ارشيف من :ترجمات ودراسات

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2009 والمسارات المتوقعة لسنة 2010ـ الملخص التنفيذي (*)

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2009 والمسارات المتوقعة لسنة 2010ـ الملخص التنفيذي (*)

يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني سنوياً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي تركيزاً خاصاً على الشأن الفلسطيني. وللمركز هيئة استشارية من كبار الباحثين والخبراء.
ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح (الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز)، القضية الفلسطينية خلال سنة 2009 بالرصد والاستقراء والتحليل، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق علمياً ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية.
وقد شارك في كتابة التقرير مجموعة من المتخصصين، هم: د. جاد إسحاق، ود. جوني منصور، وأ.د. حسن أبو طالب، وزياد الحسن، وسهيل خليلية، وعبد الحميد الكيالي، وعبد الله نجار، ود. طلال عتريسي، ود. محسن صالح، ود. محمد نورالدين، وأ.د. معين رجب، وهاني المصري، ووائل سعد، وأ.د. وليد عبد الحي.
أولاً: الوضع الفلسطيني الداخلي:
1. ما زال الوضع الداخلي الفلسطيني يشهد حالة من التشرذم والانقسام تؤثر سلباً على مجمل المشروع الوطني، وعلى النضال الفلسطيني محلياً وعربياً ودولياً. وما زال الوضع الداخلي يعاني من "شقاء الأشقاء" ومن "الشرعيات المنقوصة"، ومن حالات التضاد في العمل الفلسطيني التي تؤدي إلى "حصيلة صفرية".
2. الاختلاف بين فتح وحماس وبين حكومتي رام الله وغزة، لا يمكن تبسيطه في أنه مجرد صراع على السلطة؛ ولكنه في جوهره انعكاس لخلاف سياسي عميق واختلاف بين رؤيتين لم تتمكنا حتى الآن من التوافق على قضايا مرتبطة بالاعتبارات الأيديولوجية، وبأولويات العمل الوطني، وبطريقة إدارة الصراع مع الاحتلال، وبمساري المقاومة والتسوية، وبعمليات التكيف مع الشرعيات العربية والدولية. كما أن مشكلة الانقسام ما تزال متأثرة بعملية التدخل الخارجي في صناعة القرار السياسي الفلسطيني، وهو ما يعقّد عملية التوافق الداخلي.
3. لقد كان صمود المقاومة وبسالتها في معركة غزة (27/12/2008-18/1/2009) وتمكّنها من إفشال الهجوم الإسرائيلي، رافعة شعبية وسياسية وإعلامية لحماس وحكومتها وتيار المقاومة، وأوجد حالة من الإحباط لدى أعداء حماس وخصومها من إمكانية إسقاطها بالقوة، كما شكل دافعاً للمضي في الحوار الوطني. وكان أداء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة السلطة في رام الله باهتاً ضئيلاً، لا يتناسب مع الحرب وحجمها وانعكاساتها. غير أن وهج "الصمود والانتصار" سرعان ما جرى امتصاصه في بيئة فلسطينية وعربية ودولية عاجزة عن استثماره؛ بينما عاد الحصار، ومعه الدمار الذي أحدثته الحرب، فتُرك جرح أهل غزة "ينزف ويتعفن"، أما المال المرصود لإعادة إعمار غزة، وهو يزيد عن خمسة مليارات دولار، والذي تعهد به المانحون، فقد منع دخوله، واستخدم كأداة للضغط والابتزاز السياسي على حكومة حماس المقالة.
4. تبعت الحرب على غزة أجواء المصالحة، وانخفضت وتيرة الحملات الإعلامية المتبادلة والاعتقالات، ورعت مصر الحوار الوطني، وخصوصاً بين فتح وحماس، وقطع أشواطاً كبيرة في مساراته الخمسة المرتبطة بالانتخابات، والأمن، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والحكومة الانتقالية، والمصالحة الوطنية؛ وتحدد موعد 28/6/2010 لإجراء الانتخابات. غير أن النسخة المصرية النهائية لوثيقة المصالحة لقيت بعض الاعتراضات من حماس، لأنها، في رأيها، غيّرت أو عدَّلت بعض النقاط المهمة، مؤكدة هيمنة الرئيس عباس على القرار الإداري والأمني، بينما أضعفت دور حماس وحكومة هنية. وتمّ تعليق عملية المصالحة وسط رفض الحكومة المصرية وفتح (التي وقعت على الوثيقة) إعادة النظر في الورقة مرة أخرى؛ في الوقت الذي تُصرُّ فيه حماس على مطابقة ما تمّ من اتفاقيات، في أثناء المناقشات، مع النص النهائي للورقة.
