ارشيف من : 2005-2008
العدو يخطط لاستبدال صورة "نصرٍ" في غزة بهزيمته في لبنان؟
أمر يقلق القادة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين الذين يسيطر عليهم هاجس انتقال النموذج اللبناني الجديد في التصدي والمواجهة الى داخل فلسطين، برغم اختلاف الظروف الجغرافية والسياسية بين الساحتين، التي لا تعني عدم الاستفادة من الانتصارات التي حققها حزب الله في لبنان لتطوير أدوات وتكتيكات المواجهة، فضلا عن المعنويات والدفع الذي أرفدت به المقاومة في لبنان نظيرتها في فلسطين وغيرها من جماهير العالمين العربي والاسلامي.
في هذا السياق مَثَلَ رئيس اركان جيش العدو دان حالوتس امام لجنة الخارجية والامن، وتطرق الى الوضع في فلسطين وحذر من مواصلة المنظمات الفلسطينية عمليات تهريب الوسائل القتالية وخاصة الاسلحة المضادة للدروع، اضافة الى حفر الانفاق... وحدد حالوتس ان على الجيش التحرك لمواجهة هذا الخطر برغم انه يواصل، كما عبّر، استهدافه للكوادر والناشطين في صفوف فصائل المقاومة.
هذه المواقف التي أطلقها رئيس اركان جيش الاحتلال تستوجب التوقف لقراءة سياقاتها وخلفياتها، فضلا عما يمكن ان تشير اليه من تطورات مستقبلية.
لا شك ان توجه حزب الله، في مرحلة ما بعد التحرير في العام 2000، نحو بناء القوة بكل عناصرها الممكنة والمتوافرة، وعدم ركونه الى زواريب السياسة الداخلية، مكَّنه من توفير مظلة دفاعية للبنان حالت دون تكرار تجربة الاحتلال المفتوح للأراضي اللبنانية. هذه التجربة التي نجح فيها حزب الله وتجلت نتائجها بشكل واضح من خلال عمليات التصدي للعدوان الاسرائيلي شكلت درسا مؤلما للإسرائيلي، ودفعته وتدفعه للعمل على عدم تكرار التجربة في فلسطين عبر الاكتفاء بمراقبة الفلسطينيين وهم يواصلون عملية بناء منظوماتهم القتالية، وذلك لتدارك الخطر قبل بلوغ هذه الفصائل المرحلة التي يصبح فيها استئصال المقاومة اكثر كلفة وصعوبة على "اسرائيل"، وخاصة أننا نتحدث عن الداخل الفلسطيني القريب جداً للوسط الاسرائيلي.
ايضا يمكن تلمس جانب شخصي في هذه المواقف، من دون ان يعني ذلك بالضرورة انها مفتعلة. ففي ظل تواصل توجيه الاتهامات والانتقادات للمستوى العسكري وعلى رأسه دان حالوتس الى جانب القيادات السياسية، وانشغال الجمهور الاسرائيلي بهذه القضية، ووصول الامر الى حد الدعوات المباشرة لحالوتس بالاستقالة من منصبه باعتبار أنه المسؤول المباشر عما حصل في لبنان، فإن تظهير الخطر الفلسطيني والدعوة الى ضرورة التحرك قبل تعاظم الخطر، يشكلان حرفا لاهتمامات الرأي العام وإشغاله بقضايا اخرى غير تلك التي تمس شخص حالوتس والمؤسسة العسكرية.
واللافت ايضاً في ما قاله حالوتس انه تحدث عن امور لم تكن القيادة السياسية قد صادقت عليها، وقد اشار بنفسه الى هذا الامر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ان كان ذلك يندرج ضمن اطار المشاحنات والاتهامات السياسية بين المستوى العسكري والسياسي في مجال تحميل المسؤولية عن الفشل والهزيمة في لبنان.
وعليه يمكن التقدير بأن الاسرائيلي يخطط للقيام بعدوان واسع على قطاع غزة بهدف تسجيل انتصار عسكري يحاول من خلاله استبدال الصورة السلبية التي رسخت في اذهان الرأي العام العالمي، بما فيه الاسرائيلي نفسه، عن الجيش الاسرائيلي وقدراته. من خلال ارتكاب المجازر واستغلال عدم امتلاك المقاومة الفلسطينية في الداخل المقومات والامكانيات التي تمكنها من الدفاع عن نفسها بالمستوى الذي قامت به المقاومة في لبنان.
في كل الاحوال ما تقدم أياً كانت خلفياته سواء كانت محددة في معطى محدد، أم كانت ذات خلفيات متعددة يشير الى ان "اسرائيل" قد تقدم في المرحلة المقبلة على شن عدوان واسع على الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو ما يفرض على الانظمة العربية التحرك للحؤول دون شن مثل هذا العدوان.
الانتقاد/ العدد 1181 ـ 23 أيلول/ سبتمبر 2006