ارشيف من : 2005-2008
بانتظار عودة عباس من واشنطن:الاتفاق بين فتح وحماس مجمّد
محمود عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية.. فما أن خرج عباس من غزة حتى بدأت تصريحات الجانبين تتبادل الاتهامات بالتسبب في تعطيل الاتفاق ووضع العراقيل أمامه، وبحسب المراقبين فإن حرب التصريحات بدأت عندما بادر بعض قادة فتح الى اتهام حماس بالتنصل من الاتفاق بحجة أنها ـ أي حماس ـ تراجعت عن بند من المحددات للاتفاق السياسي وفق قادة حركة فتح، وهو توجه يغذيه تيار عريض في حركة فتح لا يرغب في الدخول مع حماس في حكومة وحدة وطنية بدعوى ان حماس في أزمة بسبب الحصار، وهم يراهنون على إسقاط الحكومة، وبالتالي عزل حماس عن شعبيتها، وهو التيار نفسه الذي تفاجأ من إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس التوصل الى اتفاق، باعتبار أن الأخير لم يطلع الكثيرين من فتح على تفاصيل هذا الاتفاق، فكانت تصريحات قادة فتح قبل ساعات من توقيع الاتفاق تشير إلى اتساع الفجوة بين الرجلين، وأن حل الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية.
حالة الارتياح من الاتفاق بين الرجلين والتي تبددت سريعا جاءت بعد موافقة الحكومة على احترام الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها المرجعية السياسية للسلطة الوطنية الفلسطينية بما يحمي المصالح العليا للشعب الفلسطيني ويصون حقوقه، وهو الشرط الذي وضعته حماس للموافقة.
كما جرى الاتفاق على أن تساعد الحكومة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في وضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي لتحقيق الأهداف الوطنية على أساس المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما لا ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني.
حماس أكدت أكثر من مرة أنها لن تعترف بـ"إسرائيل"، وأن ما وقعت عليه لا يتضمن الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي وشرعيته، وذلك عبر تصريحات متعددة لرئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، والتي كررها خمس مرات على الأقل في يومين، وهو ما أثار غضب قادة فتح والرئيس عباس الذي كان يشيع في أوروبا عبر موفديه أن تغييراً طرأ على موقف الحكومة الأمر الذي يتوجب في أعقابه رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وقد تكرر ذلك خلال لقاء عباس مع الرئيس الأميركي جورج بوش الذي عاود التأكيد على ضرورة الاعتراف بـ"إسرائيل" والاعتراف بالاتفاقات الموقعة ونبذ ما يسميه الإرهاب قبل الاعتراف بالحكومة الفلسطينية.
المجابهة السياسية تطورت وأخذت منحى جديداً بعد قتل العميد جاد تايه مدير العلاقات الخارجية لجهاز المخابرات الفلسطينية يوم الجمعة (15/9/2006) مع أربعة من مرافقيه أمام منزل رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية، وهو ربما ما أمدّ فتح بالجرأة على اتهام نشطاء في كتائب القسام التابعة لحركة حماس، وقد سربت أسماءهم إلى وسائل الإعلام بشكل سريع مطالبة بتسليمهم للنائب العام للتحقيق، مشيرة إلى ان من نفذوا الحادث قاموا بإعدام اثنين من الجرحى للتخلص من أية آثار تدل عليهم، وذلك قبل أن يقوموا بالاستيلاء على جهاز حاسب محمول وأسلحة القتلى، وهو ما أثار غضب نشطاء فتح الذين دعوا إلى اجتماع للجنة المتابعة العليا التي تضم كل الفصائل وأمهلوا حماس حتى يوم السبت المقبل لتسليم المتهمين بحضور مندوب عن جهاز المخابرات، وقد حولوا الاسماء الى الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الداخلية، لكن حماس نفت بشكل قاطع أية علاقة لنشطائها بما جرى، وأكدت أنها لن تسكت في حال تعرض أي من نشطائها المتهمين لأي سوء نتيجة تحريض حركة فتح.
هذه الحادثة زادت من حالة التوتر بين الحركتين بشكل كبير، ولحق بها قيام عشرات الموظفين الغاضبين باعتراض موكب رئيس الوزراء على أبواب المجلس التشريعي، وهو في طريقه لإلقاء خطاب وصف بالهام.. حماس وكتلتها البرلمانية ورئاسة المجلس التشريعي التي تتقلدها حماس اعتبرت ان الامر من تدبير جهات مشبوهة، وحذرت من مخطط التحريض الذي تقوده الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وطالبت بالتحقيق مع هذه الجهات، واعتبرت ما جرى اعتداء على رئيس الوزراء المنتخب، وخرجت حماس في مسيرات غاضبة مساء اليوم نفسه إلى بيت هنية مبايعة، وفي اليوم التالي خرجت بمسيرات حاشدة أخرى إلى مقر الرئاسة الفلسطينية مطالبة عباس بوقف الفلتان الأمني وتوفير الرواتب للموظفين وعدم الرضوخ للمطالب الأميركية.. أما فتح فقد اعتبرت قيام حراس هنية بإطلاق النار تجاوزا للخطوط الحمراء، وانسحبوا من الجلسة التي أجلت، وهو ما يضع خطا احمر في وجه أي اتفاق قد يتوصل إليه عباس مع الإدارة الاميريكية بشأن الحكومة القادمة.
والواضح حسب المراقبين أن النقاش بين فتح وحماس حول حكومة الوحدة الوطنية قد جمد، وأنه بحاجة إلى معايير جديدة لانطلاقه من جديد.. معايير تصر حماس على أن تكون منطلقة من مصالح الشعب الفلسطيني وحده بغض النظر عن المتطلبات الدولية التي حرمت عشرات آلاف الفلسطينيين من الرواتب، لكن حالة الحصار هي أيضا تشكل ضغطا على الحكومة التي تحاول التوفيق بين الممكن والمطلوب، ويبقى الأمر متعلقا بعودة عباس إلى قطاع غزة بعد لقائه مع بوش، ومضمون اللقاء معه، الذي سيلعب دورا كبيرا كما يبدو في تحديد طبيعة مسار العلاقة بين الجانبين، الرئاسة وفتح من جهة، وحماس والحكومة من جهة اخرى.
الانتقاد/ العدد 1181 ـ 23 أيلول/ سبتمبر 2006