5. هناك ثلاثة عوامل شكلت روافع للإمساك بزمام الأمور لدى قيادة السلطة والحكومة في رام الله هي: الاستقرار الأمني، والتحسن النسبي الاقتصادي في الضفة الغربية، والدعم العربي والأمريكي فضلاً عن الرضا الإسرائيلي. بينما شكلت خمسة عوامل مقابلة عناصر سلبية في أدائها وهي: الأداء الهزيل في أثناء الحرب على قطاع غزة، وفضيحة تقرير جولدستون، والتنسيق الأمني مع الإسرائيليين ومطاردة عناصر المقاومة واعتقالها، وانسداد مسار التسوية، ومتابعة الإسرائيليين عمليات التهويد والاستيطان.
6. ومن جهة أخرى فهناك ثلاثة عوامل شكلت عناصر دفع للسلطة في قطاع غزة هي: الصمود والانتصار في معركة كسر الإرادة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والقدرة على الصمود في وجه الحصار، وتحقيق استقرار أمني نسبي. بينما شكلت ثلاثة عوامل مقابلة عناصر سلبية هي: التوقف عملياً عن عمليات المقاومة وإطلاق الصواريخ، وعدم القدرة على فكّ الحصار وإعادة الإعمار واستمرار معاناة أهل القطاع، والسير عكس التيار العربي والدولي وعدم القدرة على إنجاز اختراق سياسي حقيقي.
7. ما تزال إشكالية الشرعيات الناقصة والمفقودة تلقي بظلالها على الحالة الفلسطينية، فالمجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية انتهت ولاياتها الرسمية منذ سنوات عديدة، وهي لم تعد تعكس بحق القوى الفاعلة في الشارع الفلسطيني. كما انتهت الفترة الرسمية لولاية الرئيس عباس والمجلس التشريعي، وحكومة الطوارئ في رام الله لم تعد حكومة طوارئ، كما لم تعد حكومة تسيير الأعمال في غزة مجرد حكومة تسيير أعمال. وإذا كان النص الدستوري يعطي الحق للمجلس التشريعي بالاستمرار في أعماله إلى حين تشكيل مجلس جديد، فقد كان من الللافت للنظر أن يقوم المجلس المركزي ذي الشرعية المنقوصة بتجديد أعمال المجلس التشريعي ذي الشرعية المعطلة حالياً بسبب إجراءات السلطة في رام الله!! بينما يستطيع أعضاء المجلس التشريعي ذي الأغلبية الحمساوية أن يسقطوا حكومة عباس وفياض في أول اجتماع لهم. إن مثل هذه التشابكات تُظهر بشكل واضح (ولو من الناحية الإجرائية) أن عملية الإصلاح تحتاج إلى إعادة ترتيب شاملة للبيت الفلسطيني، ولا يمكن أن تقف أو تنتهي عند الانتخابات أو تشكيل حكومة مؤقتة.
8. تمكنت حركة فتح من عقد مؤتمرها السادس بعد انتظار دام عشرين عاماً، واستطاعت ترتيب أوراقها الداخلية، بعد مخاض عسير، خرج منه الرئيس عباس ومؤيدوه منتصرين، بينما استبعدت العديد من القيادات التاريخية وعلى رأسها فاروق قدومي، وبرز تيار الداخل على حساب الخارج، كما حصل التيار الأمني والتيار المؤيد لمسار التسوية على مكاسب معتبرة. وما زال أمام فتح الكثير لتقوم به على أربعة صُعد هي: بناء حركة فتح التنظيمي، ومحاربة الفساد الداخلي، وتحديد المسارات الاستراتيجية، وتجديد رموزها.
