ارشيف من :ترجمات ودراسات
مقالات مختارة: سيناريوات ومواقف الحرب المقبلة
حسن خليل(*)
تنشط مراكز الأبحاث الدولية في تقويم تطور الأمور في حال نشوب حرب في المنطقة. آخر الدراسات في نشرة ستراتفور وضعت تصوّراً لإسرائيل بدخول قواتها البقاع لمنع وصول أية إمدادات لحزب الله من سوريا التي تصل إليها من إيران عبر مطار حلب، ولملاحقة مقاتليه حتى حدود الهرمل. ووضع كينيث بولاك من مؤسسة «بروكينغز» دراسة عن القدرات الفعلية لإسرائيل وأميركا في ضرب المواقع الإيرانية، مستنتجاً قدرة على توجيه ضربات كثيفة وجهلاً بقدرات الخط الممانع على الرّد، والتطورات في المنطقة كلها.
قمّة دمشق الأخيرة حسمت صورة الحرب المقبلة، وأزالت الغموض بشأن الحجم والواقع الجغرافي لها. كانت واضحة في رسالتها بأنه لا أحد سيُستفرد في حرب مقبلة، ستكون مفصلية للمنطقة والعالم، لتعيد رسم تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية، مع رسم جديد للجغرافيا السياسية في دول تتحمّل وحدها وحينها مسؤولية مواقفها السابقة.
تُرى ماذا ستكون مواقف الأطراف المتعددة في المنطقة إذا ما نشبت حرب إقليمية؟
لبنانياً، ستعود أجواء تموز 2006. أطراف ستلتصق بالجيش والمقاومة في دعم الصمود الداخلي، وأخرى ستحاول إعادة طرح «الصمود السياسي» بالتباكي في انتظار هزيمة المقاومة وحلفائها، حتى إذا لم يتمّ لها ذلك، تكاذبت مجدّداً على «وحدة الصف اللبناني»، تليها صرخات لتحييد لبنان مجدّداً. لم يقتنع السذّج بأن هذا البلد الصغير لا يعود صاحب قراره إذا تطوّر الصراع إلى حرب إقليمية شاملة. الدول الصغرى نسبياً تصبح أسيرة لحجم التعقيد الأكبر منها. يصبح الحياد في باب التمنيات، ويكون لبنان وقتها في قلب المعركة لا خارجها، بغض النظر عن الأثمان وما تطلقه إسرائيل من تهديدات بتدميره.
إقليمياً، سيكون الوضع أصعب مما كان عليه خلال حرب 2006. فالسكوت المبطّن لن يكفي، والاتهام بالمغامرة لن ينفع هذه المرة لأن الصواريخ والطائرات ستمرّ فوق رؤوس الجميع.
عمرو موسى اكتشف «أخيراً» أن إسرائيل تذهب إلى المفاوضات من أجل المفاوضات. رمزية التصريح صورة للخطاب العربي الجماعي.
في سوريا، سيكون الجيش والشعب ملتصقين بالقيادة السياسية، خطابهما قومي لا طائفي. كذلك في إيران.
الأردن، رهينة «الوطن البديل»، سيكون في مأزق لا يمكن تقديره. هل يستطيع النظام ضبط حدود 610 كليومترات إلى ما لا نهاية، أم تخرج الأمور عن السيطرة؟
السعودية، القادرة حتى الآن على التوازن بين النظام الملكي والنفوذ الديني، بدأت تستشعر خطورة مسار الأمور، ففتحت صفحة جديدة في العلاقات مع سوريا وحماس، وتستنبض ـ حالها كما حال دول الخليج ـ إمكان تحييدها عن صراع أكبر منها. وما قاله وزير خارجية البحرين في جلسة مغلقة يعبّر عن لسان حال أولياء الأمر في المنطقة: «التسوية مع إيران ستكون على حساب الخليج».
