعنى أن إمكانية استخدامه متدنية، وأن تأثيره قد ينحصر في الأبعاد الردعية لاعتبارات عديدة، إلا أن الواقع الديموغرافي يمثل «تهديداً مؤكداً»، وتأثيره السلبي على يهودية الدولة حتمي، وهذا يعني أن خطره، من وجهة نظر المسؤولين الإسرائيليين، مؤكد وملموس على وجود الدولة العبرية وأمنها واستقرارها، وهذا ما يتطلب حكماً معالجة سريعة وفاعلة.
الخيارات والنظريات الإسرائيلية
من الناحية النظرية، تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية في المواجهة الديموغرافية مع العرب، على دوائر ثلاث هي:
1- التخلص الكلي من الوجود العربي داخل أراضي 48، أو التخلص من أكبر قدر ممكن منهم.
2- الحد من التزايد الديموغرافي لفلسطينيي 48.
3- زيادة عدد اليهود داخل الكيان.
الدائرة الأولى
لا شك في أن الدائرة الأولى، خيار الترحيل، أي التخلص الكلي أو الجزئي من فلسطينيي 48، تمثل الخيار المفضل لدى القادة الصهانية، وهو خيار له مَن يُنظّر له سياسياً وإيديولوجياً، ويدعو إلى تطبيقه، سلماً أو حرباً. ومن الناحية النظرية أيضاً، ثمة سبيلان لتحقيقه: الترحيل القسري، والترحيل الاختياري.
فالترحيل القسري يمكن أن يستخدم القوة المباشرة، كما حصل في أكثر من محطة من تاريخ الصراع، أو باستخدام أساليب عنفية غير مباشرة. لكن المشكلة بالنسبة إلى هؤلاء تكمن في أن هذا الخيار غير واقعي وغير قابل للتحقق، لأن «الزمن الأول تحوّل»، ولأن الظروف الخارجية والداخلية تغيرت، ولأن الوجود الفلسطيني الحالي في الداخل المحتل راسخ وقوي وثابت، وأن لدى فلسطينيي 48 من الوعي والإدراك وعزيمة المواجهة والتحدي ما من شأنه أن يسمح لهم بمواجهة أي خيار من هذا النوع، إلى جانب عدد من الاعتبارات الأُخرى، الداخلية والخارجية، التي لا مجال لذكرها الآن.
وإدراكاً منهم لحقيقة استحالة الترحيل القسري في ظل الظروف الحالية وموازين القوى القائمة، يبحث المسؤولون الإسرائيليون عن سبُل أُخرى خلاّقة، تتيح لهم تحقيق أهدافهم، وهذا ما يتجلى في الأفكار التي تُطرح بين الحين والآخر لتشجيع فلسطينيي 48 على الرحيل، من خلال استخدام أساليب الترغيب والترهيب، التي لم يُكتب لها النجاح حتى الآن.
من أبرز الأفكار المطروحة داخل أروقة الحكم والقرار في الكيان، فكرة تبادل الأراضي والسكان مع الدولة الفلسطينية الموعودة في إطار التسوية السياسية، التي ترمي أساساً من وجهة النظر الإسرائيلية إلى إصابة عصفورين بحجر واحد: التخلص من أكبر عدد ممكن من فلسطينيي 48، من خلال انتقالهم إلى «الدولة الفلسطينية»، وضم أكبر قدر ممكن من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. ويتميز هذا الطرح في كونه يحظى بشبه إجماع يهودي داخل الكيان، مقابل إجماع على رفضه من قبل فلسطينيي 48، الذين يقفون سداً منيعاً أمام تحققه.
واللافت أن هذا الخيار لم يَعد مجرد فكرة، بل تحول إلى طرح جدي ومفصّل، وُضعت له عدة صياغات، لعل أهمها وأوضحها تلك التي أعدّها مستشار الأمن القومي الحالي لرئيس الحكومة الإسرائيلية عوزي أراد عندما كان رئيساً لمؤتمر هرتسيليا، وقد طرحها في مؤتمر هرتسليا الثامن عام 2008.