9. تسبب أداء السلطة في رام الله تجاه تقرير جولدستون بحرج بالغ لها، إذ إن طلبها سحب التقرير وتأجيل التصويت عليه، نتيجة ضغوط إسرائيلية وأمريكية، وضعها موضع الاتهام والاستياء البالغ من القطاعات الأوسع فلسطينياً وعربياً وإسلامياً. والتقرير الذي رفع إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يدين "إسرائيل"، ويوفر للمرة الأولى خريطة الطريق، وفرصة لمحاكمة قادة "إسرائيل" كمجرمي حرب. واضطرت السلطة بعد حالة من الارتباك والتهم المتبادلة لإعادة التقرير للتصويت عليه، وهو ما يظهر أهمية الوعي الشعبي وفعالية الحملات الإعلامية في متابعة الهموم الوطنية.
10. كما لم تحمل سنة 2009 جديداً على مستوى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، فإن الغموض يحيط بمسارات سنة 2010 تجاه إمكانية نجاح المصالحة الوطنية وعمل انتخابات حرة نزيهة وإعادة ترتيب منظمة التحرير ومؤسساتها. وما دامت الخيارات غير محسومة تجاه مساري التسوية والمقاومة، وما دام العنصر الخارجي مؤثراً في صناعة القرار الفلسطيني، فإن الشكوك ستبقى محيطة بإمكانية إنجاز مصالحة حقيقية تدفع المشروع الوطني الفلسطيني إلى الأمام.
ثانياً: المشهد الإسرائيلي الفلسطيني:
1. شهد الوضع الداخلي في سنة 2009 انتخابات الكنيست الإسرائيلي لدورته الثامنة عشرة في ظلّ العدوان على قطاع غزة، وأفرزت هذه الانتخابات بروزاً قوياً للأحزاب اليمينية، خصوصاً الليكود وإسرائيل بيتنا، وفي المقابل أظهرت ضعف الأحزاب اليسارية وتراجعها، وخاصةً حزب العمل. وتمكن نتنياهو من تشكيل أحد أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ "إسرائيل"، وبأغلبية مريحة في الكنيست. وألقى عدم تكليف تسيبي ليفني زعيمة كديما بتشكيل حكومة جديدة بظلاله على مؤسسات الحزب وهيئاته، وعانى الحزب خلال سنة 2009 من شروخ قوية ظهرت في صفوفه. كما شهد حزب العمل مشاكل مماثلة.
2. تُظهِر المؤشرات السكانية أن عدد سكان "إسرائيل" في نهاية سنة 2009 حسب دائرة الإحصاء المركزية حوالي 7.5 مليون نسمة، بينهم 5.664 مليون يهودي، أي ما نسبته 75.4% من السكان، و1.526 مليون عربي، أي ما نسبته20.3 % من السكان. وإذا ما حذفنا عدد سكان شرقي القدس والجولان الذين يُقدر عددهم بنحو 270 ألفاًً، فإن عدد ما يعرف بفلسطينيي 1948 يصبح حوالي 1.256 مليون، أي نحو 17.5% من السكان. وقُدّر عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، بنحو 520 ألفاً. وبلغ معدل النمو السكاني في "إسرائيل" 1.8%، وهو المعدل نفسه منذ سنة 2003.
وخلال سنة 2009 قدم إلى "إسرائيل" 14,564 مهاجراً، مقارنةً بـ 13,699 هاجروا سنة 2008. وبالرغم من النمو الطفيف في المعدل فإن أرقام هذه السنة تتوافق مع المنحنى المتراجع للهجرة اليهودية منذ سنة 2000، بعد استنفاد الخزانات البشرية اليهودية المستعدة للهجرة الواسعة. وتجدر الإشارة إلى أن تراجع الهجرة إلى "إسرائيل" ترافق مع استمرار الهجرة المضادة منها، وبمتوسط يبلغ حوالي 10 آلاف نسمة سنوياً، كما ترافق مع توقف نمو عدد يهود العالم، باستثناء "إسرائيل"، نتيجة تدني النمو الطبيعي، وترك الدين اليهودي، وانتشار الزواج المختلط.
3. على المستوى الاقتصادي؛ أشارت النتائج الأولية أن الاقتصاد الإسرائيلي نما بنسبة 0.5% فقط، وبالتالي حافظ الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2009 تقريباً على مستواه، وبلغ نحو 200 مليار دولار، مقارنةً بـ 199.5 مليار دولار في سنة 2008. كما حافظ معدل دخل الفرد الإسرائيلي تقريباً على مستواه في حدود 27,000 دولار سنة 2009، بعد أن كان 27,300 دولار سنة 2008. مع التنبيه إلى أن احتساب المبالغ بالدولار قد لا يعطي صورة دقيقة عن الوضع الاقتصادي لاختلاف قيمة الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي بين سنة وأخرى، حيث تراجعت قيمة الشيكل وفق الحسابات الجارية بنحو 9% في سنة 2009 عن السنة السابقة.
