ارشيف من :ترجمات ودراسات
مقالات مختارة: عندما ترتدع إسرائيل ويَقلق بعض اللبنانيّين
تراجعت في الفترة الأخيرة حدة التهديدات الإسرائيلية بشن حرب على لبنان. لكن، في الوقت نفسه، لم تتراجع حدة تهويل بعض الأطراف اللبنانية بهذه الحرب، والتصويب على سلاح المقاومة، واعتباره سبباً لها
يحيى دبوق/نقلا عن الاخبار
بالطبع، لا يمكن رد أسباب تراجع التهديدات الإسرائيلية إلى مستوياتها الحالية، واقتصار مواقف مسؤولي تل أبيب على تهديدات خجولة مبنية على منطلقات دفاعية لا هجومية، إلى تفضّل أو التفاتة حسن نية تجاه لبنان، بل هي أحد التداعيات المباشرة للمعادلة التي أرستها المقاومة أخيراً، بما يمكن تسميتها بـ«عقيدة تل أبيب» والردع «التماثلي»، وتحديداً، ما تحمله من معان كشافة عن وجود قدرات عسكرية خاصة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية: ضرب البنية التحتية للعدو، رداً على استهداف البنية التحتية في لبنان.
رغم ذلك، ورغم إمكان التسليم بأن المقاومة قد استطاعت بالفعل أن تلجم الاندفاعة الإسرائيلية حيال لبنان إلى حدودها الدنيا، كما يظهر من الحراك والمواقف الإسرائيلية المقابلة، إلا أنه من الصعب، نظرياً، الحديث عن حسم إسرائيل أمرها حيال المقاومة، وقبولها بمعادلة الردع الجديدة، وبالتالي أن تسلّم بأن يدها مقيدة عن شن اعتداءات على لبنان.
في الوقت نفسه، يجب التشديد على أن المعادلة الردعية الجديدة، وما كشفت عنه من قدرات في حوزة المقاومة، رفعت من مستوى الأثمان الواجب دفعها إسرائيلياً إلى حدود غير مسبوقة، إذا قررت تل أبيب شن اعتداء على لبنان. وفي طبيعة الحال، وجود هذه القدرات، وإدراك إسرائيل جيداً أن لدى قيادة المقاومة توجّهاً حقيقياً لاستخدامها إذا لزم الأمر، من شأنهما أن يؤثرا على أصحاب القرار في الدولة العبرية، ويدفعاهم إلى التفكير بعمق وتركيز أكثر مما مضى، قبل اتخاذ أي قرار عدائي ضد لبنان.
أمام هذا الواقع بطرفيه: حافزية إسرائيلية مرتفعة من جهة، وخشية من الثمن المرتفع جداً، من جهة أخرى، يتموضع القرار الإسرائيلي الحالي. فهل تعمد تل أبيب إلى الإقرار بالمعادلة وبمفاعيلها المانعة، وبالتالي الانكباح عن أفعال عدائية ضد لبنان، أو ترفض ما أوجدته المقاومة من قيود على خياراتها، وبالتالي تجتهد باتجاه محاولة كسرها؟
لا خلاف على أن العدائية جزء متأصل ومحرك للتوجهات الإسرائيلية حيال لبنان وغيره، ومن الطبيعي أن تلجأ تل أبيب إلى محاولة كسر المعادلة الجديدة، بكل ما أوتيت من إمكانات ومن قوة، إلا أن ما يحول دون إيصال هذا التوجه إلى حيز التنفيذ، أن مستلزمات «الكسر» غير متاحة، وتستوجب تأمين ظروفها الموضوعية، مسبقاً.