ويندرج ضمن هذا السياق أيضاً، المؤتمر العنصري الأول من نوعه الذي عقده اليمين الإسرائيلي في مدينة الرملة، في أيار 2008، بمبادرة عضو الكنيست رئيس كتلة «الاتحاد القومي ـ المفدال» أوري أرئييل، بهدف تشجيع العرب على الهجرة من المدن الساحلية (اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا) أساساً، ومن باقي أرجاء فلسطين المحتلة عام 48. وقد دعا أرئييل إلى ضرورة وضع برنامج تفصيلي لدفعهم إلى الهجرة من المدن الساحلية وباقي التجمعات العربية، وإثارة الرأي العام الإسرائيلي وتجنيده لتحقيق هذا الهدف.
الدائرة الثانية
تقوم على قاعدة «الحد من التزايد الديموغرافي لفلسطينيي 48»، على أمل المحافظة على نسبة مفضلة بين اليهود والعرب داخل فلسطين بمعدل 80% لليهود مقابل 20% للعرب، مع وضع خط أحمر للميزان الديموغرافي اليهودي- العربي، هو 70% من اليهود مقابل 30% من العرب. وتتميز هذه الدائرة عن الدائرة الأولى، في اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بإمكانية النجاح الجزئي والكلي لهذا الخيار، من خلال اعتماد مروحة واسعة من الخطوات والإجراءات التي تشمل كل المجالات، القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ويندرج ضمن هذا السياق، الإجراءات القانونية التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية والمتمثلة في سلسلة القوانين الرامية إلى الحد من إمكانية التزايد السكاني للعرب، مثل قانون العودة، وقانون المواطنة الذي جرى تعديله عدة مرات بما يتلاءم مع الغاية الأساسية منه، وهي تقليص الزيادة الديموغرافية للعرب، وفرض قيود قاسية وصعبة جداً على محاولات لمّ الشمل الفلسطينية، وكذلك منع العرب، ولا سيما البدو، من الزواج المتعدّد للحدّ من نسبة الإنجاب العالية في أوساط البدو تحديداً، وحرمان العائلات العربية الكثيرة الأولاد المخصصات التي تُدفع للعائلات اليهودية الكثيرة الأولاد، من خلال إدخال معايير تُخرج العرب من دائرة المستفيدين مثل ربط الحصول على تلك المخصصات بالخدمة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، والهدف من هذه الخطوة رَدُّ العائلات العربية عن إنجاب عدد كبير من الأولاد بوضعها تحت ضغط الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب.
الدائرة الثالثة
تنطلق الدائرة الثالثة من قاعدة زيادة عدد اليهود داخل أراضي 48، وذلك من خلال العمل على خطَّين: الأول، استجلاب أكبر قدر ممكن من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة. والثاني، زيادة عدد اليهود فيها.
وبغية جلب أكبر قدر ممكن من يهود العالم، لجأت السلطات الإسرائيلية إلى العديد من الخطوات التشجيعية، وإلى تقديم الكثير من الإغراءات لهذه الغاية، والعمل أيضاً على تسريع وتسهيل عمليات تهويد المهاجرين الذين لا تعترف الحاخامية الرئيسية في إسرائيل بيهوديتهم، ولا سيما المهاجرون من دول الاتحاد السوفياتي السابق، ومن إثيوبيا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2007، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، كلّف سكرتير الحكومة الإسرائيلية عوفيد يحزقيئل، بحث إمكانية التسريع في تهويد أكثر من 300 ألف مهاجر جديد والعمل على إعادة 700 ألف إسرائيلي غادروا البلاد، وذلك من أجل منع فقدان الأغلبية اليهودية للدولة.
وبيّنت وسائل الإعلام أن هذا القرار يستند إلى استنتاجات لجنة خبراء خاصة عُقدت أخيراً للبحث في مشكلة التهويد. وبحسب المعطيات التي جُمعت في ديوان رئيس الحكومة، فإن نحو 300 ألف مهاجر جديد ممن «تحقّ لهم العودة ولكنهم ليسوا يهوداً حسب الشريعة اليهودية» يقفون في الطابور انتظاراً للتهويد، وأنه بين أعوام 2000 و2006 لم يتهود سوى 27656 منهم.
وفي سياق متصل أيضاً، تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواصل دراسة خطة لمحاولة إعادة مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين غادروا.