وقد شهدت سنة 2009 تراجعاً في حجم الصادرات بقيمة 27%، وتراجعاً في الواردات بقيمة 22%. وظلت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لـ"إسرائيل"، حيث بلغت الصادرات الإسرائيلية إليها حوالي 17 مليار دولار (35% من مجمل الصادرات)، تليها بلجيكا ثم ألمانيا.
وفي ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية، بدأ الاقتصاد الإسرائيلي في سنة 2009 باستعادة نوع من الثقة ابتداءً من الربع الثاني من السنة. ومع ذلك، فإن الصادرات والواردات والاستثمارات الثابتة ما تزال بعيدة عن معدلاتها قبل الأزمة. وقاربت نسبة البطالة 8%، واستمر مخزون النقد في البنوك في التراجع طوال العام. أما في سنة 2010 فمن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي بنسبة 2%.
4. عاشت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في سنة 2009 خمسة هواجس، شملت: الوضع الفلسطيني، وإيران ومشروعها النووي، والأبعاد الأمنية لسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، وتسلح ما تسميها "إسرائيل" بـ"الجهات الراديكالية" في المنطقة، في إشارة إلى حماس وحزب الله، وأخيراً استقرار الأوضاع في الساحات العربية المجاورة لـ"إسرائيل". وواصلت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية خلال سنة 2009 تنفيذها خطة تيفين 2012 (Tefen 2012)، التي أُقرت مطلع سنة 2007 في سياق استخلاص دروس الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006. وتتضمن الخطة اتجاهات مركزية في ميادين تعاظم قوة أذرع الجيش، وتشكيلات القوات، وتحسين القدرات في مناحي التدريبات، واحتياطيات الذخيرة، وشراء الأسلحة، والوسائل القتالية، والتسلح. وبلغت الموازنة العسكرية الإسرائيلية المعلنة لسنة 2009 نحو 12.4 مليار دولار، والتي سترتفع في سنة 2010 إلى 13.5 مليار دولار، مع العلم أن هناك بنوداً سرية لا تدرج عادة في الموازنة العسكرية، من بينها إيرادات مبيعات سلاح لا تقل عن ملياري دولار.

                         

النفقات العسكرية الإسرائيلية مقارنة مع بعض الدول العربية المجاورة  )تقديرات 2008)
  إسرائيل مصر سورية الأردن لبنان
النفقات العسكرية من الناتج المحلي% 7.2 2.29 3.38 6.24 4.54
الناتج المحلي (بالمليار$) 199.5 162.82 55.2 20.01 28.66
عدد السكان (بالمليون) 7.37 81.53 21.23 5.91 4.14
النفقات العسكرية لكل فرد من السكان($) 1,941 46 88 211 314


5. تابعت "إسرائيل" في سنة 2009 عدوانها على الشعب الفلسطيني؛ إذ شهد الشهر الأول من السنة حرباً إسرائيلية شاملة على القطاع حصدت أرواح المئات من الشهداء والجرحى؛ فضلاً عن دمار كبير لحق بآلاف المنازل والبنية التحتية. واستمرت "إسرائيل" في سنة 2009 بإغلاقها لمعابر قطاع غزة وتشديدها للحصار، ومنعها للإعمار. وفي الضفة الغربية حظيت "إسرائيل" بتزايد التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن في السلطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، كما استمرت في إجراءاتها من خلال التوغلات والاعتقالات.
وحسب المعطيات الإسرائيلية، فقد سجلت عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزة باتجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المحيطة تراجعاً كبيراً خلال سنة 2009؛ إذ أُطلق خلال العام 566 صاروخاً وقذيفة، منها 406 أطلقت خلال الحرب على غزة في شهر كانون الثاني/ يناير 2009، وذلك مقابل 2,048 صاروخاً وقذيفة أطلقت في سنة 2008. أما في الضفة الغربية والقدس فسجل جهاز الأمن الداخلي 636 عملية في سنة 2009 مقابل 893 عملية سُجلت في سنة 2008. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 90% من العمليات التي سجلت خلال سنة 2009 في الضفة والقدس كانت رشق زجاجات حارقة.
