ارشيف من :ترجمات ودراسات

من روسيا والصين والبرازيل وتركيا... الرياح لا تهب وفق ما تشتهي سفن أميركا!

من روسيا والصين والبرازيل وتركيا... الرياح لا تهب وفق ما تشتهي سفن أميركا!

عقيل الشيخ حسين
بدا للحظة أن الأميركيين قد نجحوا في زحزحة روسيا عن موقفها الرافض لتشديد العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي السلمي. لكنهم، وبدلاً من أن يقدموا تنازلاً يكافئ التطور في الموقف الروسي، عززوا وجودهم العسكري في أوروبا الشرقية، وخصوصاً على مستوى الدفاعات الاستراتيجية القادرة على شل قدرات روسيا الهجومية، الأمر الذي شكل تهديداً للاتفاقيات الخاصة بالحد من التسلح الاستراتيجي.
من هنا، يمكن فهم السبب في اختيار الروس للحظة وصول وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إلى موسكو ليعلنوا عن بداية العمل في مفاعل بوشهر مطلع الصيف المقبل، الأمر الذي اعتبرته كلينتون سابقاً لأوانه، بمعنى أنه يأتي قبل التوصل إلى اتفاق دولي على تشديد العقوبات على إيران.
تطور محبط فعلاً للسياسة الأميركية بهذا الخصوص، يضاف إلى الإحباط الذي نجم عن الفشل في تغيير الموقف الصيني لقاء عروض نفطية سخية قامت واشنطن بحض السعودية والإمارات على تقديمها لبكين. وكذا الأمر، فيما يتعلق برفض المطالب التي حملتها كلينتون مؤخراً إلى البرازيل.
وإذا كان المسعى الأميركي، إن بالنسبة للصين والبرازيل وإن بالنسبة للسعودية والإمارات، قد أخذ شكلاً تسولياً، فإن الشكل التسولي قد ظهر بشكل واضح في قيام الولايات المتحدة بحض سوريا على القيام بدور من شأنه أن يسهم في التأثير على الموقف الإيراني. من دون جدوى بالطبع، في وقت تتعمق فيه العلاقات الإيرانية السورية، وخصوصاً في وقت تحاول فيه القوى الغربية التهويل على سوريا فيما يتعلق بملفها النووي الخاص.
وفي الوقت الذي تعاني فيه من الارتباك مساعي واشنطن الهادفة إلى عزل إيران عن محيطها الجغرافي المباشر، بسبب العلاقات الجيدة التي تربط إيران بالبلدين المحاذيين لها، أي العراق وأفغانستان، برغم خضوعهما للاحتلال العسكري الأميركي والأطلسي المباشر... والتي تربطها أيضاً ببلدان الخليج التي تقوم فوق أراضيها قواعد أميركية، وتمخر مياهها أساطيل أميركية ... تتجه أنظار أميركا نحو تركيا.
لكن التوجه نحو تركيا يظل تسولياً أيضاً، وإن ارتدى طابعاً شكلياً تحاول فيه أميركا أن تظهر بمظهر الآمر الناهي. ولكن بعد فوات أوان الأمر والنهي.
إذ من الصحيح أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، وسبق لها أن احتلت موقعاً متقدماً على خارطة الصراع البارد بين الأطلسي والناتو. ولكن هذه العضوية يشوبها الكثير من الاهتزاز. فتركيا لم تسمح لطائرات التحالف باستخدام أراضيها ومطاراتها في الهجوم على العراق، ولم تسهم إلا بشكل غير قتالي في الحرب الأفغانية، مكتفية بإدارة بعض الأنشطة الإعمارية.
ويبدو أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأوروبية فيليب جوردن لم يلحظ اهتزاز العلاقة بين تركيا والأطلسي عندما سمح لنفسه بأن يوجه إليها كلاماً من النوع الذي فات أوانه. فقد هدد غوردن بأن أنقرة يمكن أن تواجه عواقب إذا تحركت بشكل لا ينسجم مع موقف ما أسماه بالمجتمع الدولي بخصوص برنامج إيران النووي.
كما أنه لم يلحظ التحولات العميقة في السياسات التركية تجاه إيران، والتي انعكست مؤخراً في الزيارات المتبادلة بين الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والإيراني، محمود أحمدي نجاد. خصوصاً في تصريحات أردوغان التي وصفت فيها بغير العادلة قيام دول تمتلك ترسانات نووية ضخمة بملاحقة إيران بسبب برنامجها النووي السلمي، إضافة إلى كونها تغض النظر عن الترسانة النووية الإسرائيلية.
ولو لم يقل أردوغان غير عبارته الشهيرة التي استغرب فيها حديثهم عن السلام العالمي بينما ينتهجون مقاربة مدمرة ضد دولة يعود تاريخها إلى أكثر من عشرة آلاف عام، لكفى بذلك زاجراً للأميركيين عن التلويح بالعواقب ضد تركيا.
تركيا اليوم لم تعد ذلك البلد اللاهث وراء آخر عربة في القطار الغربي. إنها تشهد تحولات كبرى على مستوى تنظيف كيانها الداخلي، وتتقدم بخطى ثابتة نحو تشكيل محور شرق أوسطي يجمع كلاً من سوريا وإيران وإرمينيا وأذربيجان مع حظوظ بانضمام بلدان من آسيا الوسطى، لا تستثني باكستان وحتى العراق وأفغانستان. وقد قُطعت أشواط كبيرة في هذا المجال على مستوى التعاون المتعدد الوجوه بين تركيا وسوريا، وبينها وبين إيران، وكل ذلك يضاف إلى التعاون الأقدم رسوخاً بين سوريا وإيران.
وللمحور المذكور الذي يتمتع بقدرات هائلة في مجالات الطاقة، جسور مفتوحة على روسيا والصين وصولاً إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية. ومن الأكيد أن تركيا التي تستعيد هويتها بخطى حثيثة والقادرة على اعتلاء موقع مميز في المنطقة لن تتخلى عن موقعها وهويتها لتعود إلى الاضطلاع بدور الهراوة الأطلسية المسلطة على بلدان الجوار.
ما على أميركا أن تفهمه في سياق هزائمها العسكرية وانهياراتها المالية هو أنها أصبحت بعيدة جداً عن طموحها كإمبراطورية عالمية. فالعالم قد انفرج، حتى الآن عن قوى جديدة، كإيران وتركيا، لها كامل القدرة على الإسهام من موقع القوة في صنع القرار العالمي.
والأكيد، وهنا مظهر آخر من مظاهر الطيش والتخبط على مستوى المعسكر الأميركي، أن المواقف الأميركية من تطورات الوضع الفلسطيني، ستدفع تركيا نحو المزيد من الالتزام بقضايا المنطقة، لا لجهة ما تشتهيه رياح السفن الأميركية والإسرائيلية.

2010-03-19