وكانت الإذاعة الإسرائيلية قد أجرت دراسة لمصلحة وزارة الاستيعاب الإسرائيلية تبيّن منها أن سبعمائة ألف إسرائيلي يعيشون في الخارج، ويرفضون العودة إليها، وأن نسبة كبيرة منهم يمرّون في عملية تحوّل عن اليهودية. ولهذه الغاية، قدم وزير الهجرة والاستيعاب الإسرائيلي السابق يعقوب أدري، مشروعاً لحلّ المشكلة يقضي بتخصيص مبلغ 150 مليون شيكل (37 مليون دولار) لتمويل حملة دعائية لإقناع هؤلاء الإسرائيليين، وخصوصاً الشباب وأسرهم بالعودة إلى فلسطين المحتلة.
تفرض النظرة الإسرائيلية إلى الواقع الديموغرافي المتبلور داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، مقاربة خارجة عن المألوف السائد في العالم، انطلاقاً من اعتبار أن أي خلل في التوازن الديموغرافي بين العرب واليهود داخل أراضي 48، يُخلّ بالمعادلة التي حددتها دوائر القرار الصهيوني في الدولة اليهودية، التي تفرض الحفاظ على توازن ديموغرافي وفق نسبة 20% للعرب مقابل 80% لليهود.تقوم المقاربة الإسرائيلية المشار إليها على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لتثبيت السقف الديموغرافي العربي في فلسطين المحتلة عند المعدل الحالي كسقف أعلى، مع أرجحية وأولوية قصوى لخَفض النسبة الحالية قدر الإمكان، ذلك أن أي تغيّر بياني تصاعدي في المعطيات الديموغرافية لفلسطينيي 48، يمثل في المقابل تصاعداً في المسار البياني للخطر على الدولة اليهودية، ما يعني وجود علاقة جدلية بين تعزيز الواقع الديموغرافي العربي في الدولة اليهودية وتراجع فرص الحفاظ على يهودية الدولة، على اعتبار أن يهودية الدولة تفرض تحقيق أغلبية يهودية راسخة ومستقرة تكون متحررة من خطر التزايد الديموغرافي العربي الذي من شأنه أن يحوّل «إسرائيل» من دولة قومية- دينية؛ أي دولة يهودية، إلى دولة ثنائية القومية، الأمر الذي يعني فشل المشروع الصهيوني الذي قام على شعار «بناء وطن قومي لليهود» في فلسطين.
بناءً عليه، ثمة إجماع في دوائر القرار الإسرائيلي، على اعتبار الواقع الديموغرافي العربي في الكيان قنبلةً موقوتة، يتعيّن العمل في سباق مع الزمن لنزع فتيلها قبل أن تنفجر في وجه «الدولة اليهودية». ولا يتوانى العديد من صناع القرار الإسرائيلي، عن التطرق إلى الواقع الديموغرافي العربي باعتباره أحد المخاطر الأساسية والاستراتيجية التي تتكون منها منظومة المخاطر والتحديات التي تحدق بالكيان، بل يذهب البعض إلى وضع الخطر الديموغرافي في مكانة متقدمة ضمن قائمة المخاطر، على الخطر الأمني الذي تمثله حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، أو حتى الخطر الآتي من اختلال توازن الردع في المنطقة وتغيير موازين القوى فيها، ولا سيما ما يتعلق منها بالمشروع النووي الإيراني. على سبيل المقارنة، ثمة من يعتقد أنه إذا كان التهديد النووي الإيراني مصنفاً «تهديداً محتملاً»، بمعنى أن إمكانية استخدامه متدنية، وأن تأثيره قد ينحصر في الأبعاد الردعية لاعتبارات عديدة، إلا أن الواقع الديموغرافي يمثل «تهديداً مؤكداً»، وتأثيره السلبي على يهودية الدولة حتمي، وهذا يعني أن خطره، من وجهة نظر المسؤولين الإسرائيليين، مؤكد وملموس على وجود الدولة العبرية وأمنها واستقرارها، وهذا ما يتطلب حكماً معالجة سريعة وفاعلة.
الخيارات والنظريات الإسرائيلية
من الناحية النظرية، تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية في المواجهة الديموغرافية مع العرب، على دوائر ثلاث هي:
1- التخلص الكلي من الوجود العربي داخل أراضي 48، أو التخلص من أكبر قدر ممكن منهم.
