ارشيف من :ترجمات ودراسات

أكبر تهديد للسلم وللأمن في العالم بين الفعلي والافتراضي

أكبر تهديد للسلم وللأمن في العالم بين الفعلي والافتراضي
عقيل الشيخ حسين
الجيوش الأميركية التي تحتل بلداناً بكاملها، تدمرها وتقتل الملايين من أهلها، لا تشكل تهديداً للأمن وللسلم في العالم. وعشرات القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في شتى بقاع العالم بجاهزية تامة لممارسة شتى أنواع العدوان والغزو، لا تشكل تهديداً للأمن وللسلم في العالم.
وكذا الأمر عن الأساطيل الأميركية الأول والثاني والثالث ... والسابع، التي تجوب جميع بحار العالم بحاملات طائراتها ومدمراتها وطراداتها وسفن إنزالها.
وعن طائرات الأواكس والشبح والـ "بـ 52"، والصواريخ العابرة للقارات وأسلحة حرب النجوم والقنابل الذكية والنووية والنيترونية.
وفي غير مجال الحرب، سياسات التدمير المنهجي الأميركية لاقتصاديات البلدان المستضعفة، ولثقافاتها وأديانها وأخلاقها ولصحة أهلها الجسدية والعقلية والنفسية، لا تشكل تهديداً للأمن وللسلم في العالم.
النشر الأميركي المتعمد للأمراض بهدف الإبادة أو تسويق الأدوية، ولنمط العيش الأميركي الفاسدد والمفسد، كل ذلك وغيره كثير... لا يشكل تهديداً للأمن وللسلم في العالم.
لكن ما يسميه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بالإرهاب النووي يشكل -على ما يزعمه الرئيس الأميركي باراك أوباما- التهديد الأكبر لللأمن وللسلم في العالم.
والإرهاب النووي هو شيء غير موجود، افتراضي، يعطيه أوباما ثقلاً أثقل بما لا يقاس من الإرهاب النووي الأميركي الموجود فعلاً، والذي برهن عن جدارته وفاعليته عندما أمر أحد أسلاف أوباما بإلقاء القنابل النووية الأميركية على هيروشيما وناكازاكي.
ومن الإرهاب النووي الفرنسي الذي مورس "تجريبياً" من قبل الفرنسيين على الكثيرين من أبناء الشعب الجزائري.
ومن الإرهاب النووي البريطاني الذي كانت رئيسة الوزراء البريطانية مارغاريت تاتشر على وشك ممارسته على الأرجنتين أثناء حرب المالوين.
ومن الإرهاب النووي الإسرائيلي الجاثم فوق رؤوس شعوب المناطق العربية والمجاورة، بترسانة تقدر محتوياتها بنحو 300 رأس نووي.
الإرهاب النووي الافتراضي الذي يقصده أوباما هو ما يمكن أن تمارسه جماعات يسميها إرهابية. ولا يجد مثالاً يذكره غير تنظيم "القاعدة". لأن عمليات التشريط والبرمجة الذهنية التي يخضع لها الناس في الغرب تضمن، في ظل استشراء الإسلاموفوبيا، حسن فك هذه الشيفرة بشكل يصبح فيه "الإسلام" هو المثال المذكور.
وعلى الرغم من تشديده على أن احتمالات استخدام النووي في حروب بين الدول قد تضاءل، فإن الإيماءات عن القدرة على حسن صيانة الترسانة النووية، العسكرية أو السلمية، واضحة في الدلالة على أن الرئيس أوباما يصوب، من خلال المؤتمر الذي دعا إليه للنظر في موضوع الإرهاب النووي، والذي حضره قادة وممثلو قادة من 46 بلداً أكثرها لا يملك خردلة من النووي، على بلدين حصراً.
باكستان، وإيران. لأن الأولى غير مستقرة سياسياً ويمكن لسلاحها النووي أن يصبح خطراً في حال حدوث انقلاب سياسي قد يذهب وجهة من النوع الذي لا تشتهيه السياسة الأميركية.
والثانية لأنها متهمة زوراً من قبل الغرب، و"إسرائيل"، بأنها تسعى لامتلاك السلاح النووي، تغطية من الغرب و" إسرائيل" على الهواجس الحقيقية النابعة من السياسة الإيرانية المستقلة عن الغرب والحريصة، بلا هوادة، على إحراز التقدم والقوة الكفيلة بالدفاع عن إيران وعن مصالح المسضعفين في العالم.
السلاح النووي الإسرائيلي لا يشكل، بنظر أوباما، خطراً على الأمن والسلم في العالم. بعض من حضر المؤتمر وجه إليه سؤالاً حول هذا النفاق المتمثل بطرح الملف النووي الإيراني السلمي بكل هذه الحدة، وبغض الطرف عن الملف النووي الإسرائيلي العسكري. فأجاب بأنه "لا يتكلم عن برنامجهم" (أي عن البرنامج الإسرائيلي)، وبأنه شجع جميع البلدان (قصده بما فيها "إسرائيل") على الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي. معتبراً أن الموقفين ليس بينهما أي تناقض! وظناً منه بأن السامعين لا يلاحظون عدم جرأته على التلفظ بكلمة "إسرائيل" في عبارة ترد فيها كلمة "النووي".
أي عالم هذا الذي يتقاطر فيه زعماء 64 بلدا إلى واشنطن تلبية لدعوة رئيس يزعم بأنه يسعى إلى عالم بلا نووي، ولا يجرؤ في الوقت نفسه على أن ينبس ببنت شفة بخصوص الترسانة النووية الإسرائيلية؟
2010-04-16