ارشيف من : 2005-2008
عشرة قادة خلال الشهر الأخير:الاحتلال يستخدم أسلحة محرمة دوليا في اغتيال المقاومين الفلسطينيين
نفذتها في منطقة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، والتي استهدفت مطلوبين من سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى.
وتؤكد هذه الأوساط أنه في إطار الانفلات الهستيري الإسرائيلي الذي تصاعد بعد الهزيمة التي مُنيت بها حكومة الاحتلال في حربها وعدوانها على لبنان والتصدي البطولي الذي قاده حزب الله، عادت قوات الاحتلال لإطلاق وحدات المستعربين الخاصة لتنفذ عمليات اغتيال بحق مقاومين فلسطينيين بعد إصابتهم أو اعتقالهم أحياء.
الشهيد مجاهد السبع
الضحية الأولى لجرائم الوحدات الخاصة كان الشهيد مجاهد أكرم السبع (25 عاما) من جنين، وهو أحد قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وقد أجمعت روايات شهود عيان في جنين على أن الوحدات الخاصة برغم حصارها له وإمكانية اعتقاله، فإنها أطلقت النار عليه مرتين ورفضت السماح لسيارات الإسعاف الفلسطينية بالوصول اليه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
العملية نُفذت في وضح النهار كما تجمع روايات الشهود، عندما تسللت وحدات إسرائيلية خاصة تخفت بالزيّ المدني الفلسطيني الى محيط منزل الشهيد السبع الواقع في مدخل جنين الغربي بمحاذاة المنطقة الصناعية.
يقول إبراهيم حسن الذي يقع متجره في المنطقة: لم نلاحظ وجود الوحدات الخاصة في المنطقة إلا عندما توغلت أكثر من 30 آلية عسكرية في المنطقة لمساندة عملية الوحدات التي توزعت في ثلاثة محاور رئيسية مشرفة على منزل السبع.
تفاصيل العملية
وفي الوقت الذي قامت قوات الاحتلال بالانتشار الكامل في المنطقة التي أُغلقت وحظر على الفلسطينيين التنقل فيها, كانت الوحدات الخاصة استكملت انتشارها في المواقع المحددة.. فالقسم الأول من تلك الوحدات ـ كما روت والدة مجاهد ـ اقتحم العمارة التي يقع فيها منزلها, ثم قرعوا الباب بشكل طبيعي لتضليلنا، حيث لم يمضِ على وصول مجاهد الى المنزل سوى خمس دقائق، فالملاحقة والاستهداف والتهديد بتصفيته حرمتنا منه فترة طويلة، ولكن في ذلك اليوم زارنا للاطمئنان الى أشقائه، وما هي إلا لحظات حتى شعرنا بمحاولة خلع الباب، فقفز مجاهد من النافذة قبل ثوان من كسر الوحدات الخاصة الباب الرئيسي للمنزل.
تقول أم مجاهد: "كان منظرهم مخيفا، ارتدوا زياً مدنياً ووضعوا على وجوههم الأقنعة وأخذوا يصرخون وهم يوجهون أسلحتهم نحونا: أين مجاهد؟ وقبل ان نجيب توزعوا في حالة ذعر في كل ركن وزاوية وقاموا بتفتيش المنزل، وعندما لم يعثروا على مجاهد أصابتهم حال من الغضب وبدأوا بشتمنا وتهديدنا".
الكمين
نجا مجاهد من الكمين الأول وقفز من النافذة نحو سطح مجاور كما يقول الشهود، ثم قفز على أرض مفتوحة مجاورة وأخذ يركض من دون أن ينتبه أحد الى وجود الوحدات الخاصة في المحاور الأخرى للمنطقة. ويقول الشاهد نصري خليل: "شاهدنا مجاهد يركض ولم نلحظ وجود الوحدات الخاصة التي كانت بانتظاره حتى سمعنا إطلاق نار كثيفا نحوه، فسقط أرضا".. لحظتها ـ يضيف خليل ـ ظهرت الوحدات الخاصة علينا وشاهدنهم يركضون نحوه حتى أصبحوا على بعد عدة أمتار فقط. ويؤكد الشهود أنهم شاهدوا حركة يدي مجاهد وهو ممدد أرضا جراء الإصابة، ولكن المواطنة أم خليل التي يقع منزلها قبالة المنطقة قالت: شاهدت أفراد الوحدات شاهرين أسلحتهم ويتقدمون من مجاهد وهو غير مسلح، واستمروا في الاقتراب منه، وعندما تأكد أحدهم انه مجاهد وما زال يتنفس أطلق النار عليه بشكل مباشر.
