ارشيف من :ترجمات ودراسات
حروب الأشقاء الغربيين حول القطب الشمالي
عقيل الشيخ حسين
كان من المفترض لاجتماع وزراء خارجية البلدان الصناعية الثمانية الذي انعقد الإثنين الماضي في شيلسيا المجاورة للعاصمة الكندية، أوتاوا، أن يركز نقاشاته على مسائل أمنية في طليعتها الملفان النوويان الإيراني والكوري الشمالي، والحرب في أفغانستان.
لكن النقاشات تركزت على شأن آخر من شأنه ان يذهب بالسياسة الدولية بعيداً جداً عما يحيط بها من إثارات راهنة... وأن ينقل مركز الصراعات والتوترات المحتدمة حالياً من الشرق الأوسط إلى أقصى شمال الكرة الأرضية، واستطراداً إلى أقصى جنوبها.
والملاحظ، قبل كل شيء، وذلك مؤشر هام على الانعطاف الكبير الذي قد يعصف بالسياسة الدولية، أن خمسة من البلدان الثمانية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان) قد وجدت نفسها في حالة شبه انعدام الوزن بعد أن تأجل اجتماع الثمانية لساعات، لتعطى الأسبقية والأولوية لاجتماع ضم ـ إلى قسم من الثمانية (الولايات المتحدة، كندا، روسيا) ـ كلاً من الدانمرك والنروج، على أساس أن الجامع بين هذه البلدان هو كونها، بدلاً من الصناعية، مشاطئة للمحيط المتجمد الشمالي.
أو، على الأصح، على أساس أن المفرق بينها هو كونها مشاطئة للمحيط المتجمد الشمالي المرشح لفقدان اسمه لسبب بسيط هو أنه يفقد "تجمده" بسرعة جنونية بفعل التغيرات المناخية الناجمة، بشكل أساس، عن شطط البلدان الصناعية في صناعيتها.
وعلى الرغم من فقدانه لتجمده، شأنه في ذلك شأن شقيقه الجنوبي، وما يعنيه ذلك من أهوال بيئية ومناخية بدأت توجه ضرباتها المدمرة إلى الأرض والحياة على الأرض، لم يتركز اهتمام المجتمعين، كما هو المفترض، على سبل الحد من انبعاث الغازات الصناعية المسؤولة عن الكارثة البيئية والمناخية، بل على ما يفتحه الذوبان الكارثي للجليد في المحيط الشمالي... من فرص استثمارية.
هنالك تقديرات بأن أعماق المحيط الشمالي تختزن 90 مليار برميل من النفط، وثروات أخرى. وهنالك خطط لترسيم خطوط للمواصلات البحرية في مياه المحيط الشمالي.
وحيث تكون الثروات، من الطبيعي أن تنشب الخلافات. أول الخلافات يدور حول استئثار البلدان المشاطئة مباشرة بالوصاية على المحيط، على حساب البلدان الأعضاء في منظمة "مجلس القطب الشمالي" الذي يضم، إضافة إلى البلدان المشاطئة، بلداناً "أقل مشاطأة" هي السويد وفنلندا وإيسلندا. وأغلب الظن أن بلداناً كبريطانيا التي لا تبعد شواطئها الشمالية كثيراً عن المياه المتجمدة، تتحفز للمطالبة بحقها في هذا المجال.
هنالك تقديرات بأن أعماق المحيط الشمالي تختزن 90 مليار برميل من النفط، وثروات أخرى |
وهنالك خلافات حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدان المشاطئة. الاتفاقيات الدولية تعطي هذه البلدان حق استثمار 200 ميل بحري انطلاقاً من شواطئها القارية. لكن البلدان المشاطئة متفقة الآن على رفع هذه المسافة إلى 350 ميلا بحريا. لكنها أطماع كل منها تتضارب مع أطماع الشركاء، وكل منها يسعى، في ظل الاختلاف في تحديد المعطيات الجغرافية، إلى السطو على جيرانه.
الولايات المتحدة، وهي التي تمتلك، في آلاسكا، أقصر الشواطئ المطلة على المحيط، لا تعترف بسيادة كندا حتى على مياهها الإقليمية المتداخلة مع جزرها وأرخبيلاتها وشواطئها الشديدة التعرج، والتي تجعل منها، مع روسيا، صاحبة أطول الشواطئ.
وقد استنكرت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، استبعاد السكان الأصليين للمناطق القطبية، عن اجتماع البلدان المشاطئة، فيما يبدو تمهيداً لتصعيد تحت عنوان حماية مصالح هؤلاء السكان.
كندا، من جهتها، تريد اعترافاً دولياً بسيادتها على القسم الأكبر من المحيط. أما روسيا، التي غرست علمها قبل سنوات في مركز الدائرة القطبية، فقد اتهمت، قبل أسابيع، وعلى لسان رئيسها، ديمتري مدفيديف، دولاً مشاطئة أخرى، بالسعي إلى حرمانها من حصتها في الاستثمارات في المحيط.
ويحتدم بين روسيا والنروج خلاف على منطقة شاسعة في بحر بارينتز، أحد تفرعات المحيط، مساحتها 176 كم مربع.
ومن بين الخلافات يطل شبح الحروب الممكنة التي، إن وقعت، ستقع خصوصاً بين بلدين عضوين في الحلف الأطلسي هما الولايات المتحدة وكندا.
صحيح أن البلدان المشاطئة قد اتفقت، في العام 2008، على عدم تصعيد الخلافات حول الحدود البحرية. لكن الأصح، أن البلدان المشاطئة قد انخرطت في السنوات الأخيرة في سباق تسلح حقيقي في المنطقة القطبية.
فقد أقيمت على شواطئ المحيط قواعد عسكرية وموانئ حربية، وبنيت في تلك الموانئ بوارج وغواصات متخصصة في حروب المناطق الجليدية. وهنالك قطع بحرية تجوب أرجاء المحيط وطائرات استراتيجية وأقمار صناعية تحلق في سمائه. كما أقيمت معسكرات للتدريب على المعارك في حقول الجليد، ونشأت تحالفات، وهنالك مناورات عسكرية مشتركة تجريها القوى المتحالفة...