ارشيف من :خاص
آخر أوراق أوباما ... عربدة نووية
عقيل الشيخ حسين
يحتل الموضوع النووي، منذ سنوات، حيزاً مهماً من الحدث اليومي بقدر ما رفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها، وفي طليعتهم "إسرائيل"، برنامج إيران النووي السلمي إلى مستوى المشكلة الدولية الأولى، وذلك عبر تقديمه كخطر أول يهدد الأمن في المنطقة والعالم.
وإذا استثنينا التجارب النووية والصاروخية البعيدة المدى التي سبق وأجرتها كوريا الشمالية، فإن الموضوع النووي لم يتعدّ إطار الجدل، وإن كان هذا الجدل قد ترافق مع حزمات عدة من العقوبات الدولية والغربية بحق إيران وكوريا الشمالية.
لكن الأيام القليلة الماضية، شهدت تصاعداً لافتاً في مجال احتلال النووي واجهة الحدث الدولي: إقرار معاهدة ستارت 2 حول خفض الأسلحة الاستراتيجية؛ استراتيجية أوباما الجديدة فيما يخص الأسلحة النووية؛ مؤتمر واشنطن المزمع عقده الإثنين والثلاثاء في 12 و13 من نيسان/أبريل الجاري حول موضوع ما يسمى الإرهاب النووي.
وبالطبع، فإن حضور واشنطن في الملفات الثلاثة المذكورة هو ذو مغزى واضح، وإن كان حضورها قد اقترن بحضور روسيا في الملف الأول، فأميركا هي الدولة الأولى عالمياً في مجال التسلح النووي، كما أنها الأولى والوحيدة التي استخدمت السلاح الذري ضد اليابان، والأولى، وإن تكن غير الوحيدة، في تخزين أسلحة نووية تكتيكية وفي الاستخدام الفعلي لأسلحة تدخل فيها مكونات نووية.
التوقيع على معاهدة ستارت 2 لا يتمتع إلا بأهمية دعائية، لأن المتبقي من أسلحة نووية أميركية وروسية بعد الاتفاق على خفض هذه الأسلحة بموجب الاتفاقية، يكفي لتدمير العالم عشرات المرات، غير أن استراتيجية أوباما الجديدة ومؤتمر واشنطن حول الإرهاب النووي يضعان العالم، لأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، في دائرة العربدة النووية.
واللافت أن كل ذلك يأتي في ظل رئيس أميركي وصل إلى البيت الأبيض على أجنحة الوعود بالتغيير الذي توسم فيه الكثيرون، بعد المرحلة البوشية الكالحة، توجهاً حقيقياً نحو اعتماد واشنطن لسياسات جديدة تقطع مع ماضيها العدواني المسؤول عما يعانيه عالم اليوم من كوارث ومصائب، وخصوصاً عن نزعتها العسكرتارية التي كانت وراء مئات الحروب التي أشعلتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فبكلمة، يأتي أوباما، إذا ما شئنا تصنيف الرؤساء الأميركيين لجهة ارتفاع منسوب السعار النووي، في الدرجة الثانية مباشرة بعد هاري ترومان الذي أمر بضرب اليابان بالقنابل الذرية، لأنه الوحيد بين الرؤساء الأميركيين، منذ ذلك التاريخ، الذي يضع على الطاولة كامل أوراق النووي كسلاح في المواجهات الدولية.
لكنه سيحتل الدرجة الأولى، فيما لو انزلقت الأمور نحو مواجهة نووية فعلية، باعتبار التفارق الهائل في قدرات السلاح النووي بالقياس إلى ما كان عليه عام 1945. وبالتالي سيحوز بجدارة درجة المجرم الأكبر في التاريخ، لأن استخدام السلاح النووي، ولو بشكل محدود، ضد بلد صغير يمتلك سلاحاً نووياً بدائياً أو توجه إليه تهمة امتلاك هذا السلاح، لا يمكن أن يمر دون إبادة عشرات أو مئات الملايين من البشر، في صفوف المتحاربين وفي صفوف غير المتحاربين. فالمعروف أن الجميع يمتلكون أسلحة، إن لم تكن نووية، فإنها قادرة على إلحاق قسط من الأذى يفوق آلاف المرات ما تمتلكه أميركا والبلدان السائرة في فلكها من قدرة على تحمل الضربات.
وإذا كان الكلام يدور عن استخدام السلاح النووي، فلأن الرئيس أوباما هو بالذات من صدر عنه هذا الكلام، وإن كان هذا الكلام قد لُفلف بالكثير من عبارات المسكنة.
