ارشيف من :ترجمات ودراسات

تفاقم العنصرية تجاه فلسطينيي الداخل(*)

تفاقم العنصرية تجاه فلسطينيي الداخل(*)

ـ مشاريع قوانين تمييزية وعنصرية تطرح على الكنيست باستمرار
ـ تزايد التحريض الديني والاعلامي ضد فلسطينيي الداخل
ـ في عام 2009 وقع 286 حدثاً عنصرياً ضد العرب
ـ الواقع الاقتصادي الاجتماعي هو جزء من سياسة حكومية موجهة رامية الى ترسيخ مكانتهم المتدنية.
ـ 75 بالمائة من الأطفال العرب يتهددهم الفقر
أصدر مركز "مساواة" الحقوقي، و"ائتلاف مكافحة العنصرية" في الداخل الفلسطيني (داخل الخط الاخضر) تقريره السنوي للعام 2010. التقرير رصد 286 حدثاً عنصرياً شارك فيه آلاف الافراد، بواقع ارتفاع نسبته 28 بالمائة عن العام الذي سبقه. وتم في مؤتمر صحفي عقد في حيفا تقديم تقرير العنصرية السنوي بالتزامن مع اليوم العالمي ضد العنصرية، والذي يستند على توثيق عدد كبير من المؤسسات الحقوقية، وتم في هذا المؤتمر الحديث عن المستمسكات والوثائق الأساسية للتقرير، والتحريض الذي يقوم به حاخامات إسرائيل تجاه الجماهير العربية، ودور الإعلام المفروض أن يكون حارساً للديمقراطية، ولكنه يحتضن الآن اليمين المتطرف. وأكد المتحدثون في المؤتمر الصحفي الذين مثلوا العديد من المؤسسات الحقوقية أن ثمة تزايداً في وجهة العنصرية والتميز في الغالبية الساحقة من المجالات التي تم فحصها، ولكن المعطى الأخطر كان مشاريع القوانين التمييزية التي طرحت العام الماضي إذ وثَّق التقرير 21 مشروع قانون عنصري وتمييزي منذ انتخاب الكنيست (18)/ أي الحالية.
قوانين التمييز في الكنيست
وذكر التقرير أن الكنيست الحالية بمنتخبي جمهور يعملون علناً على ضرب حقوق الجماهير العربية من خلال سن وتشريع قوانين تمييزية وإطلاق تصريحات تحريضية واضعة المواطنين العرب في خانة التهديد الديمغرافي والأمني. وشهد العام الماضي ارتفاعاً نسبته 57 بالمائة في طرح مشاريع قوانين تمييزية وعنصرية، ومعظمها يهدف الى تقويض مكانة المواطن العربي، والانتقاص من حقوقه، ويهدد شرعية مواطنته.
وتأكيداً لما جاء في هذا التقرير، فقد صادقت الهيئة العامة للكنيست على قانون تقليص الحصانة البرلمانية الفورية لأعضاء الكنيست، وذلك في حالة وجود شبهات بإقدام أحد الأعضاء على التجسس أو الخيانة. وبموجب هذا القانون، الذي بادر اليه عتنيل شنلر من حزب كاديما والذي كان زعيم ورئيس مجلس مستوطنات الضفة والقطاع في أواسط الثمانينات من القرن المنصرم، فإنه ستمنح صلاحيات فورية للشرطة وجهاز الأمن العام "الشاباك" بإجراء تفتيش فوري في مستندات وممتلكات عضو الكنيست الذي تحوم حوله شبهات التجسس أو الخيانة. ويتم ذلك بعد المصادقة على امر التفتيش من قبل قاضٍ في المحكمة العليا الإسرائيلية أو المستشار القضائي للحكومة.
ووفق القانون فإن رئيس الشاباك أو ضابط كبير في الشرطة ستكون لهما صلاحيات فورية باستصدار أمر تفتيش ممتلكات وأغراض ومستندات عضو الكنيست، ويتم التداول بأمر التفتيش من طرف واحد، وفي غياب عضو الكنيست، وبعد التفتيش وتحويل المستندات والأغراض التي ضبطت للشرطة، يحق لعضو الكنيست اسماع أو تقديم ادعاءاته أو اعتراضه على أمر التفتيش.
وقد تم تمرير القانون بالقراءة الاولى خلال الكنيست السابقة، وتم البدء في تشريعه في اعقاب قضية النائب السابق في الكنيست المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة الذي وجهت اليه اسرائيل شبهات بالتجسس لصالح "حزب الله" خلال الحرب الثانية (تموز 2006) على لبنان، وحصوله – حسب ادعاء الشرطة – على الاموال مقابل ذلك.
وعقبت عضو الكنيست حنين زعبي من التجمع الوطني قائلة أن هذا القانون، كما القوانين العديدة التي سنتها الكنيست الحالية، غير منسجمة مع حقوق الانسان والمواثيق الدولية، لكنه منسجم تماماً مع الجو المشبع بالعداء تجاه العرب في أروقة الكنيست. وهناك محاولات مستمرة وممنهجة لمحو شرعية النواب العرب بشكل عام، كنوع من سوقية سياسية تتخذ من كره العرب بوصلة للمواقف والتصريحات السياسية.
أما المحامي حسين ابو حسين فقد قال: "ينسجم هذا التعديل مع تعديلات سابقة، والتي أعطت الصلاحيات للأجهزة الأمنية بالتنصت على اتصالات وهواتف أعضاء الكنيست دون إبلاغهم، وبالتالي تقويض الحصانة البرلمانية كلياً لتكون صورية".