واستشهد في سنة 2009 ما مجموعه 1,181 فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال ونيرانه، من بينهم 1,148 في قطاع غزة، و33 في الضفة الغربية بما في ذلك القدس. وكان ضمن الشهداء 473 دون سن الثامنة عشرة، و126 امرأة. كما جرح نحو 4,203 فلسطينيين، من بينهم 3,521 جريحاً في قطاع غزة و682 في الضفة الغربية. وفي المقابل سجل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي مقتل 15 إسرائيلياً في سنة 2009 نتيجة عمليات نفذها فلسطينيون، كما جرح نحو 234 إسرائيلياً، منهم 185 خلال العدوان على غزة.
6. وتعدّ سنة 2009، على غرار السنة التي سبقتها، من السنوات الأسوأ بالنسبة للأسرى، حيث وصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال في نهاية سنة 2009 ما مجموعه 7,500 أسير، بينهم 34 أسيرة و310 أطفال، و17 نائباً، ووزيرين سابقين، بالإضافة إلى عدد من القيادات السياسية. وبلغ عدد الأسرى من الضفة الغربية 6,330، و750 من قطاع غزة، و300 من القدس ونحو 120 من فلسطين المحتلة سنة 1948، فضلاً عن عشرات المعتقلين العرب من جنسيات مختلفة.
7. سعت "إسرائيل" إلى تكريس الانقسام الفلسطيني في السياسة والجغرافيا. وحاولت تطبيق استراتيجية قائمة على أساس إبقاء مسار التسوية مستمراً دونما نتائج حقيقية، في الوقت الذي تقوم فيه بتهويد الأرض والإنسان، وخصوصاً في منطقة القدس. وفي المقابل عملت على تقويض، أو على الأقل إضعاف، سيطرة حماس على قطاع غزة من خلال العمل العسكري والحصار الاقتصادي.
وقد اتسم مسار التسوية في سنة 2009 باستمرار حالة الجمود والانسداد، وفشل الإدارة الأمريكية في الضغط على "إسرائيل" لوقف عملية الاستيطان، كما ميز هذا المسار تراجع الدور العربي لدرجة عدم طرح مبادرة السلام العربية وعدم سحبها، والتصرف وكأنها غير موجودة. ويظهر أن موقف السلطة الفلسطينية في رام الله أخذ بالتراخي في موقفه من عدم استئناف المفاوضات دون وقف الاستيطان ودون مرجعية نهائية للتسوية؛ وإذا ما عاد الإسرائيليون للمفاوضات دون هذين الشرطين، فإن لعبة التعطيل والتسويف وفرض الحقائق على الأرض، ستبقى هي اللعبة الإسرائيلية المفضلة خلال سنة 2010، والتي مارستها طوال الـ 17 عاماً التي مضت.
ثالثاً: القضية الفلسطينية والعالم العربي:
1. كانت سنة 2009 مظهراً لاستمرار حالة العجز العربي الرسمي تجاه قضية فلسطين. وما تزال علل النظام العربي تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على القضية الفلسطينية؛ ولا شك أن قدرة العالم العربي على تقديم الدعم قد تأثرت بحالة الانقسام الفلسطيني، إلا أن ذلك لا يجوز أن يكون سبباً يستند إليه، لأن العجز والضعف العربي سابق لهذا الانقسام.
وقد كشف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (27/12/2008-18/1/2009) مدى قصور النظام العربي وانقسامه، وعجزه عن الدفاع عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. بل إن بعض الأنظمة قدّمت اعتبارات النفوذ الأمريكي، والتزاماتها تجاه "إسرائيل"، وخصوماتها مع حماس أو مع الإسلاميين على اعتبارات الأمن القومي العربي، ومسؤولياتها تجاه فلسطين. ولم ينجح النظام العربي في فكّ الحصار عن الشعب الفلسطيني، كما لم ينجح في تنفيذ تعهداته بإعادة إعمار قطاع غزة، وظلت معاناة أهل القطاع شاهداً سافراً على عجز هذا النظام.
