ارشيف من :ترجمات ودراسات

قدرات المقاومة النوعية وحسابات الحرب الاسرائيلية

قدرات المقاومة النوعية وحسابات الحرب الاسرائيلية
حسان ابراهيم
لم يغير ميزان القوى الجديد في المنطقة، بمعنى ما جرى كشفه اخيرا من قدرة دفاعية ردعية لدى المقاومة في لبنان، من مستوى الحافزية الابتدائية لدى العدو، في التوثب للإضرار بالمقاومة في لبنان والمنطقة عموما. تبقى الحافزية الاسرائيلية مرتفعة الى حدود لم تشهدها من ذي قبل. فـ"تل ابيب" معنية بإيقاف تسارع القدرة لدى جهات المقاومة، فضلا عن اجتثاثها كمطلب حيوي واساسي ابتدائي، بما يتعلق بأمن  الكيان واستمراره وجوده، لان وجوده مرتبط بابقاء اليد الاسرائيلية هي العليا في المنطقة.

في نفس الوقت، يحول دون تفعيل القدرة العسكرية الاسرائيلية حيال المقاومة، اي يحول دون تفعيل حافزيتها الى افعال اعتدائية، حسابات خاصة تتعلق بميزان القدرة، اي بحسابات الربح والخسارة من ناحية اساسية، ومدى فاعلية قدرات اسرائيل العسكرية وغير  العسكرية على تحقيق النتائج حيال المقاومة، بكل جهاتها، سواء في الساحة اللبنانية او في الساحة الفلسطينية (قطاع غزة)، وبشكل آكد حيال سوريا وايران.

ورغم كل ما يجري اعلانه بين الحين والاخر، بشكل مقصود وعمدي، لاهداف الحرب النفسية، عن جاهزية الجيش الاسرائيلي لخوض حروب ومواجهات عسكرية في كل الساحات، بعد سلسلة من التدريبات والمناورات التي خاضها في اعقاب حربيه على لبنان وغزة (2006 و 2008)، الا انه من المشكوك فيه، اسرائيليا، إمكان تحقيق النتائج.

احدى استدلالات عدم القدرة الاسرائيلية، مرور ما يقرب من اربعة اعوام على حرب لبنان عام 2006، دون ان يتحرك الاسرائيلي على الساحة اللبنانية عسكريا، وبالرغم من الحافزية المرتفعة لديه للاعتداء على لبنان. في هذا الاطار يتوجب البحث عن الاسباب التي منعت الاسرائيلي من الاعتداء، وليس السؤال إن كان بصدد الاعتداء نفسه، الامر الذي يشير الى حقيقة ميزان القدرة والى مستوى الفاعلية التي يملكها الاسرائيلي، في إيصاله الى اهدافه.
ولجهة الساحة اللبنانية، وفي خلفيتها الساحة السورية ايضا، من المفيد الاشارة الى المعادلة الردعية الجديدة التي ارستها المقاومة اخيرا، والتي جاءت في مرحلة حساسة جدا، كانت تتطلب بالفعل توجيه رسائل ملموسة ورادعة الى الكيان الاسرائيلي، تعيد تذكيره بقدراته وحدود هذه القدرة حيال المقاومة.. في هذا الاطار، كان الكشف غير المباشر من قبل امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، عن وجود قدرات عسكرية نوعية لدى المقاومة، لجهة المدى والدقة، وإمكان استهداف المنشآت الحيوية العسكرية والاقتصادية في الكيان ردا على اي اعتداء اسرائيلي مقابل، كان كشفا موفقا يبدو انه منع عن الاسرائيلي اعتداء على لبنان، كونه كان يعتقد انه يستطيع احتواء الرد المقابل، على اصل الاعتداء.

جاءت المعادلة في اعقاب نجاح اخر كان قد سجل في قائمة نجاحاتها، بان حيدت القدرة الاسرائيلية على خوض مواجهة برية مباشرة معها، اذ كان الاسرائيلي قد وصل الى قناعة في اعقاب تدريباته واستعداده في اعقاب حرب تموز 2006، بانه قادر على خوض معارك برية في لبنان، لكن ما جرى كشفه في الفترة السابقة من قدرات خاصة على المواجهة البرية لدى المقاومة، غير من توجهات اسرائيل ودفعها الى البحث عن نظريات جديدة، وكانت نظرية الضاحية، اي استهداف المدنيين اللبنانيين والبنية التحتية في لبنان.

