ارشيف من :خاص
أين تستفيد واشنطن و"تل ابيب" من "الزعل" الاميركي حول الاستيطان؟!
حسان ابراهيم
يبدو مشهد "زعل" الإدارة الاميركية من الحكومة الاسرائيلية، مبررا، من حيث الشكل. لا خلاف ان الإعلان عن بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة لليهود، في شرقي القدس، وتحديدا خلال زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن لفلسطين المحتلة، يعتبر عملا غير لائق من ناحية "اسرائيل" للولايات المتحدة، وتحديدا لرئيسها، لكن كان بامكان الجانبين ان يتجاوزانها بالتأكيد، كما جرى تجاوز عدد كبير من "الاهانات" الشبيهة، وإن كانت أقل حدة ومباشرة، مما حصل اخيرا.
نتيجة لـ"الاهانة" قامت الادارة الاميركية بتصعيد كلامي ملفت في الايام القليلة الماضية، بعد سكوت وصمت دام اياما ايضا، تخللته مواقف اميركية، ومن قبل نائب الرئيس الاميركي نفسه الذي وصف بالمهان، الى ان واشنطن تجاوزت "سوء الفهم" وتتطلع بالتالي الى معاودة استئناف المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين. وبالتالي، فان التصعيد الكلامي، كما يبدو، يأتي في اعقاب دراسة وتحليل معمقين، وصولا الى النتيجة الحالية: اظهار الخلاف الى العلن، ومحاولة الاستفادة منه الى أقصى حدود.
ضمن هذا الاطار، ولفهم هذا التطور غير المتوقع وتأثيره على المشهد العام، من الواجب العودة الى أصل مقاربة ادارة الرئيس باراك اوباما لملف المفاوضات بين الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية، وما يريد تحقيقه من اهداف فعلية انطلاقا من معاودة اطلاق المفاوضات، حتى وإن جاءت غير مباشرة، بما بات يسمى بـ"محادثات التقارب" بين الجانبين.
فور وصول اوباما الى البيت الابيض، اعلن على الملأ انه ينوي ايجاد حل سريع للمسألة الفلسطينية، من خلال اعادة تحريك المفاوضات، وبأقصى سرعة ممكنة، لانهاء هذا الملف العالق، بما فيه حل للقضايا الاساسية فيه، اي القدس واللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية. وحاول اوباما في اول عهده ان يُظهر ادارته بانها تضع شروطا ابتدائية على اسرائيل، تمهيدا للمفاوضات، ومنها الايقاف المطلق للاستيطان في الاراضي المحتلة في الضفة والقدس.
كانت النية الاميركية متجهة بشكل واضح، وكما جرى الاعلان عنه في مواقف اميركية مقربة من الادارة، الى انهاء هذا الملف سريعا، والتفرغ لمواجهة قضايا حساسة اخرى واكثر الحاحا بالنسبة لواشنطن في المنطقة، وهي: الملف النووي الايراني، والتخبط في العراق وافغانستان.
بحسب الاشارات الاميركية، التي تحولت الى تأكيدات في مرحلة لاحقة، ترى واشنطن ان حل المسألة الفلسطينية عن طريق التسوية، مهما كانت نتيجة التسوية، ستوجد صدى جيدا في الشارع العربي، يساعد الاميركيين في توجهاتهم في المنطقة، بل يشجع بلدان عربية "معتدلة" للانخراط بشكل علني وسافر، ضد الجمهورية الاسلامية في ايران.
في المقلب الاسرائيلي، لم تكن تل ابيب بقادرة على مجاراة الاميركيين، ذلك ان تركيبة الحكومة الصهيونية، لم تكن تسمح لرئيسها بنيامين نتنياهو بالسير قدما او التناغم مع المطالب الاميركية، حتى وإن اراد ذلك، او رضخ للضغوط. ما دفع واشنطن الى التواضع في مطالبها، نحو تجميد الاستيطان مؤقتا، ومن ثم الى التواضع اكثر نحو مفاوضات غير مباشرة، ثم محادثات غير مباشرة تهدف الى التقارب بين الجانب الاسرائيلي والجانب الفلسطيني.
المعنى، ان المسائل في ساحة التفاوض وصلت الى حد، لم تعد تجدي نفعا لواشنطن لجهة استغلالها في الشارع العربي، ولدى الحكومات "المعتدلة" في المنطقة حيال ايران. حتى مع بدء ما جرى تسميته بـ"محادثات غير مباشرة للتقارب"، ذلك ان النتيجة محدودة جدا.