يتعلق أحد أهم مستلزمات هذا «الكسر»، كما أشار الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بأن تحيط إسرائيل بكل ما يتعلق بقدرات حزب الله الجديدة، التي مكّنته من فرض المعادلة في الأساس، وإفهام تل أبيب أنه سيجبي منها ثمناً مرتفعاً إذا قررت الاعتداء على لبنان. أي على الدولة العبرية أن تفعّل استخباراتها تفعيلاً غير مسبوق في الساحة اللبنانية، وصولاً إلى الإحاطة المطلوبة، قبل اتخاذ قراراتها، ما يوجب، في المقابل، يقظة دفاعية استخبارية في لبنان، لإحباط هذه التوجهات... وعلى ذلك، فإن الحراك الإسرائيلي الفعلي حيال لبنان في الفترة الحالية والمقبلة، استخباريٌّ بامتياز.
في الوقت نفسه، يبدو أن إحباط بعض الأطراف اللبنانية قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة... وهو إحباط ناتج من ردة فعل الشارع اللبناني المطمئنّة إلى مفاعيل المعادلة الردعية الجديدة حيال إسرائيل، التي أثبتت أن سلاح المقاومة هو الذي يوقف تل أبيب، ويحول بينها وبين الاعتداء على لبنان، وبالتالي تثبّت لدى اللبنانيين، أو لدى غالبيتهم، عدم صحة ما تشيعه هذه الأطراف، من أن سبب اعتداءات إسرائيل هو السلاح نفسه الذي يمنعها عن لبنان.
لعل التصويب على المقاومة وسلاحها، بات إحدى السمات اللصيقة بجهات في الداخل اللبناني، تحنّ إلى أيام خلت لن تعود. ويبدو أيضا، أن هذه الجهات قد أدركت أو تثبّت لديها، حدود ما تملكه من قدرة على تغيير الواقع اللبناني وما فيه من مكوّنات، وبالتالي استسلمت أمام هذا القصور، واندفعت إلى البحث عن «مخلص» ما، والمراهنة عليه، بمعنى أنها لم تعد تجد حلاً لمشكلتها إلا في تدخل خارجي، يمكن أن تعوّل عليه لإحداث التغيير المطلوب من جانبها، حتى وإن كان هذا التدخل إسرائيلياً، بل وإن كان الثمن إمكان إلحاق دمار بلبنان... وهذا بدوره يفسر الجهود المبذولة من جانب تلك الجهات، لاستجلاب عدوان على لبنان، من خلال التأصيل لنظرية تعطي تل أبيب ذريعة، وهنا المفارقة، بأن سلاح المقاومة يكفي بذاته كي يكون دافعاً ومبرراً لحرب تشنها إسرائيل.
قد يرى البعض أكثر من ذلك، لكن ما يمكن التأكيد عليه، هو أن أطرافاً لبنانية تشترك مع الإسرائيلي في المقاصد، على أقل تقدير، وتحديداً في استهداف المقاومة واعتبار سلاحها تهديداً لها ولمشاريعها وأطماعها، وبالتالي تبذل هذه «الأطراف» كل ما تستطيع لانتزاع هذا السلاح، حتى وإن استلزم ذلك احتلالاً جديداً للبنان، أو نظام وصاية جديداً، على ألا يكون سوريّاً، بالطبع.
في هذا الإطار، كان لافتاً أن «ينبري» أحدهم، مباشرة في أعقاب خطاب السيد نصر الله، ما قبل الأخير، أي الخطاب الذي أرسى فيه معادلة الردع الجديدة، ليتحدث في ظل الارتباك والصمت الإسرائيليين، بأن تل أبيب تملك قدرة تدميرية أكثر مما لدى المقاومة... وكأن المسألة تتعلق بسباق تدميري ما، ولا تتعلق بإيجاد أثمان رادعة لإسرائيل إذا قررت شن اعتداء على لبنان... لكن، كما ذُكر هنا، فإن تراجع حديث الحرب يصيب في هذه الجهات مقتلاً، ولا يتناسب مع مصالحها ومساعيها بأن تبقي على القلق من الحرب قائماً ويعطي مفاعيله، باتجاه إزعاج المقاومة في ساحتها الخلفية.