وضمن سياسة محو الذاكرة الجماعية للفلسطينيين وتشويهها قُدّم للكنيست مشروع قانون "النكبة المعدل" والذي يهدف الى منع فلسطينيي الداخل من احياء هذه الذكرى، وينص القانون الجديد على فرض عقوبات مالية واقتصادية واسعة على المؤسسات والأحزاب التي تشارك في احياء النكبة.
كما قدم عضو الكنيست ميخائيل بن آري من حزب الاتحاد القومي، والذي كان في السابق عضواً في حركة "كاخ" (حركة كهانا) اقتراح قانون لتغيير تعريف "منظمة ارهابية"، ويرمي هذا الاقتراح الى توسيع دائرة التعريف القانوني لـ "منظمة ارهابية" بحيث يشمل التعريف الجديد الحركة الاسلامية، وحزب التجمع. والمصادقة على هذا القانون ستمنح الحكومة الاسرائيلية العديد من الوسائل والمبررات للاعلان عن احزاب عربية انها "تنظيمات ارهابية"، وبالتالي اعتبارها خارجة عن القانون.
التحريض الديني والاعلامي..
أشار التقرير الى تطور آليات التحريض، وان الساحة خالية للكتب ومنشورات تعمم على الجمهور الواسع ومعظمها تحريضية.. اما الاعلام الاسرائيلي والذي نبذ العنصرية في ثمانينات القرن الماضي، وهاجم بقوة حركة "كهانا" العنصرية، فيكاد اليوم يحتضن السائرين على درب كهانا، ويقدم لهم منصة مفتوحة لبث سموم التحريض. واشار التقرير الى أن الاعلام الاسرائيلي تحوّل الى أول المنقضين على مؤسسات حقوق الانسان.
ورصد التقرير ارتفاعاً كبيراً في استخدام قوى اليمين الاسرائيلي للخطاب الديني والاصولي لتحقيق أهدافهم، لافتاً النظر الى كتاب الحاخام يتسحاق شابيراً، والحاخام يوسيف إليتسور المدعو "عقيدة الملك/ القسم الأول: احكام النفوس بين اسرائيل والشعوب"، والذي يحلل فيه قتل غير اليهود (الاغيار)، وقتل الابرياء بمن فيهم الاطفال، وحتى الرضع إذا كانوا يربونهم على أن يكونوا "أشراراً كأهاليهم".
ولفت التقرير الى انعكاس التحريض بشكل مباشر على مواقف الشباب اليهود، إذ أجرت جامعة تل ابيب استطلاعاً للرأي سئل فيه شباب يهود عن موقفهم من "اعطاء العرب في اسرائيل نفس الحقوق التي يحظى بها اليهود"، فأجاب 49.5 بالمائة منهم بالرفض. وكان واضحاً في الاجابة على هذا السؤال ان ثمة علاقة وطيدة بين التدين والموقف، إذ بلغت نسبة الشباب المتدينين اليهود الذين يرفضون اعطاء العرب حقوقاً متساوية اكثر من ضعفي نسبتهم بين العلمانيين، 82 بالمائة بالمقابل 39 بالمائة بين العلمانيين.
حوادث عنف واعتداءات ضد العرب
أشار التقرير أيضاً الى ارتفاع كبير في حالات الاعتداء على مواطنين عرب من قبل يهود على خلفية عنصرية وخاصة في السنتين الماضيتين، معتبراً ان الرسائل الموجهة للجمهور الواسع في جهاز التعليم، وفي وسائل الاعلام، وفي تحريض قيادات سياسية ودينية تشكل دعوة صريحة لممارسة العدوانية. أما تقاعس جهاز النيابة مع المحرضين، وتسامح جهاز القضاء مع المتهمين، فيعبدان الطريق لمزيد من مظاهر العنصرية. وتطرق التقرير الى الحملة الشعواء على اعضاء الكنيست العرب وملاحقتهم والتربص بهم والتهم الموجهة اليهم، والتحقيقات ولوائح الاتهام التي يواجهونها كلها تؤدي الى تشويش أدائهم وعطائهم المطلوب والسليم.
وشهد العام الماضي (2009) – كما جاء في التقرير – ارتفاعاً جدياً في حالات العنف من طرف قوى الامن تجاه المواطنين العرب، حيث تقمع النشاطات الاحتجاجية بفظاظة، ويتم التحرش بمواطنين ابرياء في الشوارع، وتتكاثر الاعتقالات الاعتباطية واستعمال القوة المفرطة وغير النسبية.
أبرز نتائج التقرير بالأرقام
سجل التقرير في العام الماضي 286 حدثاً عنصرياً شارك فيها آلاف الافراد، وذكر أن 45 مواطناً عربياً قتلوا في العقد الاخير على خلفية عنصرية، وان 15 حادث عنف حصل من قبل قوى الأمن ضد مواطنين عرب، وان هناك 91 حالة ممارسة عنصرية ضد عرب من قبل مواطنين يهود، و19 حالة مساس بشرعية قيادة الجماهير العربية، و26 حالة تحريض على خلفية عنصرية، و21 قانونا عنصريا وتمييزياً، و65 حدثاً عنصرياً في ملاعب كرة القدم و27 حالة تمييز اثني ضد شرقيين ومهاجرين أثيوبيين وروس، و11 حالة عنصرية ضد لاجئين ومهاجري عمل، و9 حالات مساس بالمشاعر الدينية.
سياسة رسمية لابقاء مكانة العرب متدنية جداً 