غير أن صمود المقاومة في القطاع وأداءها المتميز، على الرغم من قلة إمكاناتها، قد ألهب حماسة الجماهير العربية التي تفاعلت بشكل واسع من خلال جمع التبرعات والمظاهرات وغيرها. وكان مؤتمر القمة العربية الطارئة في الدوحة في 15/1/2009 انعكاساً لهذا التفاعل على الرغم من مقاطعة بعض الدول العربية له. كما كانت استضافة خالد مشعل ليتحدث باسم المقاومة وفلسطين اختراقاً سياسياً كبيراً لحماس، كان لقطر دور مهم فيه، خصوصاً بعد امتناع الرئيس عباس عن الحضور. غير أن هذا الاختراق لحماس كان مؤقتاً ومحدوداً، إذ سرعان ما تمّ امتصاص الألق الذي حققته حماس، وعاد النظام العربي للتعامل مع الرئيس عباس وحكومة رام الله، وعادت سياسة عزل وتهميش حماس وحكومتها.
2. ظلت مصر اللاعب العربي الرئيسي في الشأن الفلسطيني طوال سنة 2009، واستفادت من كونها الدولة العربية الأكبر، ومن حدودها مع القطاع، ومن علاقاتها بـ"إسرائيل" وأمريكا... في تكريس دورها. وبخلاف السنتين السابقتين (حيث كانت هناك جهود سعودية، وقطرية، ويمنية، وسودانية...)، فإن جهود المصالحة كانت مصرية بشكل أساسي، حيث شهدت القاهرة العديد من جولات الحوار، انتهت بتقديم مصر ورقة للمصالحة وقعت عليها فتح، وتحفظت عليها حماس لوجود نواقص، ترى حماس أنه سبق الاتفاق عليها، وهو ما أثار غضب واستياء الجانب المصري. ومن جهة أخرى، فإن صفقة تبادل الأسرى مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط شهدت تعثّر الدور المصري الذي استمر لنحو ثلاث سنوات، بينما دخل على هذا الملف الوسيط الألماني الذي حقق اختراقات مهمة، وإن لم تتم بلورة الصفقة بشكل نهائي.
كان من الواضح أن أداء الحكومة المصرية يتعامل مع حماس وحكومتها في القطاع كعبء أو "مشكلة"، وكان الاستمرار في إغلاق معبر رفح والتضييق على إدخال التبرعات وشحنات الإغاثة، ثم بناء الجدار الفولاذي للقضاء على الأنفاق التي تزود القطاع بنحو 50% من احتياجاته الإنسانية، مظاهر اعتبرتها حماس على أنها ميلٌ من النظام المصري لفتح وللسلطة في رام الله، ومشاركة عملية في إسقاط حماس وإفشالها. غير أن حماس، على الرغم من إصرارها على المحافظة على استقلاليتها، إلا أنها كانت تدرك أهمية مصر ودورها ومكانتها، ولذلك لم تدخل مع الحكومة المصرية في سجال أو خصام.
3. وفي الأردن أصيبت حالة الانفراج التي شهدتها العلاقة مع حماس في النصف الثاني من سنة 2008، بالجمود خلال سنة 2009 بعد إقالة مدير المخابرات محمد الذهبي. وكان ملف العلاقة بين حماس وجماعة الإخوان في الأردن، الذي شهد نقاشات إخوانية داخلية واسعة، من الملفات التي تابعتها السلطات الأردنية بمزيد من الاهتمام، لانعكاساته المحتملة على الساحة الأردنية، وكان هناك رغبة واضحة في "فكّ الارتباط" لهذه العلاقة. ومن جهة أخرى، اعتذرت الأردن عن استضافة المؤتمر السادس لحركة فتح، وقد كان ذلك أحد العوامل التي دفعت فتح لعقد مؤتمرها في الضفة الغربية.
وفي أواخر سنة 2009 حلّ الملك عبد الله الثاني مجلس النواب الأردني وشكّل حكومة جديدة حتى تُعِدّ لانتخابات جديدة نزيهة. وكان هناك العديد من العوامل الدافعة لذلك، من بينها كما ذكرت بعض التحليلات، الرغبة في استيعاب أكبر وأفضل للإخوان المسلمين الأردنيين من أصول فلسطينية في النظام السياسي الأردني.
