ارشيف من :ترجمات ودراسات
دلالات زيارة بايدن الى تل أبيب: إيران لا الاستيطان!
إعداد: علي شهاب
تشهد العلاقة بين واشنطن وتل أبيب "توترا" علنيا ظاهره سياسة الاستيطان، وباطنه ملفات أكثر تعقيدا؛ على رأسها الملف الإيراني.
المدير التنفيذي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "روبرت ساتلوف" سلّط الضوء على الهدف من زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن الاخيرة الى تل أبيب باعتبارها حراكا باتجاه تركيز التوجه الاستراتيجي المشترك ما بين الحليفين في الشرق الأوسط.
في أقل من ثمان وأربعين ساعة، تحولت العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من روابط "لا يمكن خرقها"، وفقاً لتصريحات نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، الى تلك "المحفوفة بالمخاطر"، حسبما نُسب إلى "مسؤول أمريكي رفيع المستوى لم يذكر اسمه". وهناك خطر بأن يؤدي هذا المزاج الحاد المتأرجح إلى حجب الإنجاز الكبير الذي حققته زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ألا وهو التأكيد للإسرائيليين (فضلاً عن العرب والإيرانيين الذين يتعقبون كلماته) بأن إدارة اوباما "عاقدة العزم على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية".
كان الغرض الرئيسي من زيارة بايدن هو تتويج أشهر طويلة من "إعادة" العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى وضعها السابق في إطار عملية أكبر لـ "إعادة توجيه" السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
عندما استلمَت الإدارة الجديدة منصبها، كان الدافع وراء سياستها في الشرق الأوسط هو قيام ثلاثة مبادئ:
ـ أن عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية هي أولوية ملحة، وأن حدوث انفراج يتوقف إلى حد كبير على قيام "إسرائيل" بإثبات حسن نيتها من خلال وقفها الكامل للنشاط الإستيطاني، بما في ذلك عمليات الاستيطان في القدس.
ـ أن إقناع إيران على تغيير مسارها بشأن برنامجها النووي يشكل أيضاً أولوية عالية، وستكون أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي إنهاء عزلة إيران عن طريق الحوار على مستوى رفيع مع القادة الإيرانيين.
ـ أن الموضوعين يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، بمعنى أن التقدم في عملية السلام من شأنه أن يزيد احتمالات نجاح الحوار مع إيران.
خلال الأشهر القليلة الأولى من إدارة أوباما وُجد خلل في كل مبدأ من هذه المبادئ: فحول ما يتعلق بعملية السلام، بالغت واشنطن في مطالبتها بوقف المستوطنات الإسرائيلية، وخلقت، من دون قصد، طريقها المسدود في الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية.
ومن ناحية إيران، أكدت الرفوض المتكررة من جانب القيادة في طهران بأن المصدر الحقيقي للمشكلة هو طموحات إيران، وليس عزلة إيران. وفي إشارة إلى الربط بين الإثنين، رفض الزعماء العرب، مثل الملك السعودي، جهود الولايات المتحدة الرامية إلى بناء بيئة أكثر ملاءمة لتحقيق السلام العربي الإسرائيلي، بينما حذر هؤلاء الزعماء واشنطن بأن عليها أن تكون أكثر حزماً ضد إيران، وبذلك عبروا برسالة واضحة عن أولوياتهم.
وفي الأشهر الأخيرة، كدحت الإدارة الأمريكية بجد من أجل إصلاح الأخطاء التي وقعت فيها في وقت سابق، باعتمادها على استراتيجية واقعية تضع القضية النووية الإيرانية كنقطة ارتكاز لسياستها في الشرق الأوسط. ويقوم جزء من هذا الجهد على عدول الإدارة عن موقفها المتطرف بشأن المستوطنات والمتمثل بـ "لا لبنة واحدة في القدس"، وتحويل التركيز من الصدام بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" حول قضايا السلام إلى شراكة الولايات المتحدة و"إسرائيل" حول القضايا الإستراتيجية.
