ارشيف من : 2005-2008

العيش المشترك حاضن الصمود: حارة حريك عاصمة المقاومة تنطلق في رحلة إعمارها

العيش المشترك حاضن الصمود: حارة حريك عاصمة المقاومة تنطلق في رحلة إعمارها

الحسنيين..‏

هنا انتفض 6 شباط، وهنا سقط 17 أيار، هنا قهر دم 13 أيلول الخونة، هنا منح المجاهدون أوسمة النصر، هنا السيد عباس عبر، هنا الشورى، هنا الأمانة والأمين، هنا تكلل 25 أيار بغار الانتصار.. هنا القادة الذين ما بدلوا تبديلا.‏

هنا حارة حريك عاصمة المقاومة التي شغلت العالم وقسمته من حولها بين صديق وعدو..‏

ليس سهلاً على الزائر، وهو يمر في قلب الضاحية الجنوبية أن لا يتوقف ملياً عند البلدة التي اختزلت الانتصار وخرجت من بين الدمار ترفع باعتزاز شعار التحدي والصمود والعنفوان، هي حارة حريك التي دفعت عن سابق إصرار وتصميم التضحيات الكبيرة لتبقى عصية على المدمرات الإسرائيلية، وإن سقط البنيان فلن تسقط الإرادة..‏

الكل عاش لحظة بلحظة القصف المدمّر الذي طاول هذه البلدة بأحيائها منذ صباح 13 تموز وحتى انتهاء الحرب العدوانية على لبنان بعدما غدت الضاحية تحتل الشاشات المحلية والعربية والعالمية في نقل مباشر لصور القصف والدمار الذي يخلفه عليها كل يوم، ويُدرك حجم الحقد الصهيوني عليها، والذي سيبقى شاهداً على همجية العدو.‏

حارة حريك تخرج اليوم في ورشة هي الأكبر والأسرع في العالم لتزيل آثار الدمار والانطلاق في رحلة إعادة الإعمار في تحد آخر، ومعركة كبرى لتحقيق الانتصار بأيدٍ تقاوم وتبني لتنتصر.‏

تعتبر حارة حريك من أكثر بلدات الضاحية الجنوبية إن لم نقل جبل لبنان تجسيداً لشعار العيش المشترك التي تجده فيها نابضاً بالحياة، ألفة ومحبة وتعاوناً غير مسبوق يتجسد في المجلس البلدي، ومن ثم في التطوع لإعادة الإعمار، ووجود هذه البلدة في وسط ساحل المتن الجنوبي جعلها قلب الضاحية النابض، ومكنّها من احتلال موقع متقدم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتربوي، حتى بات يصح إطلاق وصف المدينة عليها.‏

يقدر عدد سكان حارة حريك بما يقرب المئة ألف نسمة موزعين على مساحة 181 هكتارا، أي ما يعادل مليونا وثمانمئة وعشرة آلاف متر مربع.. هذه الخصوصية جعلت منها نقطة جذب مهمة للمؤسسات التجارية والصناعية والمصارف على اختلافها، إذ يقدر عدد المؤسسات فيها بما يقرب من ألف مؤسسة، وهو أمرٌ ليس بسيطاً لو لم تكن هذه البلدة بمثابة الشريان الحيوي لكل القاطنين والمحيطين فيها.‏

من يزر هذه البلدة حاضراً، ويتجول في شوارعها وطرقاتها يؤلمه مدى الدمار الذي أُلحِق بها، فيكاد لا يرى مبنى واحداً إلا وبصمات العدوان جلية عليه، وبعض من "أنقذ" لم يعد بالتأكيد صالحا للسكن بفعل الهمجية التدميرية الإسرائيلية، حيث بينت إحصاءات المسح الأخيرة أن ما يقرب من الـ216 مبنى قد دمرت تدميراً كاملا من أصل 2100 مبنى بينها 100 مبنى دمرت بشكل جزئي، فيما هناك ما يقرب من الأربعة مبان يتم إخضاعها لفحص الأساسات والأعمدة قبل أن يشرع في ترميمها أو هدمها إذا ما تبين أنها تهدد السلامة العامة، هذا فضلاً عن عشرات المدارس والمعاهد التربوية والصحية التي تضررت بشكل كبير.‏

تنفض "الحارة" وهو الاسم المحبب بين الناس اليوم عنها غبار العدوان الإسرائيلي، فورش إزالة الركام والأنقاض من المباني المدمرة تتواصل، لا سيما في شوارع: المقاومة والتحرير، السيد عباس الموسوي، الشيخ راغب حرب، الاستشهادي أحمد قصير، دكاش، فيما أعمال الترميم بدأت تأخذ مكانها في أكثر من حي وشارع لا سيما فيما خص المؤسسات التجارية وخلافها، بعدما كان حزب الله قد شرع في الأيام التي تلت العدوان إلى دفع التعويضات للمتضررين لترميم منازلهم ومؤسساتهم بهدف عودة الحياة إلى طبيعتها.‏

