ارشيف من :ترجمات ودراسات
مقالات مختارة: نتنياهو بين: إيديولوجيا اليمين أم الدعم الأميركي؟
حمّلت الصحف الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مسؤولية بلوغ العلاقات مع واشنطن حدّ الأزمة في وقتٍ تبلغ فيه حاجة تل أبيب إلى الدعم الأميركي في معالجة التهديد النووي الإيراني درجة الذروة
مهدي السيد (*)
تحت عنوان «ثمن الاستيطان»، كتبت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها: «إن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قاد إسرائيل إلى أزمة خطيرة في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإلى انهيار محادثات السلام مع الفلسطينيين عشية استئنافها». ورأت الصحيفة أن «سياسة الحكومة تؤدي إلى تشديد العزلة الدولية على إسرائيل وتعرض للخطر مصالح أمنية حيوية باسم إيديولوجيا يمينية متطرفة»، مشددة على أن «للأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة سبباً واحداً هو إصرار نتنياهو على مواصلة البناء في شرق القدس وعلى إسكان اليهود في الأحياء العربية داخل المدينة وسلب الفلسطينيين فيها منازلهم».
ورأت «هآرتس» أن الأمر لا يتعلق بالتوقيت، كما كان نتنياهو قد أعلن، بل بالجوهر، «فمن شأن من يضرم النار في النقطة الأكثر حساسية، رغم التحذيرات المتكررة وتجربة الماضي المريرة، أن يتورط. ولقد أوضح نتنياهو عبر أفعاله أن الدعم الأميركي لإسرائيل ـ الآن على نحو خاص في ضوء التهديدات الإيرانية ـ أقل أهمية بالنسبة إليه من إسكان بضعة يهود في الشيخ جراح. وحتى لو كان خصوم نتنياهو في الإدارة الأميركية قد استغلوا كبوته كي يحشروه في الزاوية، مثلما سيدعي بالتأكيد مقربوه، فإن سياسياً مجرباً مثله كان يفترض به أن يحذر حذراً مضاعفاً».
وفي الصحيفة نفسها، كتب محلل الشؤون السياسية، ألوف بن، أن الأزمة الحالية مع واشنطن كانت متوقعة ربطاً بوجود كل من بنيامين نتنياهو وباراك أوباما على رأس السلطة التنفيذية في واشنطن وتل أبيب. إلا أنه رأى رغم ذلك أن «ساعة الحقيقة دقت بالنسبة إلى نتنياهو الذي سيضطر للاختيار بين اقتناعاته الإيديولوجية وتحالفه مع اليمين من جهة، وضرورة الحفاظ على دعم واشنطن من جهة أخرى». وشبّه الكاتب رد الفعل الأميركي على الإهانة التي وجهها إليه نتنياهو بـ«دبلوماسية الكرسي المنخفض» التي انتهجتها وزارة الخارجية الإسرائيلية تجاه السفير التركي لـ«تلقين نتنياهو درساً في الكرامة الوطنية على نحو المذهب السياسي لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ونائبه داني أيالون».
وإذا كان موقف «هآرتس» الحادّ من نتنياهو مفهوما نظراً لميولها اليسارية المعروفة، فإن بقية الصحف الإسرائيلية اليومية لم تكن أقل حدة في نقدها لسياسة رئيس الوزراء. وتحت رسم كاريكاتوري تصدّر الصفحة الأولى، يصور أوباما يطهو نتنياهو في إناء، عنونت «معاريف» بالخط العريض «على ألسنة اللهب»، في إشارة إلى درجة السخونة التي بلغتها الأزمة في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن. وكتب كبير المحللين السياسيين في الصحيفة، بن كسبيت، يقول «إن نتنياهو علق أمس، كما كان متوقعاً، في حالة الهلع». وأضاف: «هذا أمر روتيني بالنسبة إليه. في البداية يحرق الطبخة، بعد ذلك يركض بلا حيلة من المطبخ الذي يتصاعد منه الدخان، ثم يصل إلى مرحلة النكران: يقنع الجمهور بأن كل شيء على ما يرام وأن هذا لذيذ جداً. عندها، كما أسلفنا، يأتي الهلع: اجتماع ليلي لوزراء السباعية، مداولات حثيثة حتى ساعة متأخرة، مكالمات ماراتونية مع زعماء أوروبيين والكثير من العرق البارد». وتابع كسبيت: «هذه المرة، لأجل التغيير، هلع نتنياهو مبرر»، حيث رأى أن الأزمة مع واشنطن «تبدو أخطر بكثير من كل ما شهدناه في العقد الماضي، وربما أكثر من ذلك». لكنه رأى رغم ذلك أن «العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة ستنجو من هذه الجلبة، فهي أقوى من نتنياهو، بل وأقوى من أوباما. القضية هي أن الحميمية والثقة لن تعودا إلى سابق عهدهما. ليس في العام أو العامين المقبلين. والعام أو العامان المقبلان هما الفترة الزمنية التي تحتاج فيها إسرائيل إلى الحميمية مع أميركا، بالمستوى الأكثر إلحاحاً، الأكثر مصيرية والأكثر حرجاً منذ قيامها. أكثر مما تحتاج إلى حي جديد في رمات شلومو». فهذه الفترة، بحسب كسبيت، هي «فترة مصيرية في ما يتصل بالملف النووي الإيراني»، وهو ملف «يحتاج يحتاج إلى رئيس وزراء يكون الابن العزيز للرئيس الأميركي. وبدلاً من ذلك، نحن نحصل على رئيس وزراء قريباً جداً سيكون شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن. هذا حزين، بل ومقلق».
