ارشيف من :ترجمات ودراسات
نافذة على "اللاسياسة" الأوروبية في الشرق الاوسط
لؤي توفيق حسن (*)
خلال زيارتها الى دمشق سمعت "كاترين اشتون" ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي من الرئيس الأسد مطالبته هذا الاتحاد بأن "يحدد ماهية الدور" الذي يريده في المنطقة. وتكرر الأمر وان بطريقة مختلفة مع الرئيس الإيطالي خلال زيارته الأخيرة للعاصمة السورية.
لعل ما سبق يعكس المرارة من خواء السياسة الاوربية في الشرق الاوسط حتى وصفها احد المراقبين الأوروبيين في بروكسل بـ"اللاسياسة"!.
إن ما يسمونه في المفوضية الأوروبية "السياسة الاوروبية للجوار" تنصب بوضوح باتجاه تطويق الهجرة المتزايدة من دول المغرب العربي بشكل أساس!! هذا بالنظر لمركزية الامر في العقل الاوروبي كونه مرتبطاً بالهم الامني.
ولهذه الغاية صرفت دول الاتحاد مليار يورو خلال فترة قصيرة "لتعزيز النقاط الحدودية" برغم إدراكهم "الحاجة الماسة لخلق 6 ملايين وظيفة لضبط ايقاع البطالة في دول المغرب العربي" بحسب برنار بروني المسؤول عن قسم المغرب العربي في المفوضية الأوروبية.
أما في ما يتصل بما يسمى "قضية الشرق الأوسط" فيبدو الدور الأوروبي في الجوهر مستلحقاً بالسياسة الأمريكية، خلافاً لما حاول أن يؤسس له ديغول من تمايز ومن بعده خلفه بومبيدو.
قبل سنوات وبعد انهيار "الامبراطورية السوفياتية " وتفرد القطبية الأمريكية ظهرت في أوروبا وتحديداً فرنسا – (رائدة الاتحاد الأوروبي) – وجهة نظر تميل إلى عدم الانجرار وراء المغامرات الأمريكية في (قيادة العالم). لكن يبدو ان الوجهة الأخرى هي التي تغلبت متقفية السياسة التقليدية لبريطانيا، ومؤداها بان مجاراة واشنطن ستتيح تكيف اللعبة بما يؤدي للحصول على (حصص). أو جوائز ترضيه بأسوأ الأحوال!!.
وبناء على ذلك قفزت فرنسا فوق كل ما كان يجمعها بالعراق ووقفت إلى جانب الولايات المتحدة خلال أزمة الكويت 1990 مـا حـدا بوزير دفاعها آنذاك ـ (الاشتراكي) ـ جون بير شوفنمان إلى الاستقالة احتجاجاً. وقد فعلت فرنسا ما فعلته على أمل أن تكون جائزتها عودة نفوذها إلى لبنان. والبقية معروفة!!.
لكن المفارقة الأكبر ان التنظير "لشراكة" مع أمريكا جاءت فيما بعد من ديغولي، وهو دومنيك دوفيليان مهندس السياسة الفرنسية في عهد الرئيس شيراك. وقد شرحها في كتابه "الحوت والنورس" متحدثاً عن امتلاك الولايات المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط الإمكانية "لاستكشاف تكاملهما".. جاء ذلك اعقاب الاجتياح الأمريكي للعراق!!. وهذه الرؤية ما زالت هي السائدة حتى الآن بالرغم من خيبات السياسة الأمريكية.
غير أن فرنسا – وأوروبا – لم تنالا أية جائزة. وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى ما حدث في لبنان سنجد بأن الجهود الفرنسية كانت (طعماً) لصيد أمريكي. كما في القرار 1559 الذي ظل صناعة فرنسية حتى صدوره. ليتحول بعدها إلى ورقة أمريكية. وكذلك الحال بالنسبة للمحكمة الدولية!!!.
والخلاصة ان أوروبا المشدودة إلى العلاقات الأطلسية والغارقة في هموم بناء اتحادها ما زالت أضعف من ان تغلب نظرتها في مواجهة "الأخ الاكبر" على الضفة الأخرى من الأطلسي.