وأهالي حارة حريك كما حال آخرين من المتضررين في بقية المناطق يتوجسون خيفة أن تكون الوعود التي أطلقتها الحكومة فيما خص أعمال إعادة البناء هي مجرد "فولكلور إعلامي"، وخصوصاً أن اللجنة الرسمية التي شكلها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لدراسة المقترحات والأفكار المناسبة لإعادة الإعمار ما زالت تشهد مناقشات كثيفة ومعقدة.‏

والى أن تباشر الدولة في أعمال إعادة البناء تقوم بلدية حارة حريك على ما يقول نائب رئيس البلدية المهندس أحمد حاطوم بـ"تسهيل عمليات الترميم وإعادة وصل شبكات المياه والكهرباء ضمن الإمكانيات المتوافرة بالتعاون مع الفرق الفنية في وزارة الطاقة".‏

ويرى حاطوم انه "من الواجب في أي عملية لإعادة الاعمار أن تراعى المسلّمات التالية: المحافظة على الوحدات السكنية والتجارية كما كانت قبل 12 تموز، والعمل على إعادة ترتيبها وتنظيمها وفق المخطط الموجود في البلدة، كأن ندخل بعض الإضافات التحسينية الجمالية على هذه الوحدات بما يساعد على النمو ويحفظ حقوق الناس"، معتبراً "أن هذه المنطقة لا يجوز لها أن تدفع الثمن في السلم والحرب معاً".‏

وفي ظل الحديث الذي يتنامى في أكثر من موقع عن وجود أفكار عديدة ومتنوعة لإعادة إعمار المنطقة المدمرة في حارة حريك فإن بلدية حارة حريك كما يؤكد حاطوم "تشترط مواءمة أي مشروع للمخطط التنظيمي للمنطقة، وعدم المس بالواقع الديموغرافي بحيث يكون الشرط الأساسي لأي مشروع المحافظة على عدد الوحدات السكنية والتجارية والصناعية التي كانت موجودة في المنطقة، على أن يلحظ تطوير نوعية البناء وتحسين الشكل الجمالي للبناء وإنشاء مساحات خضراء ومواقف سيارات تتناسب مع الحركة التجارية في البلدة".‏

ويشدد حاطوم على إعطاء البلدية الحق بالإشراف المباشر على عملية إعادة البناء، ويدعو القيّمين إلى الإسراع في إعداد التشريعات وآليات العمل، وعدم ترك القضية في مهب التجاذبات السياسية القائمة في البلاد.‏

و"حاطوم" الذي بدا منهمكاً طوال هذا اليوم في مراجعة طلبات المواطنين الذين حضروا إلى مبنى البلدية، وصرحوا من خلالها عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم لأجل حفظ حقهم لاحقاً في أي عملية تعويض رسمي، اعتبر أن حارة حريك "ما زالت تشكل الشريان الحيوي لبلدات الساحل الجنوبي، وهمزة وصل بين جميع أبنائها لا سيما بين المسلمين والمسيحيين، ذلك أن التعايش الذي كان قائماً قبل العدوان ترسخ أكثر فأكثر بعده، وأصبح مصيراً مشتركا، وليس أدل على ذلك من "قداس السلام" الذي أقيم في كنيسة مار يوسف الذي تميز بحضور كثيف لأبناء البلدة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمق الوحدة الوطنية البعيدة كل البعد عن أي حسابات مناطقية أو فئوية".‏

هذا الشعور يشاطره إياه الأب عصام إبراهيم، إذ اعتبر في حديث لـ"الانتقاد" أن "أبناءنا في هذه البلدة العزيزة من مسيحيين ومسلمين كانوا على الدوام في عيش كريم سواء قبل الحرب أو بعدها"، مشددا على أننا ما زلنا نلتقي ونتشاور ونتقاسم الأفراح والاتراح".‏

ويؤكد "أن إصرار أبناء البلدة لا سيما منهم أبناء الطائفة المسيحية على التزام العيش جنبا إلى جنب هو أمر بديهي، بدليل عودة أبنائنا إلى بلدتهم، وهم يعملون حالياً على ترميم منازلهم وكنيستهم بفضل المساعدات التي قدمها حزب الله لهم، أضف إلى ذلك القداس الذي أقيم على نية السلام والمحبة، حيث اعتبرت في كلمتي أن الوحدة والمحبة الشفافة والصادقة بين المواطنين هي التي تصنع المجتمع الحقيقي، والوطن الحقيقي".‏

وبرغم كل الدمار الهائل الذي لحق بهذه المنطقة فإن حارة حريك سرعان ما عادت تضجّ بالحياة.. إنها إرادة أقوى من مدمرات العدو، وستبقى الحارة عاصمة المقاومة ترفع راية الإباء.‏

حسين عواد‏

الانتقاد/ العدد 1181 ـ 23 أيلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-26