العملية الثانية في قباطية
في اليوم الثاني لاغتيال مجاهد شنت الوحدات الخاصة هجوما جديدا على بلدة قباطية جنوبي غرب جنين، اغتالت خلالها شهيدين أحدهما الهدف الرئيسي للعملية وهو الشهيد رشيد زكارنة قائد كتائب شهداء الأقصى والمطلوب لأجهزة الأمن الإسرائيلية منذ بداية الانتفاضة.
ويقول محمد زكارنة إن الوحدات الخاصة استغلت انشغال عائلة زكارنة بحفل زفاف لأحد أفراد العائلة من أقارب رشيد وتسللت حوالى الساعة الثالثة من عصر يوم الخميس (14/9/2006) الى محيط المنزل مستخدمة سيارتين تحملان لوحات ترخيص فلسطينية. ويضيف: في البداية وصلت سيارة مشبوهة وتوقفت أمام المنزل الذي يجري فيه الحفل، ولكن توقفها أمام المنزل أثار الشكوك، وسرعان ما اكتشف رشيد الكمين فبادر لإطلاق النار نحوها, واشتبك مع القوة بينما كانت وحدة أخرى تصل الى المدخل الخلفي للمنزل، فأطلقت النار عليه من الخلف فأصيب رشيد ووقع أرضا جريحا. وتقول أم جمال زكارنة إن النساء تدافعن لحمايته بينما كان ابن عم رشيد الشاب كايد كامل زكارنة الذي كان في المنزل يتوجه اليه محاولا مساعدته بانتظار سيارات الإسعاف، ولكنه تعرض لإطلاق النار فأصيب بعدة رصاصات وتمدد الى جانب رشيد من دون ان نتمكن من علاجهما.. وعندما اقترب شقيق زكريا لمساعدتهما أطلقت الوحدات الخاصة النار عليه ما أدى لإصابته، ولم تتوقف الوحدات الخاصة عن إطلاق النار على كل من يقترب منهم، فأصيب أيضا أشرف زكارنة بعيار ناري في الرقبة.
احتجاز سيارات الإسعاف
وبينما كان الأربعة ينزفون داخل ساحة المنزل اقتحمت قباطية أكثر من 40 آلية عسكرية وأغلقت مداخلها وحاصرت منطقة الجريمة واحتلت المنازل المطلة عليها، وحظرت على سيارات الإسعاف التدخل كما يؤكد العاملون في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وقد نقل أحدهم أن قوات الاحتلال احتجزت جميع سيارات وطواقم الإسعاف طول العملية التي استمرت 4 ساعات.
تقول خولة زكارنة: كان منظرا رهيبا لن ننساه، فبعدما استحكمت في المنطقة وبينما كان الشبان الأربعة ممددين على الأرض مضرجين بدمائهم، حاولت بعض النسوة التقدم لإنقاذهم، ولكن الجنود منعوهن.. وتضيف انها شاهدت رشيد ينزف ويتحرك، ثم تقدم منه الجنود وأخرجوه خارج المنزل وألقوه أرضا، وعندما تأكدوا من هويته أطلقوا النار عليه بدم بارد.
العملية الثالثة في صانور
وتشكل جريمة اغتيال الشهيد نبيل معروف حنني (25 عاما) أحد قادة كتائب شهداء العودة في قرية صانور دليلا آخر على انفلات الوحدات الإسرائيلية وحرصها على تصفية المقاومين عقب اعتقالهم. وتروي ميسون ولد علي أن قوات الاحتلال حاصرت منزلهم في قرية صانور في الساعة الثانية فجرا، بينما كانت أكثر من 20 آلية عسكرية صهيونية تحاصر البلدة وتسيطر على كل المنازل المطلة على منزل ولد علي. وتضيف ميسون: بشكل مفاجئ انهمر الرصاص نحو منزلنا، فاستيقظنا مذعورين، وقبل ان نستطلع الأمر بدأت قوات الاحتلال تطلق عبر مكبرات الصوت نداءات تهدد بهدم المنزل اذا لم نغادره فورا.