4. استمرت سورية في قيادة معسكر الممانعة العربي، وفي استضافة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في الخارج، لكنها حرصت أن تبدو على مسافة واحدة فيما يتعلق بإنهاء الانقسام الفلسطيني، ووحدة الصف الفلسطيني. وطالبت سورية بإعادة النظر في مبادرة السلام العربية إذا ما استمرت "إسرائيل" في عدوانها على القطاع وحصارها للشعب الفلسطيني. وشهدت سنة 2009 انقطاع المسار التفاوضي الإسرائيلي – السوري الذي كان يتم بشكل غير مباشر من خلال الوساطة التركية؛ حيث كان لتشكيل حكومة يمينية متطرفة بقيادة نتنياهو أثره على هذا الانقطاع.
5. وفي لبنان، استمرت معاناة اللاجئين الفلسطينيين، واستمر حرمانهم من العديد من حقوقهم المدنية في العمل والتملك. وظلَّ استخدام "فزاعة" الخوف من التوطين سلاحاً يستخدمه البعض لاستمرار حرمان الفلسطينيين من حقوق إنسانية طبيعية؛ مع أنَّ هناك إجماعاً فلسطينياً ولبنانياً على رفض التوطين. أما ملف إعمار مخيم البارد الذي دُمّر في صيف 2007 نتيجة معارك الجيش اللبناني مع حركة "فتح الإسلام"، فقد شهد تعثراً كبيراً، على الرغم من توفر المخططات والتمويل اللازم، ولم يتمّ استئنافها إلا في 26/10/2009. وظلّت قضية وجود السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها أحد معالم السجال السياسي، بين دعوات بتسليم هذا السلاح خصوصاً خارج المخيمات، وبين ربط تسليم السلاح بقدرة الدولة اللبنانية على حماية المخيمات من العدوان الإسرائيلي، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية.
6. لم تنشغل السعودية في سنة 2009 بوساطات لعلاج الانقسام الفلسطيني، حيث تركت ذلك الدور لمصر، وظلّت السعودية ضمن معسكر الاعتدال، ولم تشارك في مؤتمر الدوحة، غير أنها ظلّت الداعم المالي العربي الأكبر رسمياً وشعبياً لفلسطين. وكان هناك برود في العلاقة مع حماس حتى لحظات متأخرة من سنة 2009، عندما وافقت السعودية على استقبال خالد مشعل والذي زارها في مطلع سنة 2010، وتبع هذا الانفراج زيارات لقادة حماس لعدد من دول الخليج كالإمارات والبحرين وقطر والكويت، حيث تمكنت من شرح وجهة نظرها، بعد أن سادت أجواء سلبية من عدد من دول الخليج من موقف حماس نتيجة الانقسام الفلسطيني، ولعدم توقيعها على ورقة المصالحة المقترحة من مصر.
7. ظلّ التطبيع بين "إسرائيل" والبلاد العربية محصوراً في حدود ضيّقة، مع الدول التي وقّعت اتفاقية السلام وتحديداً مصر والأردن. وظلّت حالة العداء الجماهيرية الواسعة لـ"إسرائيل" في كل البلدان العربية بما فيها مصر والأردن، تحول دون أن يتجاوز التطبيع الأطر الرسمية. وقد أسهمت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وحصارها إياه في زيادة حالة العداء والكراهية ضد "إسرائيل".
وقد حافظت الصادرات الإسرائيلية إلى مصر على حجمها تقريباً خلال سنة 2009 حيث بلغت 134 مليون دولار بعد أن كانت 139 مليوناً سنة 2008، أما الواردات الإسرائيلية من مصر فقد تضاعفت إذ زادت من 132 مليون دولار سنة 2008 إلى 271 مليون دولار سنة 2009. أما الأردن فانخفضت الصادرات الإسرائيلية إليه من 288 مليون دولار سنة 2008 إلى 231 مليون دولار سنة 2009، وانخفضت الواردات الإسرائيلية من الأردن من 106 ملايين دولار سنة 2008 إلى 70 مليوناً سنة 2009.

حجم التجارة الإسرائيلية مع عدد من البلدان العربية والإسلامية 2008-2009 (بالمليون دولار)
البلدان الصادرات الإسرائيلية إلى: الواردات الإسرائيلية من:
  2008 2009 2008 2009
مصر 139 134 2010-03-26