ومع ذلك، وفي ضمن هذا الإطار، فلا يزال من المهم أن تقوم الإدارة الأمريكية بخلق دبلوماسية قادرة على أداء مهامها بين الإسرائيليين والفلسطينيين ـ ليس لأن مراقبين رصينين يعتقدون بأن انفراجاً يلوح في الأفق على المدى القريب، بل لأن قيام دبلوماسية نشطة ومستمرة تحرم كل النقاد والرافضين فرصة إفساد محاولات الوصول إلى تسوية. وعلاوة على ذلك، تساعد هذه الدبلوماسية على تفرغ الإدارة الأمريكية لكي تقوم بتصعيد وتيرة الإلحاح الدولي حول قضية إيران. وفي الواقع، يجادل البعض بأن حجة الربط قد انقلبت الآن رأساً على عقب، بمعنى أن النجاح الحقيقي في عملية السلام قد يكون ممكناً فقط عندما يُحرَز نجاح في القضية الإيرانية. وثمة من يقول، بأنه عندما تثبت إدارة أوباما شجاعتها وحماستها في منع مسيرة إيران نحو تفوقها الإقليمي، فعندئذ فقط سيكون الإسرائيليون والفلسطينيون على استعداد للمراهنة على واشنطن وتحمل المخاطر الضرورية لتحقيق انفراج حقيقي في مفاوضات السلام.
وفي هذا الصدد، أظهر فريق الدبلوماسية الأمريكية برئاسة المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون السلام في الشرق الأوسط جورج ميتشيل، استمراراً ملحوظاً في محاولاته لإقناع السلطة الفلسطينية باستئناف محادثات السلام مع إسرائيل، وهو مسعى كان ينبغي أن يتطلب أقل من جهود جبارة لنجاحه. وفي النهاية، من شأن المرء أن يتصور أن الفلسطينيين، الذين يتوقون لإقامة دولة فلسطينية، سيريدون إجراء محادثات تحت أي ظرف من الظروف تقريباً. ولكن في عالم الشرق الأوسط، العكس هو الصحيح. ففي حين وجدت واشنطن طريقة للتراجع عن موقفها حول إصرارها على تجميد عمليات الإستيطان بالكامل كشرط لإجراء محادثات سلام، وجد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مجرى العملية غير مريح، ولا سيما نظراً لتغيير موقفه كلياً، تحت الضغوط، حول رد الفعل الفلسطيني على تقرير "غولدستون" حول "جرائم حرب" مزعومة في قطاع غزة. وبطبيعة الحال، ففي نهاية الأمر يحتاج عباس إلى المفاوضات أكثر من احتياج إسرائيل لها؛ فالدبلوماسية هي "بطاقة الهوية" التي يستعملها، والتي بدونها بإمكان الفلسطينيين اللجوء إلى زعيم آخر، أو إلى الخيار العسكري التي تنتهجه المقاومة وحركة "حماس". ومع ذلك، تمكن عباس من إقناع واشنطن بالعمل بجد لتحقيق ما هو واضح بأن من مصلحته أن يتم عمله ـ وهو التباحث مع إسرائيل، حتى لو كان ذلك من خلال البيت الكائن في منتصف الطريق الذي "يؤوي" المفاوضات غير المباشرة.
وفي الوقت نفسه، من الصحيح أيضاً القول بأن ثورة هادئة تحدث داخل "إسرائيل" فيما يتعلق بموضوع السلام. إن الشي الذي قد ضاع، وسط التمثيل المسرحي حول رخَص البناء في القدس وعادة "إسرائيل" على تقديم تنازلات إلى واشنطن بعد أسابيع من طلب إدارة أوباما، هو أن بنيامين نتنياهو قد قاد الحكومة برئاسة حزب "الليكود" في مياه مجهولة تماماً. ففي خطابه في جامعة "بار إيلان"، أصبح نتنياهو رئيس الوزراء "التصحيحي" الثالث على التوالي الذي يتبنى نموذج الـ "دولتين لشعبين"، ما يودع دعاة "إسرائيل" الكبرى ويضعهم على هامش السياسة الإسرائيلية، حيث ليس لديهم هناك بطل وطني يتولى رئاسة معسكرهم. وعلاوة على ذلك، فبقراره وقف الإستيطان في الضفة الغربية، التزم نتنياهو بسياسة لم يتخذها أي رئيس حكومة إسرائيلي: رابين، شارون، بيريز، أو باراك، منذ اتفاقية أوسلو، وبذلك تراجع عن السياسة الإسرائيلية التي دامت أربعين عاماً والتي رفضت الفكرة القائلة بأن المستوطنات تشكل عقبة أمام عملية السلام. إن النتيجة المترتبة عن ذلك هي أن النقاش الذي يدور في صفوف تيار الوسط الإسرائيلي حول عملية السلام يتركز الآن على: قدرة السلطة الفلسطينية على الدخول شريكة في المفاوضات، ومدى المطالب الإقليمية الإسرائيلية من أراضي الضفة الغربية: 2 في المائة؟ 4 في المائة؟ 6 في المائة؟ وليس على السؤال الأكثر أساسية حول إعادة تقسيم فلسطين الذي من شأنه أن يترك الجانب الآخر مع الغالبية العظمى من أراضي الضفة الغربية في دولة مستقلة، تكون ذات سيادة إلى درجة غير محددة. وبمرور الوقت، سوف يُعترف بهذه التطورات كزلزالية.
