ارشيف من :ترجمات ودراسات

مقالات مختارة: أزمة ثقة وتكتيك واستراتيجيا

مقالات مختارة: أزمة ثقة وتكتيك واستراتيجيا
إدارة أوباما لم تعد تحتمل إهانات نتنياهو وستستغلّ هفواته إلى الحدّ الأقصى


هناك شبه إجماع على أنّ الأزمة المستجدة بين إدارة الرئيس باراك أوباما وحكومة بنيامين نتنياهو، ليست وليدة الصدفة. صحيح أنه لا يرجّح أن تمسّ تاريخيّة العلاقة واستراتيجيتها بين واشنطن وتل أبيب، إلا أنّ الأكيد أنها لن تنتهي بترضية كلامية، بما أنها بالأساس أزمة ثقة وتكتيك واستراتيجيا


علي حيدر

تجاوزت المواقف الأميركية «الغاضبة» من الأداء الإسرائيلي فكرة ردة فعل على «خطأ» إسرائيلي في التوقيت. لا خلاف بأنّ إعلان حكومة بنيامين نتنياهو عن مخطط بناء لمئات من الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية، خلال وجود نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن في الأراضي المحتلة، هو إجراء خارج عن إطار اللياقات الدبلوماسية، ومن شأنه أن يزعج إدارة الرئيس باراك أوباما، شأنه شأن العديد من القرارات التي اتخذتها حكومة «بيبي» منذ أن تألّفت. لكن، رغم ذلك، من الصعب تفسير كل ما أعقب هذا القرار من ردود فعل ومواقف أميركية حيال الدولة العبرية، وحكومتها الحالية تحديداً، على أنه ناتج فقط من إعلان استيطاني «حسن النية، لكن توقيته خاطئ».
في إطار مقاربة «الأزمة» القديمة ـ الجديدة بين واشنطن وتل أبيب، من الصعب تجاوز البعد الشخصي المرتبط بالإهانة المباشرة لشخص بايدن، ومن ورائه الرئيس أوباما، الذي يبدو أنه شعر بأن الإعلان الاستيطاني الإسرائيلي الأخير أطاح ما بقي من صورته لدى الشارع العربي ـ الإسلامي، وتحديداً بعدما تراجع أمام إصرار نتنياهو بشأن ملف تجميد البناء في المستوطنات المستثناة منها القدس الشرقية، ونحو ثلاثة آلاف وحدة سكنية أخرى في طور البناء في الضفة الغربية المحتلة.
أما من ناحية الأسباب الأكثر عمقاً للأزمة «الأكبر منذ 35 عاماً»، والتي دفعت واشنطن إلى تحويل إعلان استيطاني، كان بالإمكان التراجع عنه أو احتواؤه، إلى صورة أزمة حقيقية بين الجانبين، فيأتي السؤال الآتي: ما الذي دفع واشنطن إلى تحويل القرار الاستيطاني في شرق القدس، إلى إهانة للإدارة الأميركية؟ وهل هناك ربط بين هذه «الأزمة»، والتوجهات الأميركية في المنطقة؟
تنظر الولايات المتحدة إلى تحريك المسار الفلسطيني في هذه المرحلة، على أنه جزء لا يتجزأ من توجهاتها الإقليمية، وفي مقدمها مواجهة الملف النووي الإيراني، وأوضاعها الميدانية المتأزمة، وخصوصاً في أفغانستان. ربط لا تخفيه واشنطن عندما تعترف بأنّ حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي هو مفتاح الاستقرار الدائم في المنطقة.
وهنا يكمن أحد مصادر الخلاف، بما أن نتنياهو يرفض هذا الربط، لأنّ «الحل يبدأ من إيران وينتهي بفلسطين»، على عكس ما تراه واشنطن. من ناحية ثانية، ما كان نتنياهو ليستطيع، حتى وإن رضخ للمطالب الأميركية، أن ينفّذ مطالب واشنطن في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ويعود ذلك إلى التركيبة الهشّة لائتلافه الحكومي، وغلبة اليمين المتطرف عليه، فضلاً عن قوة هذا اليمين المتطرف داخل الحزب الذي يرأسه «الليكود». وقد أمّن هذا الواقع لنتنياهو القدرة، حتى الآن، على التملص من المطالب الأميركية واحتوائها، بل دفعها إلى «التواضع» في نهاية الأمر، والتنازل عنها: من مطلب تجميد الاستيطان، إلى التجميد المؤقت والمشروط. ثمّ من مطلب المفاوضات المباشرة بشأن القضايا الجوهرية على المسار الفلسطيني، إلى «محادثات تقارب غير مباشرة» رغم التقديرات غير المتفائلة لما يمكن أن تترتب عليها من نتائج.
معنى ذلك أنّ واشنطن وصلت، على صعيد المسار التفاوضي، إلى حدّ لم يعد يمكنها توظيفه بما يتلاءم مع توجهاتها في المنطقة، الأمر الذي يفسّر تلقّفها لقرار الاستيطان الأخير، الذي تزامن مع وجود بايدن في تل أبيب، وهو ما أوجد فرصة لإظهار خلاف بين الإدارة الأميركية والتوجهات الإسرائيلية. ويرى كثيرون أنّ هذه الصورة هي التي كان الأميركيون يحتاجون إليها في هذه المرحلة، ويأملون أن توفر ثماراً في الشارعين العربي والإسلامي، توظّفها لمصلحة أولوياتها المباشرة.
أما في ما يتعلق بمآلات السجال الحالي، والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه، فيمكن الإشارة إلى النقاط الآتية:
يُرجَّح أن تستغل واشنطن أزمة الإهانة التي تعرّض لها بايدن، إلى الحدّ الأقصى، بما يمكّنها من تقديم نفسها، أمام الشارع العربي تحديداً، على أنها على خلاف جدي مع تل أبيب بشأن القضية الفلسطينية، على الأقل من أجل التخفيف من إحراج الأنظمة العربية «المعتدلة» الموالية لها.
من جهة أخرى، من المبكر تقدير مآلات الأمور في الساحة الداخلية لدولة الاحتلال رغم وجود إشارات أولية لإعادة تأليف الحكومة على أسس جديدة.
سيبقى الطرف الفلسطيني الرسمي خلال هذه الفترة، عاملاً سلبياً، بمعنى أنه سيكتفي بتأدية دور المشاهد المنتظر لما ستؤول إليه الأمور، وما ستقرّره الإدارة الأميركية في نهاية المطاف.
أخيراً، يجدر تأكيد مسلّمة أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ستبقى راسخة تحكمها مصالح استراتيجية متبادلة، إلى حدّ التداخل العضوي بين الطرفين. وعليه، لا يمكن الأزمة الحالية أن تصل إلى حدّ اتخاذ إدارة أوباما إجراءات عملية فاعلة، من شأنها أن تؤذي أو تضرّ بالمصالح الأمنية والسياسية للدولة العبرية.
رغم ذلك، ترى إدارة أوباما أنّ نتنياهو تجاوز كل الحدود التي يمكن أن تحتملها. بناءً عليه، سيكون البيت الأبيض مضطراً للتحرك بين حدّين؛ الأوّل يتعلق بلوازم الخطة الأميركية لمواجهة إيران النووية و«الإرهاب»، على الساحة الفلسطينية. والثاني يتعلق بإبقاء سقف الأزمة ضمن حدودها، وخصوصاً أنّ المرحلة مقبلة على استحقاق الانتخابات النصفية للكونغرس.

2010-03-16