هل جاءت "الاهانة" كفرصة جرى استغلالها، او انها مقصودة، الامر سيان.. لقد تلقفت الادارة الاميركية تصريحات صادرة عن وزير الداخلية الاسرائيلي، ايلي يشاي، عن وجود مخططات لبناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، خلال زيارة نائب الرئيس الاميركي بايدن الى الكيان، واعتبرتها "اهانة"، وبنت عليها مواقف تظهر واشنطن في خلاف ومخاصمة مع تل ابيب.
على هذا المشهد، اي مشهد الخلاف مع "اسرائيل"، تبدو واشنطن في طور تحقيق ما لم تحققه في مسار التفاوض، الذي تواضعت نتائجه الى حدود غير مثمرة لصالح الاهداف الاميركية منه. وبالتالي، يمكن القول ان الاميركيين قد استفادوا من مشهد الخصام الى حدود لم تكن متصورة.
في كلما اخرى، تبدو الصورة الحالية مشجعة للاميركيين الى حد كبير. فاذا كانت واشنطن ترغب من احياء المسار التفاوضي اظهار نفسها على انها معنية بقضية عربية لارضاء الشارع العربي والحكومات "المعتدلة"، فها هي الصورة قد في طور التحقق بالفعل: واشنطن تعمل ضد تل ابيب، وهي على خلاف معها. لكن العيوب في هذه الصورة كثيرة:
لم يصدر عن الاميركيين اية مواقف او اجراءات غير كلامية الى الان، وبالتالي من الصعب ان تقطف واشنطن ثمارا كاملة ومهمة من صورة الخلاف مع تل ابيب.
من الصعب ان تسير الادارة الاميركية الى حدود تؤذي "اسرائيل" بالفعل، ليس لانها لا تريد ذلك وحسب، بل لانها غير قادرة على ملامسة هذه الحدود، نظرا للقدرة الفائقة التي يملكها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، بالضغط على الادارة الاميركية.
من الصعب ايضا ان تكون ثمار اطلاق المفاوضات شبيهة بصورة الخلاف مع تل ابيب، انها نتيجة من غير المتوقع ان تتحقق، مهما بلغت المواقف الكلامية الاميركية حيال اسرائيل.. فإرث الماضي المحفور في الوعي العربي عن العلاقات المترسخة بين اميركا واسرائيل، لا يمكن ان يمحوه مجرد مواقف كلامية ضد تل ابيب، او الحديث عن "اهانة"، او اهانات.
ضمن هذا الاطار وهذا الواقع، الى اين يمكن ان تصل الامور؟.
من المفيد للاميركيين، الاستثمار في هذه المسألة الى حدودها القصوى، ضمن امكانياتهم الفعلية حيال "اسرائيل"، اي استثمار من خلال مواقف كلامية وغير فعلية، بمعنى عدم ايذاء "اسرائيل" من ناحية واقعية.
اكثر ما يمكن ان تتوصل اليه واشنطن من خلال صورة الازمة الحالية، ان تعاود وضع الجانبين، الاسرائيلي والفلسطيني على طاولة المفاوضات غير المباشرة، واستئناف هذه المحاولة من جديد. اي العودة الى ذي بدء، مع الامل بان تكون صورة الولايات المتحدة في الاذهان العربية، لجهة انحيازها المطلق لتل ابيب، قد اصيبت بتشوه ما.
رغم ذلك، لن تكون "اسرائيل" خاسرة في كل هذه المسألة، فأقصى ما يمكن ان تدفعه من اثمان، هو الاعتذار للادارة الاميركية عن "الاهانة"، مع كلام استنكاري ستتلقاها من بعض العواصم العالمية، وهذا واقع قد اعتادت عليه بالفعل، لكن لناحية الثمن الفعلي فسيكون كلاميا بامتياز، اي الاعلان عن تجميد مخطط الـ1600 وحدة استيطانية، مع ضابطة عدم الحديث عن الغائه، وبذلك تظهر انها دفعت ثمنا. مع العلم ان هذا الثمن فارغ في حقيقته، فهي تدفع بعملة غير موجودة، اي تجميد بناء وحدات سكنية، كانت تفكر ببنائها في المستقبل..
لم يتغير المشهد، من ناحية فعلية، كثيرا. تبقى "اسرائيل" هي نفسها، والولايات المتحدة هي نفسها، وايضا السلطة الفلسطينية، التي تنتظر ما ستقرره واشنطن لتتخذ موقفا يتلائم مع ما يريده الاميركيون، هي نفسها ايضا.. ومن السخافة ان يجري التداول بما تمتليء به الصحف الاسرائيلية، والحديث عن أزمة غير مسبوقة، رغم انها بالفعل غير مسبوقة لناحية الشكل، لا المضمون، وبين الحالين فارق كبير جدا.
