ارشيف من : 2005-2008

استحقاقات معيشية داهمة أمام أنظار الحكومة، جنون في سوق الخضار: الخسة بـ3000 ليرة

استحقاقات معيشية داهمة أمام أنظار الحكومة، جنون في سوق الخضار: الخسة بـ3000 ليرة

المبارك. فهي تحاول وأخريات ممن اقتربن منها البحث عمّا هو أقل جودة لمعرفتهن المسبقة أن الجيد منه، لا قدرة لهن على شرائه "أفتش على الخيار القديم، فالبضاعة الجيدة ليست لنا"، في إشارة منها إلى أن مثل هذه البضاعة هي للميسورين.‏

فـ"أم ربيع" التي اعتادت على ابتياع الخضار صبيحة كل يوم من سوق الخضار القريب منها غدت مع بداية شهر رمضان تحسب حسابها بشكل جيد فتشتري نصف حاجتها من الخضار، "لأن أسعارها جنونية، وبالتالي وضعنا الاقتصادي لا يسمح لنا بشراء كل احتياجاتنا".‏

حديث النسوة في ذلك اليوم (الاثنين) كان الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار من الخضار إلى المواد المختلفة وحتى اللحوم، فسعر سلة الغذاء اليومية بات يشكل عبئاً حقيقياً على الساعين لتأمين قوتهم في شهر رمضان، والذي بات على ما يبدو أمراً متعذراً أمام حجم الضغوط الذي يتعرض لها المواطن، فارتفاع الأسعار يطال جميع المواد الغذائية والاستهلاكية في وقت ما زال المواطن اللبناني يعيش تداعيات العدوان الصهيوني، أما الحكومة فيبدو أنها بعيدة جداً عن هموم المواطنين والاستحقاقات الاجتماعية والمعيشية الداهمة.‏

"الانتقاد" زارت سوق الخضار حيث التقت العديد من المواطنين:‏

"من يصدق أن "الخسة" يرتفع سعرها من 250 ليرة إلى 2500 ليرة، والفجل من 250 ليرة إلى 750 ليرة، وباقة البصل الأخضر من 250 ليرة إلى 2500 ليرة، والبقدونس من 250 ليرة إلى 750 ليرة، والنعناع من 250 ليرة إلى 750 ليرة، والبطاطا من 500 ليرة للكيلو الواحد إلى 1250 ليرة". هذه اللائحة من الأسعار كانت ماثلة بقوة أمام عيني أم مروان "زوجي راتبه الحد الأدنى، وصحن الفتوش يكلف ما يقترب من الـ20 ألف ليرة، خصوصاً أننا عائلة كبيرة، من أين سآتي بالمال، هل أنهب؟ هل أبقي الأولاد بلا طعام، كرمى عيون التجار الجشعين؟".‏

هذا الكلام ترك أثراً كبيراً لدى بائع الخضار الذي راح يكيل الشتائم على "التجار (يلي فوق)، هولي ما بخافوا الله ولا بيعرفوا قيمة شهر رمضان، ما إن يبدأ شهر الرحمة حتى يبدأوا برفع الأسعار".‏

ينادي عمر على "خساته" بـ2000 ليرة "يلا يأبو العيلة عجل قبل ما يخلصوا"، يظن "عمر" لوهلة أن الناس ستتهافت على بضائعه، ولِمَ لا "فالخسة" في مكان آخر بـ3000 ليرة "وإذا مش عاجبك بقلك الله معك".‏

إحدى النسوة تجر طفلتها بطرف عباءتها تسأل عن سعر الخس، فيجيب، فتهز برأسها في إشارة على عدم رضاها "شو هالخضرة اليوم متل النار، معش فينا نأكل شيء.. حتى لحم الفروج غلي كثير، لوين بدنا نروح بعد؟"، ثم تسأل عن سبب ارتفاع الأسعار، ولا جواب..‏

يقول أحمد الحمصي (أب لثلاثة عشر ولداً) انه قرّر منذ اليوم الأول من شهر رمضان أن يقتصد في احتياجاته من الطعام، كأن يتناول نصف فطوره، على أن يتناول النصف الآخر عند السحور، ويكون بذلك قد وفّر وجبة واحدة على الأقل!، ويضيف مستغرباً "هل سمعت بحياتك أن صحن الفتوش يكلف 20 ألف ليرة، ثم أين الوجبات الأخرى من الطعام التي يرغبها الصائم، كيف يمكن تأمينها، فهل نكتفي بصحن الفتوش.. شو هي أكلة حلاوة؟".‏