لكن الواقع العربي الرسمي أيضاً أشد ضعفاً بكثير من أن يستدرج ويحمي حضوراً أوروبياً فاعلاً، أو يتلقف هذا الحراك الشعبي المناهض للكيان الغاصب والذي نشهده في أكثر من مكان أوروبي.
هذا الواقع ما زال منجذباً إلى السياسة الأمريكية، وهو عندما يشيد بالدور الأوروبي "الأكثر توازناً"، فإنما يعبر في الغالب الأعم عن شكواه من الولايات المتحدة كي تكون أقل انحيازاً لاسرائيل حتى لا نقول أقل إحراجاً لهذا الرسمي العربي!!!.
نعود إلى كتاب دوفلبان حيث يقول فيه: "ان هزيمة القومية العربية هي الجرح الأكثر عمقاً وديمومةً في الشرق الأوسط". وهذا صحيح وهو جرح غير قابل للاندمال. أما ما يسميه البعض "الأصولية الإسلامية" أو "الاسلام السياسي" فهو في الحقيقة الوجه الآخر الذي يعبر فيه العرب عن تطلعاتهم القومية والانسانية وانما بلغة محافظة. لا سيما متى علمنا بأن الحاضنة التاريخية للقومية العربية كانت الاسلام. خلافاً لحال القوميات الأوروبية التي نشأت كنتيجة للصراع مع الكنيسة.
هذه الحقيقة ما زالت تشكل فجوة معرفية من العقل الأوروبي. تضعه في مواجهة حمقاء مع الإسلام. هذا لأنه يدفع عن أمريكا واسرائيل فواتيرهما الأجدر بهما. غير أن ما سبق لا يعفي القوى الإسلامية من عدم السعي في استدعاء الحضور الأوروبي وليس الصدام معه. لا سيما اننا إذا تتبعنا خيوط بعض أشكال الاستفزاز للمشاعر الإسلامية فسنجد بأنها تنتهي عند جهات أميركو ـ صهيونية المعنية باستدراج الجميع – (العرب والأوروبيين) – إلى حالات من (العصاب) المتبادل في حلقة متصلة من الفعل ورد الفعل.
(*) كاتب من لبنان
خلال زيارتها الى دمشق سمعت "كاترين اشتون" ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي من الرئيس الأسد مطالبته هذا الاتحاد بأن "يحدد ماهية الدور" الذي يريده في المنطقة. وتكرر الأمر وان بطريقة مختلفة مع الرئيس الإيطالي خلال زيارته الأخيرة للعاصمة السورية.
لعل ما سبق يعكس المرارة من خواء السياسة الاوربية في الشرق الاوسط حتى وصفها احد المراقبين الأوروبيين في بروكسل بـ"اللاسياسة"!.
إن ما يسمونه في المفوضية الأوروبية "السياسة الاوروبية للجوار" تنصب بوضوح باتجاه تطويق الهجرة المتزايدة من دول المغرب العربي بشكل أساس!! هذا بالنظر لمركزية الامر في العقل الاوروبي كونه مرتبطاً بالهم الامني.
ولهذه الغاية صرفت دول الاتحاد مليار يورو خلال فترة قصيرة "لتعزيز النقاط الحدودية" برغم إدراكهم "الحاجة الماسة لخلق 6 ملايين وظيفة لضبط ايقاع البطالة في دول المغرب العربي" بحسب برنار بروني المسؤول عن قسم المغرب العربي في المفوضية الأوروبية.
أما في ما يتصل بما يسمى "قضية الشرق الأوسط" فيبدو الدور الأوروبي في الجوهر مستلحقاً بالسياسة الأمريكية، خلافاً لما حاول أن يؤسس له ديغول من تمايز ومن بعده خلفه بومبيدو.
قبل سنوات وبعد انهيار "الامبراطورية السوفياتية " وتفرد القطبية الأمريكية ظهرت في أوروبا وتحديداً فرنسا – (رائدة الاتحاد الأوروبي) – وجهة نظر تميل إلى عدم الانجرار وراء المغامرات الأمريكية في (قيادة العالم). لكن يبدو ان الوجهة الأخرى هي التي تغلبت متقفية السياسة التقليدية لبريطانيا، ومؤداها بان مجاراة واشنطن ستتيح تكيف اللعبة بما يؤدي للحصول على (حصص). أو جوائز ترضيه بأسوأ الأحوال!!.