يبدو مشهد "زعل" الإدارة الاميركية من الحكومة الاسرائيلية، مبررا، من حيث الشكل. لا خلاف ان الإعلان عن بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة لليهود، في شرقي القدس، وتحديدا خلال زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن لفلسطين المحتلة، يعتبر عملا غير لائق من ناحية "اسرائيل" للولايات المتحدة، وتحديدا لرئيسها، لكن كان بامكان الجانبين ان يتجاوزانها بالتأكيد، كما جرى تجاوز عدد كبير من "الاهانات" الشبيهة، وإن كانت أقل حدة ومباشرة، مما حصل اخيرا.
نتيجة لـ"الاهانة" قامت الادارة الاميركية بتصعيد كلامي ملفت في الايام القليلة الماضية، بعد سكوت وصمت دام اياما ايضا، تخللته مواقف اميركية، ومن قبل نائب الرئيس الاميركي نفسه الذي وصف بالمهان، الى ان واشنطن تجاوزت "سوء الفهم" وتتطلع بالتالي الى معاودة استئناف المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين. وبالتالي، فان التصعيد الكلامي، كما يبدو، يأتي في اعقاب دراسة وتحليل معمقين، وصولا الى النتيجة الحالية: اظهار الخلاف الى العلن، ومحاولة الاستفادة منه الى أقصى حدود.
ضمن هذا الاطار، ولفهم هذا التطور غير المتوقع وتأثيره على المشهد العام، من الواجب العودة الى أصل مقاربة ادارة الرئيس باراك اوباما لملف المفاوضات بين الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية، وما يريد تحقيقه من اهداف فعلية انطلاقا من معاودة اطلاق المفاوضات، حتى وإن جاءت غير مباشرة، بما بات يسمى بـ"محادثات التقارب" بين الجانبين.
فور وصول اوباما الى البيت الابيض، اعلن على الملأ انه ينوي ايجاد حل سريع للمسألة الفلسطينية، من خلال اعادة تحريك المفاوضات، وبأقصى سرعة ممكنة، لانهاء هذا الملف العالق، بما فيه حل للقضايا الاساسية فيه، اي القدس واللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية. وحاول اوباما في اول عهده ان يُظهر ادارته بانها تضع شروطا ابتدائية على اسرائيل، تمهيدا للمفاوضات، ومنها الايقاف المطلق للاستيطان في الاراضي المحتلة في الضفة والقدس.
كانت النية الاميركية متجهة بشكل واضح، وكما جرى الاعلان عنه في مواقف اميركية مقربة من الادارة، الى انهاء هذا الملف سريعا، والتفرغ لمواجهة قضايا حساسة اخرى واكثر الحاحا بالنسبة لواشنطن في المنطقة، وهي: الملف النووي الايراني، والتخبط في العراق وافغانستان.
بحسب الاشارات الاميركية، التي تحولت الى تأكيدات في مرحلة لاحقة، ترى واشنطن ان حل المسألة الفلسطينية عن طريق التسوية، مهما كانت نتيجة التسوية، ستوجد صدى جيدا في الشارع العربي، يساعد الاميركيين في توجهاتهم في المنطقة، بل يشجع بلدان عربية "معتدلة" للانخراط بشكل علني وسافر، ضد الجمهورية الاسلامية في ايران.
في المقلب الاسرائيلي، لم تكن تل ابيب بقادرة على مجاراة الاميركيين، ذلك ان تركيبة الحكومة الصهيونية، لم تكن تسمح لرئيسها بنيامين نتنياهو بالسير قدما او التناغم مع المطالب الاميركية، حتى وإن اراد ذلك، او رضخ للضغوط. ما دفع واشنطن الى التواضع في مطالبها، نحو تجميد الاستيطان مؤقتا، ومن ثم الى التواضع اكثر نحو مفاوضات غير مباشرة، ثم محادثات غير مباشرة تهدف الى التقارب بين الجانب الاسرائيلي والجانب الفلسطيني.
المعنى، ان المسائل في ساحة التفاوض وصلت الى حد، لم تعد تجدي نفعا لواشنطن لجهة استغلالها في الشارع العربي، ولدى الحكومات "المعتدلة" في المنطقة حيال ايران. حتى مع بدء ما جرى تسميته بـ"محادثات غير مباشرة للتقارب"، ذلك ان النتيجة محدودة جدا.