في الجهة المقابلة للسوق صادفنا "أم يحيى" تتوسل الجزار إعطاءها لحمة بقيمة ألف ليرة فقط، ما أثار حفيظة الأخير قائلاً لها "بلا أكل لحمة اليوم". المرأة هي نفسها التي أعلمتنا أن صحن فتوشها اليومي يخسر ثلاثاً من خصائصه "الخس والخيار والفجل".‏

التلاسن الذي نشب بين أحد البائعين وأحد الزبائن على خلفية ارتفاع أسعار الخضار غير المبرر كاد أن يتطور إلى شجار لولا دخول بعض "المصلحين" على الخط وفض "الإشكال" من خلال إرضائه "بخسة" أخرى أعطيت له مجاناً.‏

.. ولكي يمر شهر رمضان "بأقل الأضرار الممكنة" على ما تقول "ناريمان" لجهة الأعباء المالية، فهي تلجأ إلى الاقتصاد في الصحن اليومي "ربما نتناول الفتوش مرتين في الأسبوع فقط بدل أن يكون يومياً على ما جرت العادة"، في حين يرفع "جمال" من نبرة صوته عندما يسأل عن سبب ارتفاع الفروج من 2000 ليرة للكيلو الواحد إلى 4000 ليرة ويرد "قبل أن تسألني اذهب واسأل التجار الذين يحتكرون كل شيء، هؤلاء الذين يستغلون موسم شهر رمضان من كل عام.. ثم أين هي لجنة حماية المستهلك لترى بأم العين ما يجري في هذا الشهر الفضيل، أين هي وزارة الاقتصاد المسؤولة عما يحصل، اذهبوا إلى المسؤولين وحملوهم المسؤولية، قبل أن تحملونا إياها".‏

حماية المستهلك‏

أجرت "الانتقاد" اتصالا برئيس لجنة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد فؤاد فليفل للوقوف على ما تقوم به اللجنة إزاء هذا الغلاء الفاحش، فكان الرد انه غير مخول بإعطاء أي تصاريح إعلامية إلا بإذن من الوزير المختص، إلا أن محاولاتنا المتكررة للحصول على إذن من سكرتيرة الوزير غادة عيد باءت كلها بالفشل بداعي أن الوزير "اجتماعاته متواصلة ولم أستطع التواصل معه".‏

في المقابل التقت "الانتقاد" رئيس جمعية المستهلكين في لبنان الدكتور زهير برو، فأكد أن موضوع ارتفاع الأسعار لم يعد يقتصر على حاجات المواطنين في شهر رمضان المبارك، فالموضوع برأيه معقد كثيراً ويحتاج إلى معالجة شمولية وليست جزئية، على اعتبار أن ارتفاع الأسعار للسلعة الغذائية وخلافه بدأت قبل الحرب "في حين يتحججون اليوم بزيادة ارتفاعها نظراً للحصار الذي ضرب على لبنان فضلا عن قطع الطرقات عن مناطق الإنتاج الزراعي، إلى تكلفة المواصلات وخلافه". ويقول إن "ارتفاع الأسعار بلغ الخط الأحمر، ولا يمكن السكوت عنه، ونحن في ضوء التحضير لمؤتمر صحافي بالتعاون مع الاتحاد العمالي العام للوقوف على ما آلت إليه هذه الأوضاع". كما يحمّل برو لجنة حماية المستهلك مسؤولية تقصيرها إزاء هذه المخالفات "يقولون لنا إننا ننظم محاضر ضبط بحق المخالفين، غير أنه يتبين لنا بأن لا جدوى منها".‏

ربما الأيام القليلة المقبلة ستشهد انخفاضاً كبيراً في أسعار الخضار، لكن بالتأكيد فإن أسعار السلع الأخرى لن تنخفض حتى نجد من يتحرك ويضع حداً لانفلات السوق، وليكن الأمن الغذائي والاجتماعي أولوية أيضاً في حساب رعاة الحكومة.‏

تحقيق حسين عواد‏

الانتقاد/ العدد 1182ـ 29 أيلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29