قدمت استراتيجية أوباما النووية على أنها خروج على "الغموض" الذي كان يلف مسألة اللجوء إلى استخدام هذا السلاح في الاستراتيجيات الأميركية السابقة، لكن الوضوح في الاستراتيجية الجديدة ينص صراحة على أن التهديد الأكبر للولايات المتحدة لم يعد كما كان عليه في السابق، أي من دول نووية كبرى، بل ممن تصفهم واشنطن بالمتطرفين العنيفين ودول متزايدة لا تحترم اتفاقيات منع الانتشار النووي.
وقد ذكر أوباما هذه الجهات بالاسم: جماعات إرهابية وكوريا الشمالية وإيران، وهذه الجماعات والدول تواجه كل الخيارات، بما فيها التعرض لهجوم نووي.
وباختصار، خلف كل هذه التوريات التي استغرقت 72 صفحة في التقرير المخصص لمراجعة الوضع النووي، فإن ما صدر عن أوباما هو تهديد مباشر باستهداف إيران نووياً، لأن استخدام النووي ضد الجماعات الإرهابية مستحيل، وضد كوريا الشمالية بعيد الاحتمال لموقعها الهامشي بعيداً عن مركز دائرة الصراع في الشرق الأوسط. إنه تهديد مباشر باستهداف إيران نووياً، مع كل ما يعنيه التهديد (دون الوصول إلى درجة التنفيذ) من معان بعيدة عن الإنسانية وعما تدعيه واشنطن من ريادة في مجالات الحرية والحضارة والحقوق...
لكن ذلك، لا يخرج عن نطاق العربدة المشينة. لأن المؤسسة العسكرية الأميركية المعروفة بشهوتها الشديدة لممارسة شتى أنواع الإبادات، تعلم جيداً أنها أعجز من أن تلجأ، بين الخيارات المزعومة، إلى الخيار النووي. لا عن تعفف بل عن خوف من التداعيات التي لن تقف دون حدود أميركا، والتي ستحصد في طريقها دولاً ومصالح لا حياة بدونها لأميركا.
إنه جنون أميركا المجنونة بعظمتها، والمجنونة بتهاوي هذه العظمة بأشكال مثيرة للشفقة، والمجنونة لمجرد أنها تهدد بالنووي بعد أسطر قليلة من تأكيد تقرير المراجعة على قدرة الولايات المتحدة، ومن خلال" إمكاناتها العسكرية التقليدية وحدها" على حماية أمنها الوطني وأمن حلفائها. أليس التهديد بالنووي في هذه الحالة ضرباً من الهذيان الذي يصدر عن المحموم في أعلى درجات احتضاره؟
يحتل الموضوع النووي، منذ سنوات، حيزاً مهماً من الحدث اليومي بقدر ما رفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها، وفي طليعتهم "إسرائيل"، برنامج إيران النووي السلمي إلى مستوى المشكلة الدولية الأولى، وذلك عبر تقديمه كخطر أول يهدد الأمن في المنطقة والعالم.
وإذا استثنينا التجارب النووية والصاروخية البعيدة المدى التي سبق وأجرتها كوريا الشمالية، فإن الموضوع النووي لم يتعدّ إطار الجدل، وإن كان هذا الجدل قد ترافق مع حزمات عدة من العقوبات الدولية والغربية بحق إيران وكوريا الشمالية.
لكن الأيام القليلة الماضية، شهدت تصاعداً لافتاً في مجال احتلال النووي واجهة الحدث الدولي: إقرار معاهدة ستارت 2 حول خفض الأسلحة الاستراتيجية؛ استراتيجية أوباما الجديدة فيما يخص الأسلحة النووية؛ مؤتمر واشنطن المزمع عقده الإثنين والثلاثاء في 12 و13 من نيسان/أبريل الجاري حول موضوع ما يسمى الإرهاب النووي.
وبالطبع، فإن حضور واشنطن في الملفات الثلاثة المذكورة هو ذو مغزى واضح، وإن كان حضورها قد اقترن بحضور روسيا في الملف الأول، فأميركا هي الدولة الأولى عالمياً في مجال التسلح النووي، كما أنها الأولى والوحيدة التي استخدمت السلاح الذري ضد اليابان، والأولى، وإن تكن غير الوحيدة، في تخزين أسلحة نووية تكتيكية وفي الاستخدام الفعلي لأسلحة تدخل فيها مكونات نووية.
التوقيع على معاهدة ستارت 2 لا يتمتع إلا بأهمية دعائية، لأن المتبقي من أسلحة نووية أميركية وروسية بعد الاتفاق على خفض هذه الأسلحة بموجب الاتفاقية، يكفي لتدمير العالم عشرات المرات، غير أن استراتيجية أوباما الجديدة ومؤتمر واشنطن حول الإرهاب النووي يضعان العالم، لأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، في دائرة العربدة النووية.
