ارشيف من :ترجمات ودراسات
برسم طاولة الحوار: مناقشة في موضوعة "الاستراتيجية الدفاعية"
لؤي توفيق حسن(*)
شكل لبنان على مدى ثلاثة عقود ونيف ساحة خصبة لقيام حالات من المقاومة. وبصرف النظر عن طبيعة وظرف كل منها. أو حتى ملاحظاتنا النقدية على بعضها. فإنها بمجملها شكلت مراحل إنسانية ونضالية انتجت أجيالاً من المقاتلين. والتجارب النوعية التي تراكمت حتى بلغت مع المقاومة الإسلامية درجة متقدمة أمكنها أن تنازل وجهاً لوجه جيشاً مدججاً بالسلاح كالجيش الإسرائيلي.
عمل خلاق بكل المقايس وفي كافة المجالات لا سيما العسكرية. إذ هل شهد الصراع العربي – الإسرائيلي انهزاماً مذلاً صريحاً لكيان العدو كما شهدناه في أيار/ مايو 2000 . ينسحب عنوةً متخفي بظلام الليل. مما كان يصفه "الشريط الاستراتيجي" لأمنه. وهل شهدت مسيرة هذا الصراع خسارة إسرائيلية موصوفة كالتي شهدها صيف 2006.
وبعد هذا وذاك هل جرى في تاريخ هذا الصراع أن بلغ طرف عربي من القوة حد ردع الكيان الغاصب بالشكل الذي عبر عنه سيد المقاومة. إذا ضربتم (كذا) .. سنضرب (كذا). وإذا أدخلتم فرقكم إلى أرضنا فسنحيلها إلى حطام. لنتذكر بأن الغرب قد أعد "اسرائيل" منذ البداية لتكون الاكثر تفوقاً على كل ما حولها مجتمعاً.
نقول هذا من غير أن ننكر بأن التاريخ قد سجل في صفحاته سيرةً ناصعة لساسة عرب اخلصوا واجتهدوا في طلب القوة والمنعه لأوطانهم ما وسعهم الأمر. غير أن ما حققته المقاومة يرتقي إلى مستوى الإعجاز. متذكرين بان هذا قد تم في ظل مناخ دولي غير ملائم. حيث أحادية القطب الأمريكي المنحاز كلياً لصالح العدو بل المتحالف معه. وضع غير مناسب قياساً بما كان سائداً قبل عقود حيث "الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي" الذي شكل للعرب متنفساً سياسياً ومصدراً لسلاح البعض من جيوشهم. حتى يمكننا القول بأنه لولا المدد "السوفيتي" لما كان ممكناً مواجهة "اسرائيل" كما في حرب تشرين / أكتوبر 73.
لعل النقطة الأخيرة هذه تقودنا إلى هشاشة الاعتقاد بأن تسليح الجيش اللبناني كافٍ للوصول إلى حدٍ من الامان في وجه العدوانية الإسرائيلي!. إذ ينطرح هنا أكثر من تسآول:
من هي الجهة (الحريصة) ، والقادرة بالآن عينه على تزويد الجيش بالسلاح الحديث وبالكميات والكيفية الموزاية لترسانة العدو العسكرية؟!. هذا فضلاً عن الاستعداد لتعويضه بما قد يخسر من عتاد في أي مواجهة محتملة. وهذا كله بالطبع من غير تحميل الخزينة اللبنانية مشقة سباق تسلح مع كيان العدو!!!.
لعل ما سبق يطرح تلقائياً السؤال عما إذا كان ما زال هنالك من (دولة عظمى) معينة في مواجهة "إسرائيل". أو بمعنى آخر في مقارعه السياسة الأمريكية في المنطقة؟!!.. وتجربة إيران مع روسيا في صواريخ SS300 برهان ساطع.
أما الكلام عن (استيعاب) المقاومة في الجيش لتصبح من تشكيلاته. فهو أشبه (برّدات الزجل) التي لا تعبر عن حقيقة قواليها إلا على سبيل الاستعراض أو المماحكة. إذ هل الأفق السياسي لاصحاب هذا الطرح يتقبل بالأساس انقلاباً في (معادلة التوازن الطائفي) داخل الجيش فيما لو تم هذا الأمر. ونحن هنا نتكلم عن جيش حقيقي من المقاومين. هذا في الشكل، أما في المبدأ فإن الواقع يطرح أمامنا السؤال:
إذا كان أولئك صادقين في اعتبار "اسرائيل" "عدواً". فلمصلحة من نجرد المقاومة من سلاحها الأهم: (السرية). لتصبح معاقلها ومخازنها وخطوط إمدادها في دائرة من الضوء. هذا والجميع يعرف بأن العدو ومعه كل مخابرات الغرب يجتهد في التجسس على المقاومة لكشف أسرارها. وبالتالي إيجاد الإمكانية لشل قوتها في ضربة خاطفة.
لا يحتاج الكيان الصهيوني إلى المزيد من الطائرات والبوارج والدبابات وإلى آخر ما هنالك للنيل من المقاومة. وإنما إلى المزيد من المعلومات التي تشكل عصبها. فهل من يضمن أن لا يتسرب بعض هذا إلى "إسرائيل". أو حليفتها أمريكا. ليس ذلك تشكيكاً بالمؤسسة العسكرية التي نشهد على وطنيتها. ولكن لا نستطيع أن نشهد على مناعتها بالمطلق. بدليل وجود بعض من عناصرها ممن ألقي القبض عليهم بعد أن وقعوا في شباك المخابرات الإسرائيلية!!!.
ليس بوسع "اسرائيل" أن تقاتل إلا وفقاً لاحدى الأساليب المتبعة في العقائد العسكرية للجيوش، وهذه اثبتت بالتجربة فشلها أمام المنظومة العسكرية للمقاومة الإسلامية. وكذلك عدم القدرة على مجاراتها لاسباب فنية وتعبوية لا مجال لذكرها الآن.
وهكذا بات الجيش الاسرائيلي المدجج بالحديد أشبه بالمصارع الضخم ولكن الثقيل. الذي عليه أن يواجه لاعب كاراتيه ماهر، سريع الحركة. وقد عبر عن ذلك أحد الخبراء الغربيين بالقول: "تملك اسرائيل الطائرات والمدرعات التي لا تلزم لمحاربة أعشاش من الزلاقط"!!!.
إن جعل المقاومة تشكيلاً عسكرياً في الجيش. إنما يعنى بكل بساطة مواجهة "اسرائيل" وفقاً لشروطها . وحيث هي تريد (جيش لجيش). فلمصلحة من هذا إذا كان الجالسون على طاولة الحوار يسلمون قلباً وقالباً بأن "إسرائيل عدو"!!!.
والخلاصة أليست المقاومة هي أنسب استراتيجية دفاعية. هذا لمن يبحث مخلصاً في موضوعة الدفاع.
(*) كاتب من لبنان