وحذت «يديعوت أحرونوت» حذو زميلتيها في كيل النقد القاسي لنتنياهو، ودائماً من باب انعكاسات سياسته على العلاقات مع الأميركيين، وخصوصاً في ظل الاستحقاق النووي الإيراني. ووصفت الصحيفة، في افتتاحيتها، محاولة نتنياهو للالتفاف على الأزمة عبر وضع مندوب عنه في لجنة التخطيط الاستيطاني الخاصة بالقدس من أجل مراقبة أدائها بـ«المثير للشفقة»، إذ إن المشكلة «ليست في سوء الفهم الموضعي»، بل في «أنهم بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية لا يصدقوننا، بل لا يريدون أن يروا في إسرائيل الشريك الحميم والمفضل مثلما كانت على مدى سنوات مطولة. لقد أعادتنا الحادثة دفعة واحدة إلى الأيام الأولى لعهد أوباما: الجميع أبناؤه، وكلهم متساوون أمام القانون، يهوداً وعرباً، بيبي وأبو مازن». وتابعت: «الهجوم الأميركي على نتنياهو كان هذه المرة فظاً وعديماً من كل الملاطفات الدبلوماسية.
الناطق باسم الخارجية الأميركية لم ينسَ أن يذكر في استعراضه حقيقة أن الأميركيين يتوقعون ممن يتلقى منهم مساعدة سخية جداً أن يتصرفوا بموجب ذلك. كان هذا فظاً ومهيناً. لكنه كان أيضاً أصيلاً. تعبير حقيقي عن المزاج السائد في الإدارة الأميركية التي ليس فيها الاستلطاف الذي كان لكلينتون، وبالتأكيد لا السياسة المناهضة للإسلام التي أملاها جورج بوش».
(*) نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية
مهدي السيد (*)
تحت عنوان «ثمن الاستيطان»، كتبت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها: «إن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قاد إسرائيل إلى أزمة خطيرة في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإلى انهيار محادثات السلام مع الفلسطينيين عشية استئنافها». ورأت الصحيفة أن «سياسة الحكومة تؤدي إلى تشديد العزلة الدولية على إسرائيل وتعرض للخطر مصالح أمنية حيوية باسم إيديولوجيا يمينية متطرفة»، مشددة على أن «للأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة سبباً واحداً هو إصرار نتنياهو على مواصلة البناء في شرق القدس وعلى إسكان اليهود في الأحياء العربية داخل المدينة وسلب الفلسطينيين فيها منازلهم».
ورأت «هآرتس» أن الأمر لا يتعلق بالتوقيت، كما كان نتنياهو قد أعلن، بل بالجوهر، «فمن شأن من يضرم النار في النقطة الأكثر حساسية، رغم التحذيرات المتكررة وتجربة الماضي المريرة، أن يتورط. ولقد أوضح نتنياهو عبر أفعاله أن الدعم الأميركي لإسرائيل ـ الآن على نحو خاص في ضوء التهديدات الإيرانية ـ أقل أهمية بالنسبة إليه من إسكان بضعة يهود في الشيخ جراح. وحتى لو كان خصوم نتنياهو في الإدارة الأميركية قد استغلوا كبوته كي يحشروه في الزاوية، مثلما سيدعي بالتأكيد مقربوه، فإن سياسياً مجرباً مثله كان يفترض به أن يحذر حذراً مضاعفاً».
وفي الصحيفة نفسها، كتب محلل الشؤون السياسية، ألوف بن، أن الأزمة الحالية مع واشنطن كانت متوقعة ربطاً بوجود كل من بنيامين نتنياهو وباراك أوباما على رأس السلطة التنفيذية في واشنطن وتل أبيب. إلا أنه رأى رغم ذلك أن «ساعة الحقيقة دقت بالنسبة إلى نتنياهو الذي سيضطر للاختيار بين اقتناعاته الإيديولوجية وتحالفه مع اليمين من جهة، وضرورة الحفاظ على دعم واشنطن من جهة أخرى». وشبّه الكاتب رد الفعل الأميركي على الإهانة التي وجهها إليه نتنياهو بـ«دبلوماسية الكرسي المنخفض» التي انتهجتها وزارة الخارجية الإسرائيلية تجاه السفير التركي لـ«تلقين نتنياهو درساً في الكرامة الوطنية على نحو المذهب السياسي لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ونائبه داني أيالون».