هل جاءت "الاهانة" كفرصة جرى استغلالها، او انها مقصودة، الامر سيان.. لقد تلقفت الادارة الاميركية تصريحات صادرة عن وزير الداخلية الاسرائيلي، ايلي يشاي، عن وجود مخططات لبناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، خلال زيارة نائب الرئيس الاميركي بايدن الى الكيان، واعتبرتها "اهانة"، وبنت عليها مواقف تظهر واشنطن في خلاف ومخاصمة مع تل ابيب.
على هذا المشهد، اي مشهد الخلاف مع "اسرائيل"، تبدو واشنطن في طور تحقيق ما لم تحققه في مسار التفاوض، الذي تواضعت نتائجه الى حدود غير مثمرة لصالح الاهداف الاميركية منه. وبالتالي، يمكن القول ان الاميركيين قد استفادوا من مشهد الخصام الى حدود لم تكن متصورة.
في كلما اخرى، تبدو الصورة الحالية مشجعة للاميركيين الى حد كبير. فاذا كانت واشنطن ترغب من احياء المسار التفاوضي اظهار نفسها على انها معنية بقضية عربية لارضاء الشارع العربي والحكومات "المعتدلة"، فها هي الصورة قد في طور التحقق بالفعل: واشنطن تعمل ضد تل ابيب، وهي على خلاف معها. لكن العيوب في هذه الصورة كثيرة:
لم يصدر عن الاميركيين اية مواقف او اجراءات غير كلامية الى الان، وبالتالي من الصعب ان تقطف واشنطن ثمارا كاملة ومهمة من صورة الخلاف مع تل ابيب.
من الصعب ان تسير الادارة الاميركية الى حدود تؤذي "اسرائيل" بالفعل، ليس لانها لا تريد ذلك وحسب، بل لانها غير قادرة على ملامسة هذه الحدود، نظرا للقدرة الفائقة التي يملكها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، بالضغط على الادارة الاميركية.
من الصعب ايضا ان تكون ثمار اطلاق المفاوضات شبيهة بصورة الخلاف مع تل ابيب، انها نتيجة من غير المتوقع ان تتحقق، مهما بلغت المواقف الكلامية الاميركية حيال اسرائيل.. فإرث الماضي المحفور في الوعي العربي عن العلاقات المترسخة بين اميركا واسرائيل، لا يمكن ان يمحوه مجرد مواقف كلامية ضد تل ابيب، او الحديث عن "اهانة"، او اهانات.
ضمن هذا الاطار وهذا الواقع، الى اين يمكن ان تصل الامور؟.
من المفيد للاميركيين، الاستثمار في هذه المسألة الى حدودها القصوى، ضمن امكانياتهم الفعلية حيال "اسرائيل"، اي استثمار من خلال مواقف كلامية وغير فعلية، بمعنى عدم ايذاء "اسرائيل" من ناحية واقعية.
اكثر ما يمكن ان تتوصل اليه واشنطن من خلال صورة الازمة الحالية، ان تعاود وضع الجانبين، الاسرائيلي والفلسطيني على طاولة المفاوضات غير المباشرة، واستئناف هذه المحاولة من جديد. اي العودة الى ذي بدء، مع الامل بان تكون صورة الولايات المتحدة في الاذهان العربية، لجهة انحيازها المطلق لتل ابيب، قد اصيبت بتشوه ما.
رغم ذلك، لن تكون "اسرائيل" خاسرة في كل هذه المسألة، فأقصى ما يمكن ان تدفعه من اثمان، هو الاعتذار للادارة الاميركية عن "الاهانة"، مع كلام استنكاري ستتلقاها من بعض العواصم العالمية، وهذا واقع قد اعتادت عليه بالفعل، لكن لناحية الثمن الفعلي فسيكون كلاميا بامتياز، اي الاعلان عن تجميد مخطط الـ1600 وحدة استيطانية، مع ضابطة عدم الحديث عن الغائه، وبذلك تظهر انها دفعت ثمنا. مع العلم ان هذا الثمن فارغ في حقيقته، فهي تدفع بعملة غير موجودة، اي تجميد بناء وحدات سكنية، كانت تفكر ببنائها في المستقبل..
لم يتغير المشهد، من ناحية فعلية، كثيرا. تبقى "اسرائيل" هي نفسها، والولايات المتحدة هي نفسها، وايضا السلطة الفلسطينية، التي تنتظر ما ستقرره واشنطن لتتخذ موقفا يتلائم مع ما يريده الاميركيون، هي نفسها ايضا.. ومن السخافة ان يجري التداول بما تمتليء به الصحف الاسرائيلية، والحديث عن أزمة غير مسبوقة، رغم انها بالفعل غير مسبوقة لناحية الشكل، لا المضمون، وبين الحالين فارق كبير جدا.