ارشيف من :ترجمات ودراسات

بين منع بناء المآذن في بلدان الغرب والتنصير الجارف في بلدان المسلمين

بين منع بناء المآذن في بلدان الغرب والتنصير الجارف في بلدان المسلمين
عقيل الشيخ حسين
سياسة الكيل بمكيالين لا تتوقف على التناقضات التي تميز المواقف الغربية من قضايا كالقضية الفلسطينية أو الملف النووي الإيراني. بل تشتمل أيضاً على السياسات ذات الصلة بالمسألة الدينية.
فبالتوازي مع الإساءات المنظمة للرموز الإسلامية، والإثارات المتعلقة ببناء المآذن وارتداء الحجاب واللحم الحلال وغيرها، يصل الأمر إلى حد الملاحقة القانونية للاشخاص الذين يوحي مظهرهم الخارجي بانتمائهم إلى الدين الإسلامي.
فأن يضع أحدهم في إصبعه خاتماً، أو أن يعلق في عنقه حلية على شكل مصحف، يعتبر في العديد من بلدان الغرب شكلاً من أشكال الدعوة الدينية المحظورة التي تعاقب عليها القوانين، باعتبار أنها تؤثر على غير المسلمين وتدفعهم إلى تغيير دينهم.
لكن هذه الحساسية المفرطة تجاه ما يفعله المسلمون مما قد ينظر إليه على أنه يشكل مساساً بالعقيدة، الدينية أو العلمانية في الغرب، تتحول إلى حساسية أشد إفراطاً تجاه ما يفعله المسلمون في بلادهم من أجل صيانة دينهم.
فقد رأى العالم وسمع مؤخراً كيف أن حفيظة العديد من المسؤولين الغربيين قد ثارت لأن السلطات المغربية قامت بإبعاد عدد من المبشرين المسيحيين بعد أن ثبت قيامهم بأعمال تبشيرية محظورة.
وما ينبغي توضيحه هو أن هؤلاء المبشرين لم يطردوا لأنهم يمارسون شعائرهم الدينية، لأن ممارسة الشعائر هي من الحقوق التي تحميها وتصونها القوانين والأنظمة.
بل إن طردهم جاء نتيجة لقيامهم بأعمال تبشيرية. فهذه الأعمال محظورة حتى ولو تمت بأشكال "نظيفة".
وواقع الأمر أنها تتم بأشكال غير نظيفة، حيث يستغل المبشرون فقر السكان ويقومون، تحت غطاء الأعمال الخيرية والإنسانية، بأعمال تشجع الناس على الارتداد عن دينهم. كما يركزون أنشطتهم على فئات كالأطفال والأيتام والمعاقين والمشردين، ممن يعيشون أوضاعاً هشة تسمح باستغلالهم غير المشروع.
ووصل الأمر ببعض المسؤولين الغربيين إلى التهويل على المغرب واتهامه بأنه يتراجع عن الانفتاح وعن احترام حقوق الإنسان!
وإذا ما ضربنا صفحاً عن الأسباب الحقيقية التي دفعت السلطات المغربية إلى القيام بهذا الإجراء في هذا الوقت بالذات... خصوصاً بعدما تبين أن بعض المطرودين يمارسون عملهم التبشيري منذ سنوات، يظل القول ممكناً بأن هذا الإجراء قد يكون من قبيل الشجرة الصغيرة التي تقبع خلفها غابة كبيرة.
والحقيقة أن الغابة التبشيرية الكبيرة موجودة بألف شكل وشكل في طول العالم الإسلامي وعرضه. وهي تمد فروعها بألف شكل وشكل، منها ما هو ظاهر صارخ، ومنها ما هو غير مباشر وأقل ظهوراً، في وسائل الإعلام "المحايدة" أو حتى "الملتزمة" إسلامياً، وفي الكثير من أشكال العلاقات العامة.
وإذا ما اكتفينا بأشكال التبشير غير النظيفة التي تقوم بها الجمعيات والمنظمات في البلدان القريبة من المغرب، أي في إفريقيا، لوجدنا طوفاناً من الجمعيات والمنظمات. فرويتيرز، أكشن إند، وورلدفينش، إدفنسنت، أولد كوميشن، زويمر، أوبن دور... غيض من فيض مئات وآلاف الجمعيات والمنظمات التي يعمل الكثير منها تحت أعلام الأمم المتحدة.
وطوفاناً من الوقائع التي تشهد على كون استغلال البؤس هو الرافعة الأساسية لازدهار أعمال التبشير: تأشيرات دخول إلى بلدان الغرب في زمن باتت فيه الهجرة إلى هذه البلدان، ولو سباحة، غاية الغايات بالنسبة للكثيرين. ومنح دراسية في بلدان الغرب. ومساعدات مالية وغذائية. بعض الجمعيات تقوم بتنظيم حفلات غداء "جماهيرية" في بلدان إفريقية، غالبية سكانها من المسلمين، خلال شهر رمضان! وجمعيات أخرى يصل نفوذها إلى حد تعديل قوانين الأحوال الشخصية في بلدان إسلامية عريقة باتجاه منع تعدد الزوجات...
ولو كان الأمر تنصيراً بمعنى نشر التعاليم المسيحية السامية لهانت المشكلة. لكن كل الوسائل، بما فيها التحللية، مشروعة من أجل إبعاد المسلمين عن دينهم. والكثير من هذه الأعمال يشف عن كونها استمراراً للأساليب المستخدمة خلال الفترة الاستعمارية وعصر الاسترقاق. ألم تقم جمعيات مسيحية مزعومة بتنظيم سرقة أطفال من دارفور وهايتي مثلاً بهدف بيعهم في أسواق الغرب؟ أوليست مثل هذه الفضائح أشجاراً صغيرة تقبع خلفها غابات كبيرة؟
الأهداف الاستعمارية بارزة أيضاً في ما يقترن بأعمال التبشير من تحريض على الاقتتال الطائفي. نيجيريا وجنوب السودان وتشاد وغيرها ليست غير مجرد أمثلة.
وبالرغم من كل هذا، ثارت ثائرة المسؤولين الغربيين لأن المغرب قام بطرد عدد من المبشرين المتلبسين بالجرم. بينما يلاحق المسلمون في الغرب لأنهم يرتدون زياً إسلامياً. وفي الوقت الذي تصرف فيه المليارات على أعمال التنصير، تذهب مليارات العرب والمسلمين لتختفي في مجاهل الدورات المالية في مصارف الغرب بدلاً من أن تصرف على مكافحة الفقر الذي يجبر كثيراً من المسلمين على الاستجابة لدعوات المبشرين.
2010-03-19