وبناء على ذلك قفزت فرنسا فوق كل ما كان يجمعها بالعراق ووقفت إلى جانب الولايات المتحدة خلال أزمة الكويت 1990 مـا حـدا بوزير دفاعها آنذاك ـ (الاشتراكي) ـ جون بير شوفنمان إلى الاستقالة احتجاجاً. وقد فعلت فرنسا ما فعلته على أمل أن تكون جائزتها عودة نفوذها إلى لبنان. والبقية معروفة!!.
لكن المفارقة الأكبر ان التنظير "لشراكة" مع أمريكا جاءت فيما بعد من ديغولي، وهو دومنيك دوفيليان مهندس السياسة الفرنسية في عهد الرئيس شيراك. وقد شرحها في كتابه "الحوت والنورس" متحدثاً عن امتلاك الولايات المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط الإمكانية "لاستكشاف تكاملهما".. جاء ذلك اعقاب الاجتياح الأمريكي للعراق!!. وهذه الرؤية ما زالت هي السائدة حتى الآن بالرغم من خيبات السياسة الأمريكية.
غير أن فرنسا – وأوروبا – لم تنالا أية جائزة. وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى ما حدث في لبنان سنجد بأن الجهود الفرنسية كانت (طعماً) لصيد أمريكي. كما في القرار 1559 الذي ظل صناعة فرنسية حتى صدوره. ليتحول بعدها إلى ورقة أمريكية. وكذلك الحال بالنسبة للمحكمة الدولية!!!.
والخلاصة ان أوروبا المشدودة إلى العلاقات الأطلسية والغارقة في هموم بناء اتحادها ما زالت أضعف من ان تغلب نظرتها في مواجهة "الأخ الاكبر" على الضفة الأخرى من الأطلسي.
لكن الواقع العربي الرسمي أيضاً أشد ضعفاً بكثير من أن يستدرج ويحمي حضوراً أوروبياً فاعلاً، أو يتلقف هذا الحراك الشعبي المناهض للكيان الغاصب والذي نشهده في أكثر من مكان أوروبي.
هذا الواقع ما زال منجذباً إلى السياسة الأمريكية، وهو عندما يشيد بالدور الأوروبي "الأكثر توازناً"، فإنما يعبر في الغالب الأعم عن شكواه من الولايات المتحدة كي تكون أقل انحيازاً لاسرائيل حتى لا نقول أقل إحراجاً لهذا الرسمي العربي!!!.
نعود إلى كتاب دوفلبان حيث يقول فيه: "ان هزيمة القومية العربية هي الجرح الأكثر عمقاً وديمومةً في الشرق الأوسط". وهذا صحيح وهو جرح غير قابل للاندمال. أما ما يسميه البعض "الأصولية الإسلامية" أو "الاسلام السياسي" فهو في الحقيقة الوجه الآخر الذي يعبر فيه العرب عن تطلعاتهم القومية والانسانية وانما بلغة محافظة. لا سيما متى علمنا بأن الحاضنة التاريخية للقومية العربية كانت الاسلام. خلافاً لحال القوميات الأوروبية التي نشأت كنتيجة للصراع مع الكنيسة.
هذه الحقيقة ما زالت تشكل فجوة معرفية من العقل الأوروبي. تضعه في مواجهة حمقاء مع الإسلام. هذا لأنه يدفع عن أمريكا واسرائيل فواتيرهما الأجدر بهما. غير أن ما سبق لا يعفي القوى الإسلامية من عدم السعي في استدعاء الحضور الأوروبي وليس الصدام معه. لا سيما اننا إذا تتبعنا خيوط بعض أشكال الاستفزاز للمشاعر الإسلامية فسنجد بأنها تنتهي عند جهات أميركو ـ صهيونية المعنية باستدراج الجميع – (العرب والأوروبيين) – إلى حالات من (العصاب) المتبادل في حلقة متصلة من الفعل ورد الفعل.
(*) كاتب من لبنان