زيارة بايدن
تهدف زيارة نائب الرئيس الأمريكي لـ"إسرائيل" إلى "إعادة" تأكيد الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ألا وهي: الإقرار علناً عن الشراكة الإستراتيجية القوية القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ إدخال الدفء و"اللمسة الإنسانية" في علاقة تبدو باردة وبعيدة على المستويات العالية؛ الإعلان من على تربة الشرق الأوسط عن التزام إدارة أوباما بمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية (وبالتالي إسكات المهرجين الذين يعتقدون بأن ما يدور في أروقة الحكومة الأمريكية هو إنزلاق نحو سياسة "الاحتواء")؛ ومباركة الإعداد المحرج لمحادثات "القرب" غير المباشرة (للسلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية) التي يؤمل أن تكون مؤقتة والتي قام بإعدادها المبعوث الأمريكي جورج ميتشل. لقد كان بايدن الشخص المثالي للقيام بهذه المهمة: "فلديه عقود من الصداقة القديمة مع إسرائيل والتي لم تمنعه، في بعض الأحيان، من إعطاء الإسرائيليين بعض النصائح الصريحة جدا".
ومن لحظة وصوله إلى "إسرائيل"، قام بايدن بدوره على أحسن وجه كسياسي خبير كما معروف عنه، بذكره كافة الملاحظات المناسبة، وإدلائه بكل التصريحات الملائمة، وإلقائه الخطب التي وضعت الأمور في نصابها الصحيح. ثم جاء بيان وزارة الداخلية التي تسيطر عليها حركة "شاس" حول مخطط البناء في القدس. وعلى الرغم من أن ذلك الإعلان لم يشكل انتهاكاً لقرار وقف البناء في الضفة الغربية ولا ينذر عن بدء أي بناء جديد في المستقبل القريب، كان لغضب واشنطن ما يبرره بسبب توقيت الإعلان عن خطط البناء، والتي يبدو أنه لم يكن لها أي هدف سوى إحراج نائب الرئيس الأمريكي. وعلى الرغم من أن رد فعل الولايات المتحدة، "إدانة" الأعمال الإسرائيلية باعتبارها مخالفة لروح عملية السلام، باستخدامها لغة هي أكثر ملاءمة لمذبحة من بيان بيروقراطي، من الواضح أنها عكست الشعور بالغضب العميق في صفوف الوفد الأمريكي.
وبعد ذلك بيومين، ألقى نائب الرئيس الأمريكي خطاباً رئيسياً في جامعة تل أبيب كان يهدف إلى التحدث مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي. وفي كلمته، كان بايدن يقصد إصلاح التصور القائم لدى العديد من الإسرائيليين بأن قرار أوباما زيارة القاهرة والرياض وأنقرة، واستثنائه القدس خلال السنة الأولى من رئاسته، كان قائماً على حسابات بأنه لا يمكن أن يرتبط بعلاقات طيبة مع المسلمين ويقوم في الوقت نفسه بتعزيز علاقات بلاده مع الإسرائيليين. وقد قدم بايدن أداءً ممتازاً. فقد ألقى كلمة أعادت إلى الذهن خطابات بيل كلينتون، حيث أعرب عن تعاطفه مع آلام "إسرائيل" وأفراحها؛ وذكَّر جمهوره بأن والده قد علّمه بأن "الأغيار يمكن أن يكونوا صهاينة"، واستشهد مراراً وتكراراً بصلة الشعب اليهودي التاريخية بأرض "إسرائيل"، وبالتالي تصحيح الإنطباع المؤسف الذي تركه خطاب أوباما في القاهرة وهو أن الصهيونية لم تبدأ إلا مع المحرقة.
وحول جوهر السياسة، تفاخر بايدن بأن إدارة أوباما قد "وسعت، لم تحافظ، بل وسعت" التعاون في مجال التدريبات المشتركة والدفاع الصاروخي، وكرر التزام الولايات المتحدة بتفوق "إسرائيل" العسكري النوعي. واتفق مع ما جاء في أطروحة جون ميرشايمر وستيفن والت (دراسة صدرت من قبل جامعة "هارفارد" عن "اللوبي الإسرائيلي: إسرائيل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة")،عندما قال ان "الدعم الأمريكي لإسرائيل لا يعني فقط قيام علاقات صداقة، وإنما يعبر عن وجود علاقات تتمثل بقيام مصلحة ذاتية وطنية أساسية من جانب الولايات المتحدة".
وقد تم إقرار ذلك الإحساس حول قيام مصلحة مشتركة بين البلدين من خلال الجزء المهم من الخطاب المتعلق بإيران. فلم يقتصر بايدن على تأكيد إدراك واشنطن بأن إسرائيل "تواجه أكبر تهديد استراتيجي وجودي" يتمثل بامتلاك إيران لسلاح نووي، ولكنه شدد على أن امتلاك "أسلحة نووية من قبل إيران يشكل أيضاً تهديداً لأمن الولايات المتحدة الأمريكية، على المدى القصير والمتوسط والبعيد"، وبذلك صحح بصورة فعالة بيانا بعكس ذلك كانت قد أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في الشهر الماضي في قطر. وأضاف أن الإستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة للتصدي لهذا التهديد تتمثل باتباع سياسة المنع، "ان الولايات المتحدة مصممة على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. جملة تامة"، وبالتالي رفض نائب الرئيس الأمريكي النصيحة التي تأتي من بعض الأصوات "الواقعية" المنادية لاتباع سياسة إحتواء أكثر "معقولية".
ولم يتجنب بايدن عملية السلام، بل على العكس من ذلك، فقد كرس جزءاً كبيراً من كلمته على هذا الموضوع. وعلى الأكثر، كان خطابه قوياً أكد فيه الشراكة القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وكانت النقطة الرئيسية في خطاب نائب الرئيس الأمريكي هي العبارة التي أكد فيها، وسط تصفيق قوي من جانب الحضور، بأنه "من خلال تجربتي، استطيع القول بأن أحد الشروط المسبقة الضرورية لتحقيق تقدم هي أن بقية دول العالم تعلم... بأنه ليست هناك أي مسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل عندما يتعلق الأمر بالأمن، لا شيء".
وحول الأزمة المتعلقة بمخطط البناء في القدس، أوضح بايدن بأن حكومة الولايات المتحدة اعتبرت الإعلان عنه بمثابة "تقويض الثقة المطلوبة لقيام مفاوضات مثمرة"، وأوضح أن الرئيس أوباما نفسه قد طلب منه "إدانة هذا العمل فوراً وبشكل لا لبس فيه". والأهم من ذلك، عبر عن "تقديره" للخطوات "الهامة" التي اتخذها نتنياهو في ذلك اليومين لمنع تكرار مثل ذلك الخطأ البيروقراطي الفاضح.
ونظراً لتعليقات بايدن، ليس من غير المعقول أن يعتقد مضيفوه بأن الأزمة قد مرت. وفي الواقع، لم يقل بايدن ان "إسرائيل" قد انتهكت أي اتفاق مع الولايات المتحدة من خلال الإعلان غير الحكيم عن مخطط البناء في القدس؛ فلم يُشر بأن العلاقات قد تضررت بشدة من جراء هذا الإعلان، كما أنه لم يعد إحياء الطلب حول الوقف الكامل للنشاطات الإستيطانية، بما في ذلك في القدس، التي أربكت الدبلوماسية في وقت سابق. وفي حين قدم بايدن وعداً بأن الولايات المتحدة "سوف تحمّل الجانبين المسؤولية عن أي بيانات أو إجراءات من شأنها أن تؤجج التوترات أو تؤثر على نتيجة المحادثات"، أشار بأن نتنياهو نفسه كان قد قال بأن "جميع الاطراف بحاجة إلى اتخاذ اجراءات بحسن نية، إذا أُريد منح فرصة للسلام". وفي نهاية الخطاب ـ وبحلول نهاية زيارة نائب الرئيس الأمريكي ـ بدا أن المرارة التي أثارت إدانة غير عادية لـ"إسرائيل" قبل يومين من قيام بايدن بإلقاء ذلك الخطاب قد تبددت.
هناك بعض البنود التي تعطي مجالاً للمماحكة مع خطاب بايدن. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أنه قال بأنه "لا توجد مسافة" بين واشنطن والقدس حول القضايا الأمنية، لكن واقع الأمر هو أن لديهما خطوطا حمراء مختلفة فيما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني. فكما أشار بايدن، بتكراره تصريحات سابقة أدلى بها أوباما، إن الخط الأحمر للولايات المتحدة هو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية؛ بينما يتمثل الخط الأحمر لـ"إسرائيل"، كما ذُكر مراراً وتكراراً من قبل نتنياهو وغيره، هو منع إيران من تحقيق "القدرة العسكرية النووية"؛ وهو شرط أوسع بكثير من الخط الأحمر للولايات المتحدة. وفي وقت مستقبلي ليس بالبعيد، قد يثير هذا التباين خلافا عمليا بين الجانبين. وإذا ما حدث ذلك، فإن احتمال حدوث نزاع بغيض هو حقيقي.
لكن الرسالة المهيمنة في خطاب بايدن وفي زيارته برمتها كانت الصداقة الأمريكية الإسرائيلية، والتي تعارضت مع التنافر المعرفي الذي تمَثَّل بمحادثة من نوع آخر تشبه تلك التي تجرى أثناء "السير نحو مخزن الحطب" أجرتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مع نتنياهو يوم الجمعة، وتعليقات لاحقة من جانب كبار المسؤولين في البرامج الحوارية في عطلة نهاية الاسبوع. ومن ناحية المصطلحات المعروفة في الشرق الأوسط، فإن توبيخ كلينتون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب الإهانة التي ألحقها بنائب الرئيس الأمريكي قد أعادت إلى الأذهان الغضب الفرنسي الذي ظهر عندما قام حاكم الجزائر بضرب القنصل الفرنسي بالمروحة في عام 1827، ما أدى إلى قرار الملك الفرنسي بإرسال البحرية الفرنسية لغزو الجزائر مبرراً القيام بالعملية من أجل الثأر لشرف فرنسا والإنتقام من حاكم تلك البلاد ما أدى إلى احتلال واستعمار الجزائر. ولكن في هذه الحالة، لم يكن تهديد كلينتون الضمني هو الغزو، بل التصدع في العلاقات. فلم تكتف بتأنيب نتنياهو بشدة بسبب إهانته لبايدن ومخاطرته بالإضرار بالعلاقات الثنائية، ولكن وفقاً لتقارير مختلفة وضعت كلينتون مطالب محددة التي من الضروري على حكومة "إسرائيل" القيام بتنفيذها في إطار مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، لئلا تجد نفسها بلا أصدقاء.
وهنا، تحتاج إدارة أوباما إلى التعامل بحذر والتصرف بحكمة وإلا ستخاطر بانهيار كامل لإستراتيجيتها "الجديدة والمحسنة" في الشرق الأوسط. ومن المناسب أن يُطلب من الحكومة الإسرائيلية اتخاذ خطوات لمنع وزراء فرديين من الإعلان عن قرارات ذات أهمية وطنية، وخاصة مثل تلك التي اتخذها وزير الداخلية من حزب "شاس" إيلي يشاي، الذي من المفترض أنه يتحمل مسؤولية حكومية واسعة باعتباره نائباً لرئيس الوزراء، وإعطاء معنى إضافي للإلتزامات الإسرائيلية التي كثيراً ما أُعلنت حول التفاوض بحسن نية. وفي جميع هذه القضايا، هناك خطوات معقولة بإمكان حكومة نتنياهو اتخاذها لتبديد وجود أي مخاوف مستمرة في واشنطن حول قيام أزمة ثقة.
إن المفتاح للقوة العظمى هو معرفة الفرق بين التفكير بصورة كبيرة والتفكير في نطاق ضيق. لقد كانت مهمة نائب الرئيس الأمريكي في "إسرائيل" تعبيراً عن التفكير الأسبق. وحتى عندما يؤخذ في الحسبان الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الإسرائيليون والذي شاب زيارة بايدن، من المهم بالنسبة لإدارة أوباما أن لا تسمح لنفسها بأن تتحول عن هذا المسار.