خرجت العائلة ـ تقول ميسون ـ من المنزل فشاهدنا منظرا مهولا، كانوا عشرات من الجنود المقنعين ـ المصادر الفلسطينية تقول ان الوحدات الخاصة هي الوحيدة التي تستخدم الأقنعة في عمليات الاغتيال ـ وتضيف: احتجزونا في ساحة المنزل وأخذوا يدققون في هويات الشبان، وفجأة اقتادوا نبيل معهم الى منطقة مجاورة ثم سمعنا إطلاق نار كثيفا.
تصفية متعمدة
استمرت الوحدات الخاصة والجيش في عمليتها عقب إطلاق النار كما تقول ميسون، ثم اقتحموا منزلنا وقاموا بتفتيشه واعتقلوا أبي وأشقائي الثلاثة. وفي الصباح غادروا القرية، وعندما توجهنا الى المنطقة التي حصل فيها إطلاق النار وجدنا نبيل ملقى على الأرض مضرجا بدمائه لا حراك فيه, وسرعان ما أكدت الطواقم الطبية التي هرعت للمنطقة انه استُشهد جراء النزيف الحاد. وقال ضابط الإسعاف في الهلال الأحمر محمد مرعي ان الشهيد تعرض لإطلاق النار من مسافة قريبة كما يبدو وأصيب بعدة رصاصات في الرأس والصدر وأنحاء متفرقة من جسده. ونفى الأهالي ما رواه الجيش الإسرائيلي من ان نبيل كان مسلحا ورفض تسليم نفسه وأطلق النار نحوهم، مؤكدين انه اعتُقل حيا وجرت تصفيته بشكل متعمد لكونه أحد قادة كتائب العودة في قريته بيت فوريك القريبة من نابلس.
الاغتيال بأسلحة محرمة
العميد الركن ذياب الحمدوني "أبو الفتح" قائد منطقة جنين يقول لـ"الانتقاد": ان التحقيقات الأولية في الجرائم المذكورة أكدت ان قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت ذخيرة حية محرمة دوليا في اغتيال كوادر المقاومة، وهي مختلفة عن تلك التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي النظامي. وأضاف: إن الرصاص الذي تستخدمه الوحدات الخاصة في تنفيذ الاغتيالات هو من النوع المسمم والمحرم دوليا، يحدث انتفاخا في جسد المصاب، وتحديدا في محيط الجزء المصاب، وذلك ثبت في كثير من الحالات المستهدفة بالاغتيال، ومن أبرزها ما حدث مع الشهيد رشيد زكارنة قائد كتائب "شهداء الأقصى"، الجناح العسكري لحركة فتح في منطقة قباطية، ومعه الشهيد كامل كايد زكارنة. وأضاف: كان من الصعب التعرف الى جثماني الشهيدين زكارنة جراء انتفاخهما بشكل واضح.. بينما الشهيد محمد محمود أبو الربّ الذي قتله الجيش الإسرائيلي النظامي فكان جثمانه طبيعيا، ولم تطرأ عليه أي تغييرات تذكر كما هي الحال بالنسبة الى الشهيدين زكارنة.
وأكد أبو الفتح أن الرصاص الذي يستخدمه أفراد الوحدات الإسرائيلية الخاصة محرم دوليا، ويستدعي من جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية التدخل العاجل من أجل منع استخدامه. وحذر من تعمد الوحدات الإسرائيلية الخاصة إعدام بعض المصابين بعد اعتقالهم أحياءً، كما هي الحال بالنسبة للشهيد زكارنة الذي أقدم أفراد هذه الوحدات على قتله بعد إصابته واعتقاله حيا، وكما حدث مع الشهيد مجاهد أكرم السبع، وغيرهما كثيرون. وأشار إلى تعمد قوات الاحتلال في كثير من الأحيان لاحتجاز بعض المصابين وتركهم عدة ساعات على الأرض ينزفون الدماء من دون إسعافهم، أو مجرد السماح للفرق الطبية الفلسطينية بإسعافهم، حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة على الأرض، وهو أمر مخالف لكل القوانين الدولية والإنسانية التي تلزم بإسعاف الجرحى في الحروب والمواجهات.
الانتقاد/ العدد 1181 ـ 23 أيلول/ سبتمبر 2006