وإذا كان موقف «هآرتس» الحادّ من نتنياهو مفهوما نظراً لميولها اليسارية المعروفة، فإن بقية الصحف الإسرائيلية اليومية لم تكن أقل حدة في نقدها لسياسة رئيس الوزراء. وتحت رسم كاريكاتوري تصدّر الصفحة الأولى، يصور أوباما يطهو نتنياهو في إناء، عنونت «معاريف» بالخط العريض «على ألسنة اللهب»، في إشارة إلى درجة السخونة التي بلغتها الأزمة في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن. وكتب كبير المحللين السياسيين في الصحيفة، بن كسبيت، يقول «إن نتنياهو علق أمس، كما كان متوقعاً، في حالة الهلع». وأضاف: «هذا أمر روتيني بالنسبة إليه. في البداية يحرق الطبخة، بعد ذلك يركض بلا حيلة من المطبخ الذي يتصاعد منه الدخان، ثم يصل إلى مرحلة النكران: يقنع الجمهور بأن كل شيء على ما يرام وأن هذا لذيذ جداً. عندها، كما أسلفنا، يأتي الهلع: اجتماع ليلي لوزراء السباعية، مداولات حثيثة حتى ساعة متأخرة، مكالمات ماراتونية مع زعماء أوروبيين والكثير من العرق البارد». وتابع كسبيت: «هذه المرة، لأجل التغيير، هلع نتنياهو مبرر»، حيث رأى أن الأزمة مع واشنطن «تبدو أخطر بكثير من كل ما شهدناه في العقد الماضي، وربما أكثر من ذلك». لكنه رأى رغم ذلك أن «العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة ستنجو من هذه الجلبة، فهي أقوى من نتنياهو، بل وأقوى من أوباما. القضية هي أن الحميمية والثقة لن تعودا إلى سابق عهدهما. ليس في العام أو العامين المقبلين. والعام أو العامان المقبلان هما الفترة الزمنية التي تحتاج فيها إسرائيل إلى الحميمية مع أميركا، بالمستوى الأكثر إلحاحاً، الأكثر مصيرية والأكثر حرجاً منذ قيامها. أكثر مما تحتاج إلى حي جديد في رمات شلومو». فهذه الفترة، بحسب كسبيت، هي «فترة مصيرية في ما يتصل بالملف النووي الإيراني»، وهو ملف «يحتاج يحتاج إلى رئيس وزراء يكون الابن العزيز للرئيس الأميركي. وبدلاً من ذلك، نحن نحصل على رئيس وزراء قريباً جداً سيكون شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن. هذا حزين، بل ومقلق».
وحذت «يديعوت أحرونوت» حذو زميلتيها في كيل النقد القاسي لنتنياهو، ودائماً من باب انعكاسات سياسته على العلاقات مع الأميركيين، وخصوصاً في ظل الاستحقاق النووي الإيراني. ووصفت الصحيفة، في افتتاحيتها، محاولة نتنياهو للالتفاف على الأزمة عبر وضع مندوب عنه في لجنة التخطيط الاستيطاني الخاصة بالقدس من أجل مراقبة أدائها بـ«المثير للشفقة»، إذ إن المشكلة «ليست في سوء الفهم الموضعي»، بل في «أنهم بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية لا يصدقوننا، بل لا يريدون أن يروا في إسرائيل الشريك الحميم والمفضل مثلما كانت على مدى سنوات مطولة. لقد أعادتنا الحادثة دفعة واحدة إلى الأيام الأولى لعهد أوباما: الجميع أبناؤه، وكلهم متساوون أمام القانون، يهوداً وعرباً، بيبي وأبو مازن». وتابعت: «الهجوم الأميركي على نتنياهو كان هذه المرة فظاً وعديماً من كل الملاطفات الدبلوماسية.
الناطق باسم الخارجية الأميركية لم ينسَ أن يذكر في استعراضه حقيقة أن الأميركيين يتوقعون ممن يتلقى منهم مساعدة سخية جداً أن يتصرفوا بموجب ذلك. كان هذا فظاً ومهيناً. لكنه كان أيضاً أصيلاً. تعبير حقيقي عن المزاج السائد في الإدارة الأميركية التي ليس فيها الاستلطاف الذي كان لكلينتون، وبالتأكيد لا السياسة المناهضة للإسلام التي أملاها جورج بوش».
(*) نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية