ارشيف من :ترجمات ودراسات
مقالات مختارة: الاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية يخلق أزمة في العلاقات مع إدارة أوباما
حلمي موسى (*)
من الوجهة الظاهرية هناك أزمة في العلاقات بين الإدارة الأميركية وحكومة بنيامين نتنياهو. من الوجهة الفعلية هذه الأزمة ليست قابلة للتطور نحو تدهور العلاقات بين أميركا وإسرائيل. فهناك نوع من الإجماع على أن العلاقة بين الدولتين أقوى من العلاقة بين حكومتيهما, أساساً بسبب استنادها إلى أرضية متنوعة السمات. فإضافة إلى البعد الجيوستراتيجي أفلحت إسرائيل في احتلال مكانة هامة لدى أوساط دينية واقتصادية وعلمية جعلت نائب الرئيس الأميركي المهان, جو بايدن يعلن في ذروة الإهانة التي تلقاها أنه ليس لبلاده صديق أقرب من إسرائيل.
ومن المهم الإشارة إلى حقيقة أن هذه المقدمة ضرورية قبل مناقشة أبعاد الأزمة القائمة الآن بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو والتي بلغت مستوى يتخوف منه كثيرون في إسرائيل. فأرضية العلاقة بين الدولتين تحول دون انزلاق الأمور بينهما إلى مواجهة ولكنها لا تمنع تراكم أحداث وأزمات تضع بشكل متزايد, ومع مرور الوقت, علامات استفهام حقيقية حول جدوى هذه العلاقة. ففي الولايات المتحدة من يحاولون طوال الوقت التحرر من آثار النزعات الدينية المحلية وقوة اللوبي الصهيوني وينادون بسياسة متوازنة في الشرق الأوسط تنطلق من المصالح الأميركية ومن مفاهيم العدالة العالمية. وقد يستغل هؤلاء هذه الأزمة لكسب المزيد من التأييد لأفكارهم من دون أن يتبادر للذهن أن الانقلاب في الموقف الأميركي من إسرائيل بات وشيكاً.
غير أن ذلك كله لا يقلص من أهمية الأزمة الراهنة في العلاقات بين إسرائيل وأميركا في ضوء إلحاحية الوقت. فساعة رمل المشروع النووي الإيراني, من وجهة نظر إسرائيلية وأميركية, تنفذ بسرعة وهناك حاجة لاتخاذ تدابير. ورغم كل الصراخ والتهويل الإسرائيليين حول المشروع النووي الإيراني فإن أميركا هي من سيحدد في نهاية المطاف وتيرة الفعل إيران سواء كان هذا فعلاً عسكرياً أم سياسياً. والأهم أن إسرائيل أحوج من أي وقت مضى لأن تكون في توافق مع الإدارة الأميركية وليس في تباغض معها.
وبعد عام من الجهد الأميركي لإخراج عربة المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية, وهي العربة التي يمكن أن تحمل محور الاعتدال العربي إلى خندق المواجهة الدولية مع إيران, جاء نتنياهو ليشوش الخطة. وقد شوشها ليس فقط في وجهها السياسي وإنما أيضا شخصيا بإهانة أميركا بشخص الرجل الثاني فيها, من أجل تحقيق مكاسب ائتلافية ضيقة. ويبدو أن إدارة أوباما تحاول الاقتصاص من نتنياهو بأثر رجعي يطال ليس فقط الإهانة لذاتها وإنما أيضا العرقلة المقصودة لمساعي أوباما لتحقيق إنجاز سياسي على الصعيد الخارجي.
ويبدو أن الأسبوعين المقبلين سيكونان حاسمين على هذا الصعيد بعد أن اقترب موعد النقاش حول إيران في مجلس الأمن الدولي والقمة العربية في طرابلس الغرب ومؤتمر اللوبي الصهيوني «إيباك». فالإدارة الأميركية لا تريد أن تتراجع القمة العربية عن خطة السلام العربية ولا عن التوصية باستئناف المفاوضات مع إسرائيل وهي بحاجة إلى عدد من المبادرات الإسرائيلية بهذا الشأن. كما أن إسرائيل والإدارة الأميركية بحاجة إلى موقف عربي مؤيد للعقوبات ضد إيران، وهو في الغالب لن يحدث علناً طالما ظلت حكومة نتنياهو على تعنتها إزاء العملية السلمية. ولا يقل أهمية عن ذلك أن إدارة أوباما وإسرائيل, على حد سواء, لا تريدان أن يتحول مؤتمر إيباك من مناسبة أميركية للتضامن مع إسرائيل إلى حلبة للتصارع بسببها. ويمكن قراءة المكتوب من عنوانه في مقالة توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» أمس بعنوان «Driving Drunk in Jerusalem» (سائق مخمور في القدس) ينتقد فيها نتنياهو.
ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد. فالعلاقة الإسرائيلية الأميركية ليست فقط علاقة بين دولتين وإنما هي أيضاً علاقة داخل كل من الدولتين. وإذا كان نتنياهو قد راهن, في وقت ما, على أصدقائه وأصدقاء إسرائيل في الكونغرس ومواقع النفوذ في أميركا فإن في إدارة أوباما من يراهن على أنصار في إسرائيل. ويمكن لنوع من عدم التفهم الحكومي الأميركي لنتنياهو أن يقود إلى ضغط يخلق شرخاً بين المستويين السياسي والعسكري وشرخاً داخل المستوى السياسي الإسرائيلي.
فاستخدام الضواغط المتوفرة لأميركا يمكن أن يقود وبسرعة إلى تفكك الائتلاف الحكومي الحالي الذي سبق للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أن وصفه بأنه قد يحول دون انطلاقة العملية السياسية. فالمزيد من الضغط على نتنياهو يقود إلى خروج «إسرائيل بيتنا» و«شاس» من الحكومة إذا تجاوب مع الضغط وإلى خروج حزب العمل إذا رفض التجاوب. وبكلمات أخرى فإن استقرار الحكومة الإسرائيلية يغدو مشكوكاً فيه في الواقع الراهن إذا تصاعد الخلاف مع أميركا.
ربما لهذا السبب يشعر نتنياهو اليوم, أكثر من أي وقت, بأنه داس أكثر من اللزوم على قدم الولايات المتحدة. وهذا ما دفعه إلى «الفزع», حسب وصف كبير المعلقين السياسيين في «معاريف» بن كسبيت. وقد رأى كسبيت أن «فزع نتنياهو مبرر» هذه المرة وهو يتساءل «ما الذي مس الاميركيين بالجنون؟ قبل كل شيء، حقيقة أن نتنياهو، مرة اخرى لم يفِ بكلمته. بعث مولخو ليعد ميتشل بانه لا تجميد في القدس، ولكن ايضا لا بناء في القدس في الاشهر القريبة ولن تكون مفاجآت طالما كانت هناك مفاوضات. هو لا يمكنه ان يقول هذا بصوت عالٍ، ولكنه لن يحرجهم. اما هم، اولئك البائسون، فقد صدقوا. بعد ذلك ميتشل سمع هذا بنفسه من بيبي. وصدقه». ويخلص إلى أن «مشكلة بيبي مزدوجة: أولاً، هو واثق بانه يعرف اميركا وهو لا. اميركا التي يعرفها توجد الآن في المعارضة. المشكلة الثانية هي الغلاف الفكري والعملي لديه».
وكان الحل عند نتنياهو دعوة الهيئة السباعية للاجتماع على عجل للبحث في المطالب الأميركية. المشكلة هي أن هذه الهيئة السباعية هي أساس المشكلة, لأنها تحوي إضافة لشخصه كلاً من أفيغدور ليبرمان وموشيه يعلون وإيهود باراك ودان ميريدور وإيلي يشاي وبني بيغن. يصعب العثور على سائق مخمور بعينه بينهم.
