ارشيف من :ترجمات ودراسات

اسئلة ما بعد الاعلان الاسرائيلي عنها: هل كان العدو بصدد توجيه ضربة الى سوريا؟

اسئلة ما بعد الاعلان الاسرائيلي عنها: هل كان العدو بصدد توجيه ضربة الى سوريا؟
حسان ابراهيم
ثلاث ملاحظات برزت في اليومين الماضيين، بميزان التغطية الاسرائيلية لما تناقلتها عدد من الصحف العربية والغربية، بشكل وبوتيرة متسارعين جدا، عن "خبر" يتعلق بصواريخ سكود باتت في حوزة حزب الله، قيل انها جاءت من سوريا، وكادت ان تتسبب بمواجهة بين اسرائيل ولبنان او سوريا، او كلاهما معا.
الملاحظة الاولى انه بمجرد ان اشتمت "اسرائيل"، تقرير صحيفة "الرأي" الكويتية، التي ذكرت الخبر الاول عن مراسلها في واشنطن، بان سوريا مررت السكود الى حزب الله، سارع عدد من المسؤولين الصهاينة، اضافة الى المعلقين الاساسيين في وسائل الاعلام الاسرائيلية، للادلاء بدلوهم في هذا الاطار، في تبني واضح للخبر، بل وعمدوا الى الزيادة عليه، باتجاه تحديد انواع صواريخ السكود، التي رجحوا ان تكون متطورة ومن نوع حديث، اضافة الى "البحث" في امكان ان تكون سوريا قد مررت بالفعل، رؤوسا حربية كيماوية، يمكن ان تزود بها هذه الصواريخ.
جاءت الزيادة الملحوظة في التعليق الاسرائيلي، وبل وربما غير المسبوقة، لجهة منسوب التصريحات والتعليقات ، بعد فترة طويلة نسبيا من الصمت تميزت فيه المقاربة الاسرائيلية لسلاح حزب الله، وما تسميه بعمليات التهريب المنظم من سوريا الى لبنان، وكأن "خبر" الرأي الكويتية، جاء ليطلق اشارة البدء، لحملة تصريحات وتعليقات، كاد ان لا ينفلت منها اي من المسؤولين والمعلقين الرئيسيين في الكيان الغاصب.
الملاحظة الثانية تتعلق بتوقيت "الاثارة"، اذ في الوقت الذي تشتد فيه "الازمة" بين واشنطن وتل ابيب، يأتي الخبر والبناء عليه، ليدفع باتجاه حرف الانظار عما تنتظره الادارة الاميركية من ردود على مطالبها، بما تعتبره (واشنطن) خطوات ضرورية باتجاه مسار التسوية مع الفلسطينيين، وهذه الردود طال بالفعل انتظارها واكثر من اللازم.. فحديث اسرائيل، غير المباشر ابتداءا، ومن ثم المباشر لاحقا، عن انها كادت ان توجه ضربة في الاراضي السورية، وان هذه الضربة كان من شأنها ان تجر المنطقة الى مواجهة شاملة، وانها عادت وقررت افساح المجال امام الاميركيين كي يستخدموا قدراتهم الدبلوماسية حيال سوريا للضغط عليها، كي توقف تزويد حزب الله بالسلاح، يشير الى وجه وظيفية، اضافة الى امور اخرى، بما يتعلق بالبناء على "خبر" الصحيفة الكويتية، ومنسوب التصريحات العلنية غير المسبوقة حيالها.
يشير الى ذلك، ايضا، انه لليوم الثالث على التوالي لنشر الصحيفة الكويتية لخبرها، تواصل التعليقات الاسرائيلية تركيزها عليه، بل وبشكل تصاعدي ايضا، مع الاشارة الى دخول عدد من الصحف العالمية على خط "الكشف"، واللافت اكثر في ذلك ان مصادر هذه الاخبار، الاخيرة، كانت اسرائيلية واميركية، على حد سواء، ما يشير بدوره الى ان مواصلة الحديث عن السلاح الممرر الى حزب الله، يأتي ضمن سياسة اسرائيلية موجهة، لهذه المرحلة.
الملاحظة الثالثة تتعلق بتأكيد اكثر من محلل اسرائيلي رئيسي، ومن بينهم محلل الشؤون العسكرية في القناة العاشرة الاسرائيلية، الذي اكد على ان كيان العدو "مكبوح" تجاه اي عمل عدائي نتيجة ما بات لدى حزب الله من قدرات عسكرية يمكنها ان تتسبب باضرار للكيان الغاصب، ما يعني انها يمكن ان تنتظر معالجات اخرى من نوع غير عسكري، رغم ادراكها ان الموضوع هام جدا، ويتوجب حله، وفي هذا ايضا، نوع من التهديد غير المباشر بالقيام في حال الضرورة بتوجيه ضربة عسكرية ما.
لكن الى اين ترمي الملاحظات الثلاث؟ هل ان "اسرائيل" تنوي توجيه ضربة عسكرية، لكنها لا تريد لانها مكبوحة؟، وبالتالي تطلق الصوت عاليا لتحذر من تبعات "اضطرارها" للقيام بضربة؟. الواقع يشير الى ذلك، اي ان لدى اسرائيل منسوب مرتفع جدا من الحوافز، ليس لتوجه ضربة ما الى ما تقول انه "قوافل" امداد السلاح الصاروخي لحزب الله، بل ايضا حوافز من شأنها ان تدفعها لتشن حربا واسعة سواء على لبنان او على سوريا، او على كلاهما معا.. الا ان هذه الحوافز ليست كافية بذاتها، دون عوامل والاخذ بالمحاذير والقدرات لدى الطرف الاخر، كي تمكن تل ابيب من شن اعتداءاتها.. لكن احاديث سلطات الاحتلال وصراخها وتحليلاتها واطلاق للتصريحات التي تشير مباشرة الى انها كانت "في صدد القيام بضربة"، ومن ثم حديثها عن انها عادت وفضلت الوساطة الاميركية، يشير الى الحافز لكنه لا يعني بالضرورة انها باتت قادرة بالفعل على توجيه هذه الضربة. لقد اعتادت اسرائيل، كما هو معلوم، على التحرك اولا، ثم الحديث لاحقا، والا فان الحديث ابتداءا لا يحيد عن كونه كشفا لمحدودية القدرة لديها، ولتوجيه الانظار نحو ما تخشاه.
ورغم عدم القدرة على التأكيد او النفي، لفقدان ادوات التأكيد اساسا وفقدان المعطيات المتعلقة بالقدرة الموجودة او التي تتجمع لدى المقاومة، لكن يمكن الاشارة، والى حد بعيد، ان الصراخ الاسرائيلي يرمي الى حث الاميركيين على الضغط على المقاومة، وتحديدا على منابع القدرة لديها، وتحديدا اكثر باتجاه سوريا، التي يرى الاسرائيليون انها في صدد قطف ثمار السياسة الاميركية من دون دفع اثمان.. بمعنى ان "اسرائيل" تحاول، يائسة في هذه المرحلة، ان تدفع الاميركيين الى التحرك ضد دمشق لتحقيق نتائج ما لا يمكنها ان تحققه عسكريا، رغم كل جهودها، لمنع تعاظم القدرة العسكرية للمقاومة.
قد تكون هذه هي الوجهة الاسرائيلية للاثارة الاخيرة، التي قد تكون في صدد مواصلتها للايام المقبلة، بحسب الاستجابة الاميركية لهذه الاثارة.. رغم عدم امكان اغفال ان الغدر والعدوان، سمة اسرائيلية بامتياز.
2010-04-15