2- الحد من التزايد الديموغرافي لفلسطينيي 48.
3- زيادة عدد اليهود داخل الكيان.
الدائرة الأولى
لا شك في أن الدائرة الأولى، خيار الترحيل، أي التخلص الكلي أو الجزئي من فلسطينيي 48، تمثل الخيار المفضل لدى القادة الصهانية، وهو خيار له مَن يُنظّر له سياسياً وإيديولوجياً، ويدعو إلى تطبيقه، سلماً أو حرباً. ومن الناحية النظرية أيضاً، ثمة سبيلان لتحقيقه: الترحيل القسري، والترحيل الاختياري.
فالترحيل القسري يمكن أن يستخدم القوة المباشرة، كما حصل في أكثر من محطة من تاريخ الصراع، أو باستخدام أساليب عنفية غير مباشرة. لكن المشكلة بالنسبة إلى هؤلاء تكمن في أن هذا الخيار غير واقعي وغير قابل للتحقق، لأن «الزمن الأول تحوّل»، ولأن الظروف الخارجية والداخلية تغيرت، ولأن الوجود الفلسطيني الحالي في الداخل المحتل راسخ وقوي وثابت، وأن لدى فلسطينيي 48 من الوعي والإدراك وعزيمة المواجهة والتحدي ما من شأنه أن يسمح لهم بمواجهة أي خيار من هذا النوع، إلى جانب عدد من الاعتبارات الأُخرى، الداخلية والخارجية، التي لا مجال لذكرها الآن.
وإدراكاً منهم لحقيقة استحالة الترحيل القسري في ظل الظروف الحالية وموازين القوى القائمة، يبحث المسؤولون الإسرائيليون عن سبُل أُخرى خلاّقة، تتيح لهم تحقيق أهدافهم، وهذا ما يتجلى في الأفكار التي تُطرح بين الحين والآخر لتشجيع فلسطينيي 48 على الرحيل، من خلال استخدام أساليب الترغيب والترهيب، التي لم يُكتب لها النجاح حتى الآن.
من أبرز الأفكار المطروحة داخل أروقة الحكم والقرار في الكيان، فكرة تبادل الأراضي والسكان مع الدولة الفلسطينية الموعودة في إطار التسوية السياسية، التي ترمي أساساً من وجهة النظر الإسرائيلية إلى إصابة عصفورين بحجر واحد: التخلص من أكبر عدد ممكن من فلسطينيي 48، من خلال انتقالهم إلى «الدولة الفلسطينية»، وضم أكبر قدر ممكن من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. ويتميز هذا الطرح في كونه يحظى بشبه إجماع يهودي داخل الكيان، مقابل إجماع على رفضه من قبل فلسطينيي 48، الذين يقفون سداً منيعاً أمام تحققه.
واللافت أن هذا الخيار لم يَعد مجرد فكرة، بل تحول إلى طرح جدي ومفصّل، وُضعت له عدة صياغات، لعل أهمها وأوضحها تلك التي أعدّها مستشار الأمن القومي الحالي لرئيس الحكومة الإسرائيلية عوزي أراد عندما كان رئيساً لمؤتمر هرتسيليا، وقد طرحها في مؤتمر هرتسليا الثامن عام 2008.
ويندرج ضمن هذا السياق أيضاً، المؤتمر العنصري الأول من نوعه الذي عقده اليمين الإسرائيلي في مدينة الرملة، في أيار 2008، بمبادرة عضو الكنيست رئيس كتلة «الاتحاد القومي ـ المفدال» أوري أرئييل، بهدف تشجيع العرب على الهجرة من المدن الساحلية (اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا) أساساً، ومن باقي أرجاء فلسطين المحتلة عام 48. وقد دعا أرئييل إلى ضرورة وضع برنامج تفصيلي لدفعهم إلى الهجرة من المدن الساحلية وباقي التجمعات العربية، وإثارة الرأي العام الإسرائيلي وتجنيده لتحقيق هذا الهدف.
