ارشيف من :أخبار لبنانية
يأس إسرائيلي من إمكانات الداخل اللبناني لصدّ المقاومة
زيارة النائب وليد جنبلاط المرتقبة لدمشق، هي آخر ما تراه تل أبيب في المشهد اللبناني، بعد المعادلة الردعية الجديدة التي أرستها المقاومة، مع الفارق. أما ما يفصل بينهما من تصريحات ومواقف في الداخل تصوّب على المقاومة، فلا يلقى اهتماماً إسرائيلياً
يحي دبوق/ نقلا عن جريدة الاخبار
قراءة المشهد اللبناني بعيون إسرائيلية تبشّر بالخير والحذر، في آن واحد: تراجع لافت لتهديدات تل أبيب، حتى الآن، وتواصل الصمت حيال المعادلة الردعية الجديدة التي أرستها المقاومة أخيراً، بما يشمل إعلان قدرات جديدة غير مسبوقة باتت في حوزتها، وحسرة على مآلات الواقع اللبناني وترسّخ موازين القوى في الساحة اللبنانية لمصلحة المقاومة، عبّرت عنها تصريحات وكتابات إسرائيلية في الفترة الماضية.
كان لافتاً في هذه المرحلة، تراجع مستوى حديث «الحرب المقبلة» والتهويل عليها، من أطراف لبنانية، بموازاة تراجع تهديدات المسؤولين الإسرائيليين، رغم أن البعض في لبنان، ما زال يصر على الحرب، حتى حدود المكابرة. وبالطبع، لا يعود التراجع إلى إرادة تهدئة ابتدائية من إسرائيل أو من المتناغمين معها، بمعنى التفضّل على لبنان بحديث التهدئة والابتعاد عن التهويل بويلات الحرب، بقدر ما هي تعبير عن قصور يد في إيصال هذا التهويل إلى أذهان اللبنانيين، والأمل بقطف ثماره في معركتهم القائمة مع المقاومة. وهذا القصور هو نتيجة منطقية للتعديل الأخير المعلَن في موازين القوى العسكرية بين المقاومة وإسرائيل. فالقدرات الجديدة التي باتت في أيدي المقاومين رسّخت إدراك اللبنانيين بقدرتهم على ردع تل أبيب، ومنعها من شنّ اعتداءات على لبنان، وبالتالي لم تعد التهديدات الإسرائيلية، وتناغم أطراف لبنانية معها، تجدي نفعاً كاملاً ضد المقاومة، كما كان يرجى منها في السابق.
تحت عنوان «نظرة خاطفة إلى الشمال»، كتب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، معلقاً على «التحولات» في الساحة الداخلية اللبنانية، وواصفاً مواقف النائب جنبلاط من سوريا بـ«التوبة، بعدما قاد التمرد على (الرئيس السوري) بشار الأسد، شأنه شأن (رئيس الحكومة) سعد الحريري، وهما اللذان كانا يرمزان إلى الأمل الكبير والأبيض للاعتدال الإقليمي». وبحسب الكاتب، الذي يُعدّ أحد أهم كتبة الصحيفة وأقربهم من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، فإن «هاتين الشخصيتين أدركتا أين القوة» في المنطقة، بل يشيران إلى أن «المسألة تتعلق بمسار (إقليمي) مقلق جداً، يرمز إلى انهيار الدول المعتدلة في المنطقة، وتعاظم محور الشر». وبحسب فيشمان، فإن «كل هذا يحدث بفضل سوء التدبير الأميركي». لقد ضرب (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش، محور الشر في المكان غير الصحيح، ما أنشأ وهماً بأمل جديد في المنطقة، انطلاقاً من لبنان.
في إطار المشهد اللبناني، بعيون إسرائيلية، تنظر تل أبيب إلى زيارة النائب جنبلاط لدمشق، وأيضاً إلى زيارة الرئيس الحريري قبلها، باعتبارها إشارة أخرى كاشفة بدورها عن تداعي الآمال المعقودة، في المراحل السابقة، على إمكان المراهنة على حراك داخلي لبناني ضد المقاومة... ضمن هذا المعنى، تكشف الزيارة، من ناحية تل أبيب، انفراط عقد القوى الأساسية في لبنان، التي راهنت عليها طويلاً، في استنزاف حزب الله أو إلهائه عنها.
في الوقت ذاته، لا تشير الزيارة، كإشارة كاشفة، إلى نجاح ملحوظ للسياسة السورية في لبنان وحسب، بل تتجاوز ذلك لتثبت من جديد وجود مسار تراجعي وصل إلى نقطة حرجة جداً نحو انهيار السياسة الأميركية في المنطقة، وبالتالي انهيار المراهنة عليها لإيجاد تغيير مطلوب لمصلحة إسرائيل، بأيدٍ غير إسرائيلية، في مقابل محور المقاومة، التي تمثّل سوريا ولبنان، جزءاً مركزياً فيه.
هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن لا تنظر إسرائيل بعيون الرضى إلى أصوات لبنانية ما زالت تطلق سهامها على المقاومة وعلى سلاحها، وتواصل الحديث عن الحرب المقبلة وويلاتها على لبنان، وأيضاً ربط هذه الحرب بوجود سلاح حزب الله. فتل أبيب تدرك جيداً أن دور هذه الأصوات لا يعدو أن يكون إعلامياً وكلامياً، لكن تمكّن هذه الأصوات من إبقاء السجال قائماً في الساحة اللبنانية، حول سلاح المقاومة ودوره وإظهار نوع من الانقسام الداخلي حياله، الأمر الذي يمكّن تل أبيب من استخدام هذا السجال لمصلحتها، في حال وصول المنطقة ولبنان ضمنها، إلى استحقاقات متطرفة، في المرحلة المقبلة.
على مستوى المواجهة الصامتة بين المقاومة وإسرائيل، وفي ظل المعادلة الردعية الجديدة التي باتت تحكم أفعال تل أبيب الاعتدائية، بمعنى الكبح عن شن اعتداءات على لبنان، وفي ظل «المشهد الدمشقي» الأخير، والربط ما بين ساحات المقاومة في مواجهة الدولة العبرية، باتت إسرائيل لجهة الحرب على لبنان، تحديداً، وعلى المنطقة عموماً، محكومة أكثر من ذي قبل بحسابات الربح والخسارة، وما يزيد من إرباكها أنه لا جهة فاعلة يمكن التعويل عليها في الساحة اللبنانية، بإمكانها ملاقاة الجيش الإسرائيلي إذا قرر شن عدوان على لبنان. في إطار ذلك، من الطبيعي أن تتجه أنظار إسرائيل إلى ما يمكن أن تراهن عليه كطرق بديلة للحرب المكلفة، وغير مضمونة النتائج، ما يعني انتظاراً لما ستؤول إليه التوجهات الأميركية في المنطقة، وتحديداً ضد الجمهورية الإسلامية في إيران. في غضون ذلك، تأمل تل أبيب، بل وتحرّض، على مواجهة عسكرية أميركية مع الإيرانيين، تكون كفيلة بتصديع «محور الشر»، بما يشمل لبنان وسوريا، والفصل بين المقاومة ومنابع القدرة العسكرية لديها، مع إدراك تل أبيب أن كل يوم يمضي دون حل، تترسخ أكثر قدرات أعدائها، وهذا ما تخشاه في هذه المرحلة تحديداً.
يحي دبوق/ نقلا عن جريدة الاخبار
قراءة المشهد اللبناني بعيون إسرائيلية تبشّر بالخير والحذر، في آن واحد: تراجع لافت لتهديدات تل أبيب، حتى الآن، وتواصل الصمت حيال المعادلة الردعية الجديدة التي أرستها المقاومة أخيراً، بما يشمل إعلان قدرات جديدة غير مسبوقة باتت في حوزتها، وحسرة على مآلات الواقع اللبناني وترسّخ موازين القوى في الساحة اللبنانية لمصلحة المقاومة، عبّرت عنها تصريحات وكتابات إسرائيلية في الفترة الماضية.
كان لافتاً في هذه المرحلة، تراجع مستوى حديث «الحرب المقبلة» والتهويل عليها، من أطراف لبنانية، بموازاة تراجع تهديدات المسؤولين الإسرائيليين، رغم أن البعض في لبنان، ما زال يصر على الحرب، حتى حدود المكابرة. وبالطبع، لا يعود التراجع إلى إرادة تهدئة ابتدائية من إسرائيل أو من المتناغمين معها، بمعنى التفضّل على لبنان بحديث التهدئة والابتعاد عن التهويل بويلات الحرب، بقدر ما هي تعبير عن قصور يد في إيصال هذا التهويل إلى أذهان اللبنانيين، والأمل بقطف ثماره في معركتهم القائمة مع المقاومة. وهذا القصور هو نتيجة منطقية للتعديل الأخير المعلَن في موازين القوى العسكرية بين المقاومة وإسرائيل. فالقدرات الجديدة التي باتت في أيدي المقاومين رسّخت إدراك اللبنانيين بقدرتهم على ردع تل أبيب، ومنعها من شنّ اعتداءات على لبنان، وبالتالي لم تعد التهديدات الإسرائيلية، وتناغم أطراف لبنانية معها، تجدي نفعاً كاملاً ضد المقاومة، كما كان يرجى منها في السابق.
تحت عنوان «نظرة خاطفة إلى الشمال»، كتب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، معلقاً على «التحولات» في الساحة الداخلية اللبنانية، وواصفاً مواقف النائب جنبلاط من سوريا بـ«التوبة، بعدما قاد التمرد على (الرئيس السوري) بشار الأسد، شأنه شأن (رئيس الحكومة) سعد الحريري، وهما اللذان كانا يرمزان إلى الأمل الكبير والأبيض للاعتدال الإقليمي». وبحسب الكاتب، الذي يُعدّ أحد أهم كتبة الصحيفة وأقربهم من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، فإن «هاتين الشخصيتين أدركتا أين القوة» في المنطقة، بل يشيران إلى أن «المسألة تتعلق بمسار (إقليمي) مقلق جداً، يرمز إلى انهيار الدول المعتدلة في المنطقة، وتعاظم محور الشر». وبحسب فيشمان، فإن «كل هذا يحدث بفضل سوء التدبير الأميركي». لقد ضرب (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش، محور الشر في المكان غير الصحيح، ما أنشأ وهماً بأمل جديد في المنطقة، انطلاقاً من لبنان.
في إطار المشهد اللبناني، بعيون إسرائيلية، تنظر تل أبيب إلى زيارة النائب جنبلاط لدمشق، وأيضاً إلى زيارة الرئيس الحريري قبلها، باعتبارها إشارة أخرى كاشفة بدورها عن تداعي الآمال المعقودة، في المراحل السابقة، على إمكان المراهنة على حراك داخلي لبناني ضد المقاومة... ضمن هذا المعنى، تكشف الزيارة، من ناحية تل أبيب، انفراط عقد القوى الأساسية في لبنان، التي راهنت عليها طويلاً، في استنزاف حزب الله أو إلهائه عنها.
في الوقت ذاته، لا تشير الزيارة، كإشارة كاشفة، إلى نجاح ملحوظ للسياسة السورية في لبنان وحسب، بل تتجاوز ذلك لتثبت من جديد وجود مسار تراجعي وصل إلى نقطة حرجة جداً نحو انهيار السياسة الأميركية في المنطقة، وبالتالي انهيار المراهنة عليها لإيجاد تغيير مطلوب لمصلحة إسرائيل، بأيدٍ غير إسرائيلية، في مقابل محور المقاومة، التي تمثّل سوريا ولبنان، جزءاً مركزياً فيه.
هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن لا تنظر إسرائيل بعيون الرضى إلى أصوات لبنانية ما زالت تطلق سهامها على المقاومة وعلى سلاحها، وتواصل الحديث عن الحرب المقبلة وويلاتها على لبنان، وأيضاً ربط هذه الحرب بوجود سلاح حزب الله. فتل أبيب تدرك جيداً أن دور هذه الأصوات لا يعدو أن يكون إعلامياً وكلامياً، لكن تمكّن هذه الأصوات من إبقاء السجال قائماً في الساحة اللبنانية، حول سلاح المقاومة ودوره وإظهار نوع من الانقسام الداخلي حياله، الأمر الذي يمكّن تل أبيب من استخدام هذا السجال لمصلحتها، في حال وصول المنطقة ولبنان ضمنها، إلى استحقاقات متطرفة، في المرحلة المقبلة.
على مستوى المواجهة الصامتة بين المقاومة وإسرائيل، وفي ظل المعادلة الردعية الجديدة التي باتت تحكم أفعال تل أبيب الاعتدائية، بمعنى الكبح عن شن اعتداءات على لبنان، وفي ظل «المشهد الدمشقي» الأخير، والربط ما بين ساحات المقاومة في مواجهة الدولة العبرية، باتت إسرائيل لجهة الحرب على لبنان، تحديداً، وعلى المنطقة عموماً، محكومة أكثر من ذي قبل بحسابات الربح والخسارة، وما يزيد من إرباكها أنه لا جهة فاعلة يمكن التعويل عليها في الساحة اللبنانية، بإمكانها ملاقاة الجيش الإسرائيلي إذا قرر شن عدوان على لبنان. في إطار ذلك، من الطبيعي أن تتجه أنظار إسرائيل إلى ما يمكن أن تراهن عليه كطرق بديلة للحرب المكلفة، وغير مضمونة النتائج، ما يعني انتظاراً لما ستؤول إليه التوجهات الأميركية في المنطقة، وتحديداً ضد الجمهورية الإسلامية في إيران. في غضون ذلك، تأمل تل أبيب، بل وتحرّض، على مواجهة عسكرية أميركية مع الإيرانيين، تكون كفيلة بتصديع «محور الشر»، بما يشمل لبنان وسوريا، والفصل بين المقاومة ومنابع القدرة العسكرية لديها، مع إدراك تل أبيب أن كل يوم يمضي دون حل، تترسخ أكثر قدرات أعدائها، وهذا ما تخشاه في هذه المرحلة تحديداً.