ارشيف من : 2005-2008

شهر رمضان: الاستعداد للقاء الله وعبادته

شهر رمضان: الاستعداد للقاء الله وعبادته

من أوزاركم، فخفّفوا عنها بطول سجودكم.. واعلموا أنّ الله تعالى ذكره أقسم بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين، وأن لا يروّعهم بالنار يوم يقوم الناس لربّ العالمين..".‏

أخي المؤمن، أختي المؤمنة،‏

إنّ من عظيم بركات وفيوضات شهر رمضان المبارك أنه شهر الانقطاع إلى الله تبارك وتعالى والابتهال اليه، والتضرّع والخشوع والذلة والمسكنة والتوبة والإنابة.‏

إنه الشهر الذي يتمنى فيه الإنسان ان يتمتع بلذيذ المناجاة والدعاء، فيعيد صلته بخالقه وربّه الذي أحكم خَلقه وأكمل تكوينه، فشرّفه وكرّمه وعظّمه من بين جميع مخلوقاته، وهذا من الحوافز والدوافع التي تزيدنا إيماناً وتصديقاً بعظيم ما أنعم الباري علينا كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: "وأسبغ عليكم نِعَمَهُ ظاهرة وباطنة".‏

وبذلك نسير في الدرب والخط الذي رسمه الله تبارك وتعالى اسمه في تشريعه العظيم الحكيم.‏

فما أحوجنا إلى العودة إلى الله وتصحيح علاقتنا بربنا، وإعمار ما تهدّم في هذا البنيان الكبير الذي ردمناه بالذنوب والمعاصي.‏

فلنروّض أنفسنا على التقوى ونفكّها بالاستغفار، ولنعوّد جوارحنا على الطاعة حيث الظهور ثقيلة من الأوزار، ونخفف عنها بطول الركوع والسجود.‏

ولتلهج ألسنتنا بذكر الله فتطمئن القلوب وتصير الأرواح معلقة بقدس الربوبية، وإن كانت الخطايا قد أسقطتنا لدى الله تعالى.‏

ولنتوجه اليه سبحانه بالدعاء لكي يصفح عنّا بحُسن ظنّنا به وتوكلنا عليه، فلقد أنامتنا الغفلة عن الاستعداد للّقاء، ودعانا إلى النار عظيم العقاب.. ولننتبه ونتيقن بكرمه وعطفه ورحمته بنا، فإنه تعالى كما يقول أمير المؤمنين وسيد المتقين: "خلق الخلق غنياً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم، لا تضرّه معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه..".‏

وعبادة الصوم كغيرها من العبادات رحلة تقضيها أيها الإنسان مع الله في أيام عمرك، فتوصلك إلى جنّات الخلد والنعيم الدائم.‏

ومع أيام الله في شهر رمضان المبارك التي تحمل معها نفحات الخير والبركة والرحمة، يرسم لنا الله تبارك وتعالى على لسان نبيّه الكريم وأهل بيته المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، معالم الطريق الموصلة إلى رضوانه تبارك وتعالى.‏

لذا فعلى الصائم الكريم والمؤمن العزيز أن يلتفت إلى جملة من المستحبات والأعمال التي ينبغي عليه القيام بها في هذا الشهر، وعدم التفريط بهذه اللحظات السعيدة من تلك الأيام المجيدة والشريفة.‏

فالتوجه إلى الله سبحانه بخالص النيّات والإكثار من الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، والتصدّق وإطعام الطعام وإفطار المؤمنين، والتردد إلى المساجد وأداء الصلاة جماعة، وصلة الرحم وزيارة المؤمنين وغيرها من الأمور، هي من القضايا والأعمال التي يجب علينا السعي اليها، لأن العمل يضاعف أجره وثوابه أضعافا كبيرة في هذا الشهر.‏

ومع ملاحظة الأجر الكبير والمضاعف لثواب هذه الأعمال وغيرها، يمكن اعتبار شهر رمضان المبارك من الفرص الثمينة للإنسان ليبدأ من جديد رحلته في هذه الحياة مع طاعة الله وعبادته، وهو خير مناسبة للتوبة والعودة اليه سبحانه وتعالى. فالأعمال فيه مقبولة، وأيادي الشياطين مغلولة، وكلّ الطرق والسبل مفتوحة أمامك أيها العبد لتسلك الطريق الصحيح وتمشي في هُدى الصراط المستقيم.‏

ويكفينا في شرف وفضل هذا الشهر المبارك أنّه الشهر الوحيد الذي ذكر الله تبارك وتعالى اسمه في كتابه الكريم ووصفه بأنّه الظرف الزماني لنزول القرآن المجيد، الذي هو من أعظم العطايا الإلهية للمجتمع البشري.‏

ولعل بسبب هذه الفضيلة وصفت بعض الأحاديث الشريفة هذا الشهر بأنه "رأس السنة".‏

فعن الإمام الصادق (ع) قال: "شهر رمضان رأس السنة".‏

واستناداً إلى ذلك صرّح بعض أعاظم العلماء بكونه أوّل السنة العبادية، لذلك يقول العالم الربّاني الجليل السيد ابن طاووس (رض) في كتابه "إقبال الأعمال": "واعلم أني وجدت الروايات مختلفة في أنه هل أوّل السنة المحرّم أو شهر رمضان؟ لكني رأيت عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين وكثيراً من تصانيف علمائهم الماضين أنّ أول السنة شهر رمضان على التعيين، ولعل شهر الصيام أول العام في عبادات الإسلام، والمحرم أوّل السنة في غير ذلك من التواريخ ومهام الأنام".‏

وعلى كل حال، سواء اعتبرنا شهر رمضان أو شهر محرّم أوّل السنة، فإن الشك لا يتطرق بحال من الأحوال إلى المكانة الخاصة التي يحظى بها هذا الشهر المبارك، والأهمية التي له عند أعاظم الدين. ولعلنا لا نجد في أحاديث المعصومين عليهم السلام المروية في بيان فضيلة شهر رمضان المبارك، نصاً أجمع من خطبة النبي (ص) التي ألقاها في آخر جمعة من شهر شعبان في إحدى السنين التي تلت هجرته إلى المدينة المنوّرة، وذلك في استقبال هذا الشهر المبارك، والتي اشتملت على بيان تكاليف المسلمين فيه، إضافة إلى بيان شأنه وسموّ منزلته.‏

فإلى الله نبتهل ومنه نسأل ان يتقبل أعمالنا وطاعتنا في هذا الشهر الكريم، وأن يمنّ على المجاهدين بالثبات والعزيمة والنصر.‏

الانتقاد/ العدد 1181 ـ 23 أيلول/سبتمبر2006‏

2006-09-27