تحدثت اسرائيل كثيرا عن نظرية الضاحية والتهديد باستهداف المنشآت الحيوية في لبنان، بل كان المسؤولون الاسرائيليون ينامون على تهديد ويستفيقون على اخر. لقد كانت اسرائيل تعتقد، وهذا ما تشير اليه تصريحات وتعليقات اسرائيلية وصلت الى حدود غير مسبوقة لجهة تردادها وتكرارها، بأن نظرية استهداف المدنيين اللبنانيين والبنى التحتية في لبنان، هي الحل الامثل لمواجهة المقاومة، بل وتؤمن للجيش الاسرائيلي هامش مناورة لم تكن متوفرة من ذي قبل، إن لجهة الاعمال الاعتدائية الابتدائية الواسعة او المحدودة، او لجهة ردع المقاومة عن الرد، باعتبار انها (المقاومة) ستخشى على المدنيين اللبنانيين والبنية التحتية في لبنان من استهدافها.

جاءت المعادلة الجديدة لتحد من القدرة الردعية الاسرائيلية، وتحد بطبيعة الحال من هامش المناورة لدى الاسرائيلي، فإذا كانت البنية التحتية في لبنان مستهدفة، والتهديد بها قادر على ردع المقاومة، فان القدرة في المقابل على استهداف البنية التحتية الاسرائيلية، بما يشمل المنشآت الحيوية والعسكرية وغيرها في الكيان الاسرائيلي، قادرة بدورها على ردع اسرائيل وكبح توجهاتها العدائية تجاه لبنان.

معنى ذلك، ان صواريخ المقاومة الدقيقة وذات المدى البعيد مع قدرة تدميرية كبيرة، وهذا ما تقر به اسرائيل، حيدت بالفعل إمكانات الاعتداء على لبنان، إن لجهة المواجهة المباشرة الواسعة، او لجهة الاعتداءات المحدودة. وهذا من شأنه ان يربك الاسرائيلي كثيرا، وان يدفعه الى العمل على خيارات بديلة اخرى، بدأت الساحة اللبنانية تتلمس اولى خطواتها، في محاولات مكشوفة لاشغال المقاومة في ساحتها الخلفية، وإيجاد كل ما يوصل الى الفتنة الداخلية في لبنان.
في الساحة الفلسطينية، وفي السياق نفسه، من المفيد الاشارة الى ان حديث وزير الحرب الاسرائيلي، ايهود باراك، كان لافتا لجهة دلالاته، في تهديده فلسطينيي قطاع غزة بان الرد سيكون حازما في حال قرروا تصعيد المواجهة مع اسرائيل وتغيير قواعد اللعبة معها، وتحديدا في اعقاب مقتل ضابط وجندي اسرائيليين في العملية النوعية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية قبل ايام، فإقدام الفلسطينيين على تنفيذ العملية، بحد ذاته، تعبير عن ميزان قدرة جديد، كانت اسرائيل لتتلفه لتبني عليه اعتداءا واسعا، لو كانت لديها النية الفعلية على خوض مواجهة. بمعنى انه دليل اضافي على محدودية القدرة الاسرائيلية الفعلية، وقصور اليد على تحقيق النتائج حيال الفلسطينيين. فباراك، يقر عمليا، بان "اسرائيل" لا تريد، لانها لا تقوى على تحمل النتائج، بأن يكون ردها فاعلا ومؤثرا في اعقاب مقتل جندييها، جراء عملية ناجحة للفلسطينيين، ومن جهة اخرى، وربطا باي فعل اعتدائي اسرائيلي مؤثر على قطاع غزة، فان اسرائيل تتراجع الى ابخلف، وترى باي فعل اعتدائي من قبلها، سيجر الى رد فلسطيني مقابل، ما من شأنه ان يجر بدوره الى مواجهة لا تريدها ضد الفلسطينيين في هذه المرحلة، ولا يبعد ان يكون السبب الاساسي في هذا التوجه، عدم القدرة في تحقيق النتائج حيال قطاع غزة، بعد وصول القدرات الفلسطينية في اعقاب العدوان على القطاع عام 2008، الى حدود غير مسبوقة، وهذا ما تعترف به اسرائيل ولا تنكره.

ضمن هذا المشهد ومركباته، والتي تضغط على الاسرائيلي وتكبح كل توجهاته الاعتدائية حيال الساحتين اللبنانية والفلسطينية، تأتي الازمة الحالية في العلاقات بين واشنطن وتل ابيب، لتزيد من الضغط على "اسرائيل"، وتزيد بالتالي من الكوابح المانعة لاحتمالية اعتداءاتها.

في اطار ما يقال عن ضغط اميركي، يمنع عن صاحب القرار في تل ابيب اتخاذ قرارات اعتدائية ضد لبنان او في سوريا او حيال قطاع غزة، من المفيد الاشارة الى ان الضغط مرتبط في الاساس بالقدرات الدفاعية والنوايا في الرد على الاعتداءات الاسرائيلية نفسها.

في تفصيل ذلك يمكن القول ان الاميركي وضغوط الادارة الاميركية متأتية بالفعل من إمكان انعكاس اي فعل اعتدائي اسرائيلي على توجهاتها ومصالحها في المنطقة، لقد بات واضحا ان الولايات المتحدة ترى ارتباطا مباشرا بين افعال اسرائيل ومصالحها في المنطقة، وأي فعل اعتدائي اسرائيلي من شأنه ان ينعكس مباشرة كخطر على حياة جنودها في امكان انتشارهم في العراق وافغانستان وغيرهما. وهذا ما صرح به جهارا مسؤولون رفيعو المستوى في المؤسسة العسكرية الاميركية في الفترة الاخيرة، بل هذا ما يشير اليه الحراك الاميركي حيال الساحة الفلسطينية، وعمليات الاسترضاء الاميركية لسوريا، ومن بينها اعادة احياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

معنى ذلك، ان الضغط الاميركي ليس تفضلا والتفاتة اميركية جديدة في كبح الاسرائيلي عن اعتداءاته، بل لان هناك ترسخ في وعي الادارة الاميركية بان الطرف الاخر سيرد، ولديه القدرة على الرد، حيال اي فعل اعتدائي اسرائيل، الامر الذي قد يجر الى مواجهة، يكون وقودها، اضافة الى اسرائيل، المصلحة الاميركية في المنطقة.

لكن هل يعني ذلك الركون الكامل الى القدرة الذاتية، على فاعليتها الكبيرة في تحييد الاسرائيلي عن الاعتداءات المباشرة والواسعة النطاق، او الركون الى الضغوط الاميركية التي لا ترى من مصلحتها التسبب في اشعال المنطقة خوفا على مصالحها. بالطبع لا. يبقى لدى الاسرائيلي هامش مناورة لتنفيذ اعتداءات امنية في كل الساحات، كان اخرها عملية اغتيال القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، في دبي. الامر الذي يستدعي مزيدا من الحيطة والحذر. لكن في نفس الوقت، تجدر الاشادة بالقدرة لدى جهات المقاومة على تأسيس وترسيخ واقع الردع المتبادل، غير المسبوق في متسواه، حيال الاسرائيلي. وهذا ما اقر به اخيرا مصدر عسكري في تل ابيب، على ما بثته القناة العاشرة الاسرائيلية اخيرا، من ان "خشية تل ابيب من التسبب بمواجهة واسعة، والقدرة في الطرف الاخر على ايذاء اسرائيل، ادى الى انكباح القرار الاسرائيلي عن توجيه ضربات في الاونة الاخيرة"، وبحسب هذا المصدر، فان القدرات الموجودة لدى المقاومة في لبنان، من حيث الدقة والنوع والمدى، ادى بالفعل الى "توازن رعب حقيقي لدى الطرفين"، وهذا نجاح غير مسبوق لجهات المقاومة.
2010-03-31