ارشيف من :خاص

أميركا و"إسرائيل": خلافات أم التزامات استراتيجية؟

أميركا و"إسرائيل": خلافات أم التزامات استراتيجية؟

عقيل الشيخ حسين
جو بايدن، هيلاري كلينتون، فيليب كراولي، نتنياهو وليبرمان. تلك هي الأسماء التي تتردد في وسائل الإعلام في سياق التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية. نسمع أحياناً نأمات صادرة عن بعض ممثلي السلطة. أما الاعتداليون العرب فإنهم يواجهون بالصمت المطبق تدشين كنيس الخراب، بعد أيام من تهويد مقدسات إسلامية في الخليل وبيت لحم، وقبل ايام من الاجتياح اليهودي المحتمل للمسجد الأقصى..
وفي الوقت الذي يتجه فيه الشارع في الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة يبدو أن الضوء الأخضر الاعتدالي قد أعطي للسلطة الرابعة لتخدير الرأي العام العربي بالمقولة الكلاسيكية القائلة بوجود خلاف أميركي إسرائيلي، وبأن الرهان على هذا الخلاف، لا الممانعة والمقاومة، هو السبيل الوحيد المفتوح على استعادة الحقوق.
صحيح أن الأميركيين قد انزعجوا من القرارات الإسرائيلية بتوسيع دائرة الاستيطان، بالضبط أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، لـ"إسرائيل"، وفي الوقت الذي يقوم فيه عراب المفاوضات المشروطة بوقف الاستيطان، جورج ميتشيل، بجولاته المكوكية.
وصحيح أن جو بايدن قد أفهم الإسرائيليين بأن سلوكهم يمس أمن الجنود الأميركيين الذين يقاتلون في العراق وأفغانستان وباكستان. وربما يكون صبر باراك أوباما قد بدأ ينفد بالفعل. وأن جولة ميتشل التي كانت مقررة يوم الثلاثاء قد ألغيت.
وصحيح اخيراً أن الأميركيين قد طرحوا عدداً من المطالب الهادفة إلى تسهيل المفاوضات، وأن الإسرائيليين رفضوها إمعاناً منهم في ازدراء رغبة أوباما في إمرار حل بدولتين هما عبارة عن دولة إسرائيلية ولا دولة فلسطينية.
لكن الأصح هو أن الخلاف قد حسمه آخر كلام صدر عن وزيرة الخارجية الأميركية حيث ركزت على الارتباط الاستراتيجي والالتزام الأميركي بأمن "إسرائيل"، والقيم الديموقراطية المشتركة.
وأن أكثر من مسؤول أميركي وإسرائيلي شددوا على أن الخلاف لا يعدو كونه زوبعة في فنجان، وأن المفاوضات غير المباشرة ستستأنف وشيكاً برعاية الأميركيين... لتلحق بما سبقها من سلاسل المفاوضات التي لم تسفر عن غير استمرار "إسرائيل" بتنفيذ مشروعها الهادف، بالحد الأدنى، إلى تهويد كامل فلسطين.
الطريف أن بعض منظري الاعتدال قد ركزوا، من موقع اعتقادهم بوجود اختلافات بين السياستين الأميركية والإسرائيلية بخصوص المنطقة، على تصريحات أميركية قالت بأن السلوك الإسرائيلي يعرض سلام المنطقة للخطر، وأن من شأن هذا السلوك أن يشعل منطقة الشرق الأوسط.
كما ولو أن السلام هو في طليعة أولويات أميركا التي تنشر مئات الألوف من جنودها في المنطقة، وتشن فيها حروباً بالجملة، إضافة إلى عملها الدؤوب على إشعال الحرائق في أكثر من بلد في المنطقة.
الكلام عن خلافات أميركية إسرائيلية، والتعويل على موقف أميركي مناصر للعرب، ولو في المستقبل البعيد، هو محاولة بائسة لطمس الواقع المتمثل بكون مشكلة العرب مع "إسرائيل" هي تفصيل من تفاصيل مشكلتهم مع الغرب الذي زرع "إسرائيل" في قلب المنطقة العربية، واحتضنها وسلحها ودعم كل سياساتها. والذي، حتى ولو انقلب يوماً على "إسرائيل"، لن ينقلب على سياساته القائمة على مصالحه في الهيمنة على المنطقة.
إن منطق التعويل على أميركا، والانجرار وراء سياساتها، هو سليل السياسات و"الثورات" العربية التي اصطفت، قبل عقود من قيام "إسرائيل" إلى جانب بريطانيا وفرنسا في مواجهة الدولة العثمانية، ثم انحازت إلى الغرب في مواجهته مع السوفيات، ثم في مواجهته مع حركات التحرر العربية، ثم في مواجهته مع إيران وقوى الممانعة والمقاومة العربية.
ومن نافل القول إن تلك السياسات العربية هي، جنباً إلى جنب مع التبني الغربي الاستراتيجي لـ "إسرائيل"، مسؤولة عن قيام "إسرائيل" وعن إمعان "إسرائيل" في سياساتها العدوانية الحالية.
والأكيد، خصوصاً مع العودة الوشيكة إلى المفاوضات الوشيكة، والاقتحام الوشيك للمسجد الأقصى، أن السياسات العربية ستتحفنا قريباً بمواقف من الانتفاضة الوشيكة في الضفة الغربية وأراضي الـ 48 شبيهة بالمواقف من حرب تموز على لبنان ومن الحرب على غزة.
لكن الأكيد أيضاً أن رياح موازين القوى التي تهب في المنطقة، في ظل ما يلحق بأميركا و"إسرائيل"، من هزائم، وفي ظل صعود معسكر الممانعة والمقاومة، قد بدأت برسم معالم النهاية، إنْ لسياسات التواطؤ العربية، وإن لسياسات العدوان الإسرائيلية الأميركية.

2010-03-19