الدائرة الثانية
تقوم على قاعدة «الحد من التزايد الديموغرافي لفلسطينيي 48»، على أمل المحافظة على نسبة مفضلة بين اليهود والعرب داخل فلسطين بمعدل 80% لليهود مقابل 20% للعرب، مع وضع خط أحمر للميزان الديموغرافي اليهودي- العربي، هو 70% من اليهود مقابل 30% من العرب. وتتميز هذه الدائرة عن الدائرة الأولى، في اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بإمكانية النجاح الجزئي والكلي لهذا الخيار، من خلال اعتماد مروحة واسعة من الخطوات والإجراءات التي تشمل كل المجالات، القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ويندرج ضمن هذا السياق، الإجراءات القانونية التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية والمتمثلة في سلسلة القوانين الرامية إلى الحد من إمكانية التزايد السكاني للعرب، مثل قانون العودة، وقانون المواطنة الذي جرى تعديله عدة مرات بما يتلاءم مع الغاية الأساسية منه، وهي تقليص الزيادة الديموغرافية للعرب، وفرض قيود قاسية وصعبة جداً على محاولات لمّ الشمل الفلسطينية، وكذلك منع العرب، ولا سيما البدو، من الزواج المتعدّد للحدّ من نسبة الإنجاب العالية في أوساط البدو تحديداً، وحرمان العائلات العربية الكثيرة الأولاد المخصصات التي تُدفع للعائلات اليهودية الكثيرة الأولاد، من خلال إدخال معايير تُخرج العرب من دائرة المستفيدين مثل ربط الحصول على تلك المخصصات بالخدمة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، والهدف من هذه الخطوة رَدُّ العائلات العربية عن إنجاب عدد كبير من الأولاد بوضعها تحت ضغط الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب.
الدائرة الثالثة
تنطلق الدائرة الثالثة من قاعدة زيادة عدد اليهود داخل أراضي 48، وذلك من خلال العمل على خطَّين: الأول، استجلاب أكبر قدر ممكن من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة. والثاني، زيادة عدد اليهود فيها.
وبغية جلب أكبر قدر ممكن من يهود العالم، لجأت السلطات الإسرائيلية إلى العديد من الخطوات التشجيعية، وإلى تقديم الكثير من الإغراءات لهذه الغاية، والعمل أيضاً على تسريع وتسهيل عمليات تهويد المهاجرين الذين لا تعترف الحاخامية الرئيسية في إسرائيل بيهوديتهم، ولا سيما المهاجرون من دول الاتحاد السوفياتي السابق، ومن إثيوبيا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2007، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، كلّف سكرتير الحكومة الإسرائيلية عوفيد يحزقيئل، بحث إمكانية التسريع في تهويد أكثر من 300 ألف مهاجر جديد والعمل على إعادة 700 ألف إسرائيلي غادروا البلاد، وذلك من أجل منع فقدان الأغلبية اليهودية للدولة.
وبيّنت وسائل الإعلام أن هذا القرار يستند إلى استنتاجات لجنة خبراء خاصة عُقدت أخيراً للبحث في مشكلة التهويد. وبحسب المعطيات التي جُمعت في ديوان رئيس الحكومة، فإن نحو 300 ألف مهاجر جديد ممن «تحقّ لهم العودة ولكنهم ليسوا يهوداً حسب الشريعة اليهودية» يقفون في الطابور انتظاراً للتهويد، وأنه بين أعوام 2000 و2006 لم يتهود سوى 27656 منهم.
وفي سياق متصل أيضاً، تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواصل دراسة خطة لمحاولة إعادة مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين غادروا.
وكانت الإذاعة الإسرائيلية قد أجرت دراسة لمصلحة وزارة الاستيعاب الإسرائيلية تبيّن منها أن سبعمائة ألف إسرائيلي يعيشون في الخارج، ويرفضون العودة إليها، وأن نسبة كبيرة منهم يمرّون في عملية تحوّل عن اليهودية. ولهذه الغاية، قدم وزير الهجرة والاستيعاب الإسرائيلي السابق يعقوب أدري، مشروعاً لحلّ المشكلة يقضي بتخصيص مبلغ 150 مليون شيكل (37 مليون دولار) لتمويل حملة دعائية لإقناع هؤلاء الإسرائيليين، وخصوصاً الشباب وأسرهم بالعودة إلى فلسطين المحتلة.