واللافت أن كل ذلك يأتي في ظل رئيس أميركي وصل إلى البيت الأبيض على أجنحة الوعود بالتغيير الذي توسم فيه الكثيرون، بعد المرحلة البوشية الكالحة، توجهاً حقيقياً نحو اعتماد واشنطن لسياسات جديدة تقطع مع ماضيها العدواني المسؤول عما يعانيه عالم اليوم من كوارث ومصائب، وخصوصاً عن نزعتها العسكرتارية التي كانت وراء مئات الحروب التي أشعلتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فبكلمة، يأتي أوباما، إذا ما شئنا تصنيف الرؤساء الأميركيين لجهة ارتفاع منسوب السعار النووي، في الدرجة الثانية مباشرة بعد هاري ترومان الذي أمر بضرب اليابان بالقنابل الذرية، لأنه الوحيد بين الرؤساء الأميركيين، منذ ذلك التاريخ، الذي يضع على الطاولة كامل أوراق النووي كسلاح في المواجهات الدولية.
لكنه سيحتل الدرجة الأولى، فيما لو انزلقت الأمور نحو مواجهة نووية فعلية، باعتبار التفارق الهائل في قدرات السلاح النووي بالقياس إلى ما كان عليه عام 1945. وبالتالي سيحوز بجدارة درجة المجرم الأكبر في التاريخ، لأن استخدام السلاح النووي، ولو بشكل محدود، ضد بلد صغير يمتلك سلاحاً نووياً بدائياً أو توجه إليه تهمة امتلاك هذا السلاح، لا يمكن أن يمر دون إبادة عشرات أو مئات الملايين من البشر، في صفوف المتحاربين وفي صفوف غير المتحاربين. فالمعروف أن الجميع يمتلكون أسلحة، إن لم تكن نووية، فإنها قادرة على إلحاق قسط من الأذى يفوق آلاف المرات ما تمتلكه أميركا والبلدان السائرة في فلكها من قدرة على تحمل الضربات.
وإذا كان الكلام يدور عن استخدام السلاح النووي، فلأن الرئيس أوباما هو بالذات من صدر عنه هذا الكلام، وإن كان هذا الكلام قد لُفلف بالكثير من عبارات المسكنة.
قدمت استراتيجية أوباما النووية على أنها خروج على "الغموض" الذي كان يلف مسألة اللجوء إلى استخدام هذا السلاح في الاستراتيجيات الأميركية السابقة، لكن الوضوح في الاستراتيجية الجديدة ينص صراحة على أن التهديد الأكبر للولايات المتحدة لم يعد كما كان عليه في السابق، أي من دول نووية كبرى، بل ممن تصفهم واشنطن بالمتطرفين العنيفين ودول متزايدة لا تحترم اتفاقيات منع الانتشار النووي.
وقد ذكر أوباما هذه الجهات بالاسم: جماعات إرهابية وكوريا الشمالية وإيران، وهذه الجماعات والدول تواجه كل الخيارات، بما فيها التعرض لهجوم نووي.
وباختصار، خلف كل هذه التوريات التي استغرقت 72 صفحة في التقرير المخصص لمراجعة الوضع النووي، فإن ما صدر عن أوباما هو تهديد مباشر باستهداف إيران نووياً، لأن استخدام النووي ضد الجماعات الإرهابية مستحيل، وضد كوريا الشمالية بعيد الاحتمال لموقعها الهامشي بعيداً عن مركز دائرة الصراع في الشرق الأوسط. إنه تهديد مباشر باستهداف إيران نووياً، مع كل ما يعنيه التهديد (دون الوصول إلى درجة التنفيذ) من معان بعيدة عن الإنسانية وعما تدعيه واشنطن من ريادة في مجالات الحرية والحضارة والحقوق...
لكن ذلك، لا يخرج عن نطاق العربدة المشينة. لأن المؤسسة العسكرية الأميركية المعروفة بشهوتها الشديدة لممارسة شتى أنواع الإبادات، تعلم جيداً أنها أعجز من أن تلجأ، بين الخيارات المزعومة، إلى الخيار النووي. لا عن تعفف بل عن خوف من التداعيات التي لن تقف دون حدود أميركا، والتي ستحصد في طريقها دولاً ومصالح لا حياة بدونها لأميركا.
إنه جنون أميركا المجنونة بعظمتها، والمجنونة بتهاوي هذه العظمة بأشكال مثيرة للشفقة، والمجنونة لمجرد أنها تهدد بالنووي بعد أسطر قليلة من تأكيد تقرير المراجعة على قدرة الولايات المتحدة، ومن خلال" إمكاناتها العسكرية التقليدية وحدها" على حماية أمنها الوطني وأمن حلفائها. أليس التهديد بالنووي في هذه الحالة ضرباً من الهذيان الذي يصدر عن المحموم في أعلى درجات احتضاره؟