(*) نقلا عن جريدة السفير اللبنانية
من الوجهة الظاهرية هناك أزمة في العلاقات بين الإدارة الأميركية وحكومة بنيامين نتنياهو. من الوجهة الفعلية هذه الأزمة ليست قابلة للتطور نحو تدهور العلاقات بين أميركا وإسرائيل. فهناك نوع من الإجماع على أن العلاقة بين الدولتين أقوى من العلاقة بين حكومتيهما, أساساً بسبب استنادها إلى أرضية متنوعة السمات. فإضافة إلى البعد الجيوستراتيجي أفلحت إسرائيل في احتلال مكانة هامة لدى أوساط دينية واقتصادية وعلمية جعلت نائب الرئيس الأميركي المهان, جو بايدن يعلن في ذروة الإهانة التي تلقاها أنه ليس لبلاده صديق أقرب من إسرائيل.
ومن المهم الإشارة إلى حقيقة أن هذه المقدمة ضرورية قبل مناقشة أبعاد الأزمة القائمة الآن بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو والتي بلغت مستوى يتخوف منه كثيرون في إسرائيل. فأرضية العلاقة بين الدولتين تحول دون انزلاق الأمور بينهما إلى مواجهة ولكنها لا تمنع تراكم أحداث وأزمات تضع بشكل متزايد, ومع مرور الوقت, علامات استفهام حقيقية حول جدوى هذه العلاقة. ففي الولايات المتحدة من يحاولون طوال الوقت التحرر من آثار النزعات الدينية المحلية وقوة اللوبي الصهيوني وينادون بسياسة متوازنة في الشرق الأوسط تنطلق من المصالح الأميركية ومن مفاهيم العدالة العالمية. وقد يستغل هؤلاء هذه الأزمة لكسب المزيد من التأييد لأفكارهم من دون أن يتبادر للذهن أن الانقلاب في الموقف الأميركي من إسرائيل بات وشيكاً.
غير أن ذلك كله لا يقلص من أهمية الأزمة الراهنة في العلاقات بين إسرائيل وأميركا في ضوء إلحاحية الوقت. فساعة رمل المشروع النووي الإيراني, من وجهة نظر إسرائيلية وأميركية, تنفذ بسرعة وهناك حاجة لاتخاذ تدابير. ورغم كل الصراخ والتهويل الإسرائيليين حول المشروع النووي الإيراني فإن أميركا هي من سيحدد في نهاية المطاف وتيرة الفعل إيران سواء كان هذا فعلاً عسكرياً أم سياسياً. والأهم أن إسرائيل أحوج من أي وقت مضى لأن تكون في توافق مع الإدارة الأميركية وليس في تباغض معها.
وبعد عام من الجهد الأميركي لإخراج عربة المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية, وهي العربة التي يمكن أن تحمل محور الاعتدال العربي إلى خندق المواجهة الدولية مع إيران, جاء نتنياهو ليشوش الخطة. وقد شوشها ليس فقط في وجهها السياسي وإنما أيضا شخصيا بإهانة أميركا بشخص الرجل الثاني فيها, من أجل تحقيق مكاسب ائتلافية ضيقة. ويبدو أن إدارة أوباما تحاول الاقتصاص من نتنياهو بأثر رجعي يطال ليس فقط الإهانة لذاتها وإنما أيضا العرقلة المقصودة لمساعي أوباما لتحقيق إنجاز سياسي على الصعيد الخارجي.