مصر تائهة بين قيود كامب ديفيد وهرم نظامها السياسي. العراق ستكون أرضه ساحة معركة فعلية. نظامه السياسي قد لا يصمد ليعود كابوساً على حدود دول الخليج «المتفانية حول الخطر الإيراني واللاهثة للتطبيع مع إسرائيل».
تركيا «العائدة» ستأخذ مواقف وخطوات أشرف من مواقف بعض الدول العربية.
مأزق «الاعتدال العربي» مع إسرائيل أنها لا تنقذه بإعطائه «شروط الاستسلام»، ومع ذلك يزحف باتجاهها. ومأزق دول الممانعة في حالة الاصطفاف بين «جماهير أمة الاعتدال» عدم إمكان التعويل عليها.
لن يكون محور المقاومة وحيداً في حرب إقليمية، بل سيكون له غطاء شعبي كبير، بدءاً من أفغانستان وباكستان، وصولاً إلى تركيا والعالم العربي.
أوروبا، كالعادة ستكون فاقدة للشخصية السياسية. ستقف بريطانيا موقفها الأنغلوسكسوني المعتاد وتلتصق «بعرابتها الكبرى»، بينما ترتبك ألمانيا وفرنسا وتتحرك المفوضية الخارجية للاتحاد «بلا بركة».
المستفيدتان الكبيرتان من حرب مفترضة هما الصين وروسيا، المحصّنتان بالنسبة إلى إمداد النفط والغاز. وستسعدان لتورط الغرب التقليدي أكثر في وحول تقلّص نفوذه.
هل تستطيع إسرائيل دخول حرب لن تحسم كالحروب السابقة؟ حرب قد يُعرف أين تبدأ، لكن لا يتحكم أحد بأين تنتهي. وهل تكون بذلك هي ومن وراء تأسيسها من يشربونها السم بانتهاء مفهوم الوطن القومي الآمن ليهود العالم، لأن لا بقعة فيها ستكون خلال هذه الحرب خارج مرمى نيران من ينتظرون لحظة كهذه بفارغ الصبر؟
لعلّ التوازن الجديد سيكون الرادع الأساسي لعدم حصول الحرب.
(*) نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية
تنشط مراكز الأبحاث الدولية في تقويم تطور الأمور في حال نشوب حرب في المنطقة. آخر الدراسات في نشرة ستراتفور وضعت تصوّراً لإسرائيل بدخول قواتها البقاع لمنع وصول أية إمدادات لحزب الله من سوريا التي تصل إليها من إيران عبر مطار حلب، ولملاحقة مقاتليه حتى حدود الهرمل. ووضع كينيث بولاك من مؤسسة «بروكينغز» دراسة عن القدرات الفعلية لإسرائيل وأميركا في ضرب المواقع الإيرانية، مستنتجاً قدرة على توجيه ضربات كثيفة وجهلاً بقدرات الخط الممانع على الرّد، والتطورات في المنطقة كلها.
قمّة دمشق الأخيرة حسمت صورة الحرب المقبلة، وأزالت الغموض بشأن الحجم والواقع الجغرافي لها. كانت واضحة في رسالتها بأنه لا أحد سيُستفرد في حرب مقبلة، ستكون مفصلية للمنطقة والعالم، لتعيد رسم تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية، مع رسم جديد للجغرافيا السياسية في دول تتحمّل وحدها وحينها مسؤولية مواقفها السابقة.
تُرى ماذا ستكون مواقف الأطراف المتعددة في المنطقة إذا ما نشبت حرب إقليمية؟
لبنانياً، ستعود أجواء تموز 2006. أطراف ستلتصق بالجيش والمقاومة في دعم الصمود الداخلي، وأخرى ستحاول إعادة طرح «الصمود السياسي» بالتباكي في انتظار هزيمة المقاومة وحلفائها، حتى إذا لم يتمّ لها ذلك، تكاذبت مجدّداً على «وحدة الصف اللبناني»، تليها صرخات لتحييد لبنان مجدّداً. لم يقتنع السذّج بأن هذا البلد الصغير لا يعود صاحب قراره إذا تطوّر الصراع إلى حرب إقليمية شاملة. الدول الصغرى نسبياً تصبح أسيرة لحجم التعقيد الأكبر منها. يصبح الحياد في باب التمنيات، ويكون لبنان وقتها في قلب المعركة لا خارجها، بغض النظر عن الأثمان وما تطلقه إسرائيل من تهديدات بتدميره.
إقليمياً، سيكون الوضع أصعب مما كان عليه خلال حرب 2006. فالسكوت المبطّن لن يكفي، والاتهام بالمغامرة لن ينفع هذه المرة لأن الصواريخ والطائرات ستمرّ فوق رؤوس الجميع.
عمرو موسى اكتشف «أخيراً» أن إسرائيل تذهب إلى المفاوضات من أجل المفاوضات. رمزية التصريح صورة للخطاب العربي الجماعي.
في سوريا، سيكون الجيش والشعب ملتصقين بالقيادة السياسية، خطابهما قومي لا طائفي. كذلك في إيران.
الأردن، رهينة «الوطن البديل»، سيكون في مأزق لا يمكن تقديره. هل يستطيع النظام ضبط حدود 610 كليومترات إلى ما لا نهاية، أم تخرج الأمور عن السيطرة؟
السعودية، القادرة حتى الآن على التوازن بين النظام الملكي والنفوذ الديني، بدأت تستشعر خطورة مسار الأمور، ففتحت صفحة جديدة في العلاقات مع سوريا وحماس، وتستنبض ـ حالها كما حال دول الخليج ـ إمكان تحييدها عن صراع أكبر منها. وما قاله وزير خارجية البحرين في جلسة مغلقة يعبّر عن لسان حال أولياء الأمر في المنطقة: «التسوية مع إيران ستكون على حساب الخليج».
مصر تائهة بين قيود كامب ديفيد وهرم نظامها السياسي. العراق ستكون أرضه ساحة معركة فعلية. نظامه السياسي قد لا يصمد ليعود كابوساً على حدود دول الخليج «المتفانية حول الخطر الإيراني واللاهثة للتطبيع مع إسرائيل».
تركيا «العائدة» ستأخذ مواقف وخطوات أشرف من مواقف بعض الدول العربية.
مأزق «الاعتدال العربي» مع إسرائيل أنها لا تنقذه بإعطائه «شروط الاستسلام»، ومع ذلك يزحف باتجاهها. ومأزق دول الممانعة في حالة الاصطفاف بين «جماهير أمة الاعتدال» عدم إمكان التعويل عليها.
لن يكون محور المقاومة وحيداً في حرب إقليمية، بل سيكون له غطاء شعبي كبير، بدءاً من أفغانستان وباكستان، وصولاً إلى تركيا والعالم العربي.
أوروبا، كالعادة ستكون فاقدة للشخصية السياسية. ستقف بريطانيا موقفها الأنغلوسكسوني المعتاد وتلتصق «بعرابتها الكبرى»، بينما ترتبك ألمانيا وفرنسا وتتحرك المفوضية الخارجية للاتحاد «بلا بركة».
المستفيدتان الكبيرتان من حرب مفترضة هما الصين وروسيا، المحصّنتان بالنسبة إلى إمداد النفط والغاز. وستسعدان لتورط الغرب التقليدي أكثر في وحول تقلّص نفوذه.
هل تستطيع إسرائيل دخول حرب لن تحسم كالحروب السابقة؟ حرب قد يُعرف أين تبدأ، لكن لا يتحكم أحد بأين تنتهي. وهل تكون بذلك هي ومن وراء تأسيسها من يشربونها السم بانتهاء مفهوم الوطن القومي الآمن ليهود العالم، لأن لا بقعة فيها ستكون خلال هذه الحرب خارج مرمى نيران من ينتظرون لحظة كهذه بفارغ الصبر؟
لعلّ التوازن الجديد سيكون الرادع الأساسي لعدم حصول الحرب.
(*) نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية