ارشيف من :ترجمات ودراسات

ما الذي يمكنك عمله، أنت كفرد، من أجل الأقصى ؟

ما الذي يمكنك عمله، أنت كفرد، من أجل الأقصى ؟
عقيل الشيخ حسين
هذا السؤال طرحته قناة "الجزيرة" في أحد برامجها على المشاهدين. والواضح أن توجيهه للأفراد، أي بالتالي إلى الشعوب، على صلة بالمقولات التي كثيراً ما تشدد على دور الشعوب، خصوصاً في ظل غياب الأنظمة. والواضح أيضاً أنه، وخلافاً للكثير من الأسئلة التي تطرح في هذا المجال، أكثر من سؤال، بما هو حيوي وفي محله تماماً، بقدر ما يشكل تحدياً جريئاً للأفراد والشعوب الذين يتألمون لما يجري في فلسطين ولا يترددون في نصرتها إذا ما توفرت لهم السبل، والذين يظلون مع ذلك بعيدين عن دائرة الفعل. 
وبالفعل، جاءت جميع الإجابات التي قدمها المشاركون لتعكس صدق الرغبة في خدمة القضية عن طريق الاضرارات والاعتصامات والمطالبات... مع الاعتراف بالعجز عن الفعل لأسباب تتلخص بموقف الأنظمة العربية المتواطئة، واستعدادها للجوء إلى البطش بالناس في حال نزولهم إلى الشارع. 
ونظراً لأهمية الموضوع، ولكون الإجابات قد جاءت غير شافية، رأى العبد الفقير أن يدلي بدلوه من خلال هذه المقالة. 
صحيح أن تهويد الأماكن المقدسة في فلسطين والخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى هي خطب فادح وأمر جلل. لكنه يندرج في سياق النوع نفسه من المصائب التي تنهال على الشعب الفلسطيني وسائر الأمة منذ النكبة، ومنذ ما قبل النكبة بقرون طويلة. وإذا كانت صيحة "وا معتصماه" الشهيرة قد وصلت إلى سمع أحد الخلفاء ودفعته إلى امتشاق السلاح، فإن "وامعتصماه" تتجاوب أصداؤها في أيامنا مع كل تفصيل من تفاصيل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة ويرتكبونها بحق الفلسطينيين والعرب. 
والحقيقة أن أنظمة الممانعة العربية والإسلامية، وتنظيمات المقاومة في فلسطين ولبنان قد قدمت ردوداً موضعية كثيرة، وهي تتهيأ للرد النهائي الذي تشير جميع المعطيات الجيوسياسية  إلى أنه لم يعد بعيداً. 
لكن السؤال يظل مطروحاً حول ما يمكن للأفراد داخل أنظمة الممانعة وتنظيمات المقاومة، وخصوصاً في البلدان المغلوبة على أمرها في ظل حكومات متواطئة، أن يفعلوه لنصرة المسجد الأقصى والقضية الفلسطينية. 
الإجابة تمر بإجابة أولى ـ ما الذي يمكن لهؤلاء أن يفعلوه لتحرير أنفسهم ليصبح بمقدورهم تحرير غيرهم. فالمعروف أن الإقبال على الدنيا هو ما يحكم سلوك الناس ـ الفقراء الذين تطحنهم مشكلاتهم المعيشية، وغير الفقراء المستلبين بالسعي إلى مراكمة المزيد من الثروات. وبين هؤلاء وأولئك، يهدر الناس الكثير والكثير من وقتهم أمام مسلسلات تلفزيونية لا تنتهي، وفي غير ذلك من أنشطة مشابهة، في دلالة واضحة على الحيز الذي تحتله القضية على مساحات وعيهم ضيق جداً. تكفي الحروب التي تندلع حول مباريات كرة القدم، والإقبال الجماهيري على البحث عن فرصة لتحقيق الوجود عبر الفوز في مسابقة من مسابقات الغناء. ويكفي أن مليارات الدولارات تجنيها "إسرائيل" سنوياً من تسويق مواد التجميل في العديد من البلدان العربية... 
ولو فرضنا أن جميع سبل النضال (كانوا قديماً يتحدثون عن النضال المسلح، وحرب التحرير الشعبية والثورة حتى النصر)، ومنها الإضرابات والمظاهرات والاعتصامات قد أصبحت مسدودة أمام الجماهير بفعل القمع والخوف من الأنظمة، فإن ذلك يشكل فرصة "ثمينة" لممارسة شكل النضال الذي يشكل شرط نجاح أشكال النضال الأخرى، والذي يمكن القول بأنه كاف للدفع نحو حراكات تحررية مضمونة النتائج. 
شكل النضال هذا يقتصر على العيش بشكل صحيح. أي على السلوك البشري في جميع مناحيه. وخصوصاً تلك المناحي ذات الصلة بالمأكل والملبس والمسكن والعمل والتعليم والصحة. فالمعروف أن جميع الحروب التي تشنها أميركا هي، في نهاية المطاف، من أجل الحفاظ على نمط العيش الأميركي. والمطلوب هو أن نعرف طبيعة نمط العيش الذي نعتمده نحن في حياتنا. ولو نظرنا لوجدنا أننا مستباحون إلى الأعناق لنمط العيش الأميركي. أي لذلك النمط المفضي مباشرة إلى تبهيم الإنسان. ألا نأكل ونشرب ونلبس ونسكن بيوتاً ونتنقل ونتسلى ونتعلم ونتطبب على الطريقة الأميركية ؟ مع تعديلات كبيرة أو صغيرة تفرضها ظروفنا الخاصة. 
لنقم بإزالة كل مظاهر العيش، والوسائل، والأدوات، والأجهزة، والآلات، والأغذية والأدوية، والمواد الثقافية، والأعمال، وأشكال الترفيه والتسلية والرياضة التي نستوردها من أميركا وسائر البلدان التي تتظاهر علينا خلف أميركا، وعندها سنلاحظ أن أميركا نفسها، وليس "إسرائيل" وحدها، ستسقط أمام شكل النضال هذا. 
مشروع كهذا تكتنفه صعوبات كبيرة ناشئة عن كوننا قد أوغلنا عميقاً في السير على طريق نمط العيش الأميركي. لكن هذه الصعوبات تظل لا شيء بالقياس إلى امرأة فلسطينية تتناهشها الكلاب الشرسة التي يطلقها الجنود الإسرائيليون، بالقياس إلى الأسيرات الفلسطينيات والأسرى الفلسطينيون الذين يعيشون تحت رحمة السجان الإسرائيلي، بالقياس إلى كل الآلام التي تراكمت منذ ستين عاماً على حيفا ويافا وعكا ونابلس وغزة وجنين وسوريا ولبنان والأردن ومصر وكل شبر من العالم الإسلامي وسائر العالم بفعل العدوان الأميركي الإسرائيلي، وبالقياس طبعاً إلى القدس والمسجد الأقصى.  
2010-03-22