ويبدو أن الأسبوعين المقبلين سيكونان حاسمين على هذا الصعيد بعد أن اقترب موعد النقاش حول إيران في مجلس الأمن الدولي والقمة العربية في طرابلس الغرب ومؤتمر اللوبي الصهيوني «إيباك». فالإدارة الأميركية لا تريد أن تتراجع القمة العربية عن خطة السلام العربية ولا عن التوصية باستئناف المفاوضات مع إسرائيل وهي بحاجة إلى عدد من المبادرات الإسرائيلية بهذا الشأن. كما أن إسرائيل والإدارة الأميركية بحاجة إلى موقف عربي مؤيد للعقوبات ضد إيران، وهو في الغالب لن يحدث علناً طالما ظلت حكومة نتنياهو على تعنتها إزاء العملية السلمية. ولا يقل أهمية عن ذلك أن إدارة أوباما وإسرائيل, على حد سواء, لا تريدان أن يتحول مؤتمر إيباك من مناسبة أميركية للتضامن مع إسرائيل إلى حلبة للتصارع بسببها. ويمكن قراءة المكتوب من عنوانه في مقالة توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» أمس بعنوان «Driving Drunk in Jerusalem» (سائق مخمور في القدس) ينتقد فيها نتنياهو.
ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد. فالعلاقة الإسرائيلية الأميركية ليست فقط علاقة بين دولتين وإنما هي أيضاً علاقة داخل كل من الدولتين. وإذا كان نتنياهو قد راهن, في وقت ما, على أصدقائه وأصدقاء إسرائيل في الكونغرس ومواقع النفوذ في أميركا فإن في إدارة أوباما من يراهن على أنصار في إسرائيل. ويمكن لنوع من عدم التفهم الحكومي الأميركي لنتنياهو أن يقود إلى ضغط يخلق شرخاً بين المستويين السياسي والعسكري وشرخاً داخل المستوى السياسي الإسرائيلي.
فاستخدام الضواغط المتوفرة لأميركا يمكن أن يقود وبسرعة إلى تفكك الائتلاف الحكومي الحالي الذي سبق للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أن وصفه بأنه قد يحول دون انطلاقة العملية السياسية. فالمزيد من الضغط على نتنياهو يقود إلى خروج «إسرائيل بيتنا» و«شاس» من الحكومة إذا تجاوب مع الضغط وإلى خروج حزب العمل إذا رفض التجاوب. وبكلمات أخرى فإن استقرار الحكومة الإسرائيلية يغدو مشكوكاً فيه في الواقع الراهن إذا تصاعد الخلاف مع أميركا.
ربما لهذا السبب يشعر نتنياهو اليوم, أكثر من أي وقت, بأنه داس أكثر من اللزوم على قدم الولايات المتحدة. وهذا ما دفعه إلى «الفزع», حسب وصف كبير المعلقين السياسيين في «معاريف» بن كسبيت. وقد رأى كسبيت أن «فزع نتنياهو مبرر» هذه المرة وهو يتساءل «ما الذي مس الاميركيين بالجنون؟ قبل كل شيء، حقيقة أن نتنياهو، مرة اخرى لم يفِ بكلمته. بعث مولخو ليعد ميتشل بانه لا تجميد في القدس، ولكن ايضا لا بناء في القدس في الاشهر القريبة ولن تكون مفاجآت طالما كانت هناك مفاوضات. هو لا يمكنه ان يقول هذا بصوت عالٍ، ولكنه لن يحرجهم. اما هم، اولئك البائسون، فقد صدقوا. بعد ذلك ميتشل سمع هذا بنفسه من بيبي. وصدقه». ويخلص إلى أن «مشكلة بيبي مزدوجة: أولاً، هو واثق بانه يعرف اميركا وهو لا. اميركا التي يعرفها توجد الآن في المعارضة. المشكلة الثانية هي الغلاف الفكري والعملي لديه».
وكان الحل عند نتنياهو دعوة الهيئة السباعية للاجتماع على عجل للبحث في المطالب الأميركية. المشكلة هي أن هذه الهيئة السباعية هي أساس المشكلة, لأنها تحوي إضافة لشخصه كلاً من أفيغدور ليبرمان وموشيه يعلون وإيهود باراك ودان ميريدور وإيلي يشاي وبني بيغن. يصعب العثور على سائق مخمور بعينه بينهم.
(*) نقلا عن جريدة السفير اللبنانية