"اشارت المعطيات الرسمية لدائرة الاحصاء المركزية في اسرائيل الى ارتفاع حاد في نسبة الشبان العرب المجبرين على التنازل عن الطعام بسبب الاوضاع الاقتصادية: 14 بالمائة عام 2003، مقابل 21 بالمائة في العام 2007، واتضح ايضاً أن 23 بالمائة من النساء يتنازلن عن الطعام، "هذا بعض من معطيات وثقها تقرير الرصد السادس لمدى الكرمل الذي أعده الباحث امطانس شحادة الذي قال: ان الواقع الاقتصادي/ الاجتماعي للمواطنين الفلسطينيين في الداخل (أي في اسرائيل) هو جزء من السياسة الحكومية الموجهة والرامية الى ترسيخ مكانتهم المتدنية، أذ ارتفعت في السنوات الاخيرة نسبة المواطنين المضطرين للتنازل عن الطعام بأكثر من الضعفين، 21 بالمائة عام 2003 مقابل 50 بالمائة عام 2007، كما يتضح أيضاً أن 75 بالمائة من الاطفال العرب يتهددهم الفقر.
التمييز واضح وهو سياسة ثابتة
من خلال التقارير العديدة التي نشرت مؤخراً حول التمييز في داخل اسرائيل يمكن القول لا بل الاستنتاج ان التمييز ليس محض صدفة، أو تصرفاً فردياً، بل هو سياسة واضحة وثابتة ومتواصلة تهدف أولاً وأخيراً الى ترحيل العرب وخاصة اولئك الذين لن "يطيقوا" العيش ضمن هذه الاجواء، والى ابقاء هوة شاسعة بين اليهود والعرب..
وسياسة التمييز ليست ضد العرب بل ضد اليهود من اصول شرقية. وهذه السياسة تشكل خطراً كبيراً على الدولة، ولن توفر الامان لها اذ ما يجري ضد العرب في وطنهم يخلق أجواء التوتر داخل دولة اسرائيل، وقد يدخلها في مستنقع الخلافات الداخلية اذا ما تواصلت هذه السياسة المعادية للديمقراطية والمناهضة لكل شكل من اشكال حقوق الانسان.
وهذه التقارير تؤكد ومن جديد ان المساواة بين المواطنين داخل الدولة العبرية غير متوفر... اذ أن المساواة غائبة بين اليهود أنفسهم، وهناك تمييز واضح ضد اليهود القادمين من اثيوبيا.. فما بالك بالمساواة بين اليهودي والعربي.
الدولة العبرية ديمقراطية "إسمياً" اما فعلياً وعلى ارض الواقع فإن الديمقراطية بعيدة، وغير ممارسة. وترفع هذا الشعار لهدف واحد وهو تجميل صورتها امام العالم... ولكن هذا التجميل صناعي وينكشف امره يوما بعد يوم.
نقلا عن مجلة البيادر السياسي/ العدد 988 نيسان 2010/
(*) العنوان الاصلي: (تقارير مراكز حقوقية مناهضة للعنصرية في إسرائيل تؤكد: محاولات مستمرة وممنهجة لمحو شرعية النواب العرب)

2010-04-19