ارشيف من : 2005-2008

النائب الفرنسي جيرار بابت: موقف فرنسا هو أن قضية سلاح حزب الله هي قضية لبنانية داخلية

النائب الفرنسي  جيرار بابت: موقف فرنسا هو أن قضية سلاح حزب الله هي قضية لبنانية داخلية

ابتداءً من الوقوف القاسي في وجه السياسة الأميركية في المنطقة خلال الغزو العدواني الأميركي للعراق مروراً بالتناغم الكامل مع واشنطن في لبنان على مدى العام الماضي، ووصولاً إلى ما يُحكى عن افتراق ما يمكن تسجيله في الفترة الأخيرة عن السياسة الأميركية.‏

"الانتقاد" ترصد مفردات السياسة الفرنسية في لبنان والمنطقة من خلال هذا اللقاء مع النائب الفرنسي الاشتراكي جيرار بابت، الذي يعتبر من الشخصيات المعروفة لدى كثير من اللبنانيين.‏

كيف ترى العلاقة الفرنسية اللبنانية هذه الأيام؟‏

لا يمكن لنا ان نشك في علاقة الرئيس شيراك بلبنان برغم أني انتقدت او حملت انتقادات من الأوساط اللبنانية حول علاقات شخصية يمكن أن تكون غير متوافقة لعلاقة دولة بدولة، لكن رئيس الجمهورية له علاقات شخصية مع عائلة الحريري، أعتقد ان هذا كان له تاثير خصوصا بعد اغتيال الحريري، حيث أشير إلى سوريا في القضية. ومع القرار 1559 كنا كمن أصابنا العمى فركزنا على الوجود السوري وتركنا الضرورات الأخرى من الجهة الإسرائيلية حتى تكون السيادة اللبنانية محفوظة من كل الجوانب، وهذا ما يوضح لماذا اعتبر هذا القرار غير متوازن من قبل بعض الأطراف اللبنانية، وخصوصا الشيعة.‏

كنتم من أوائل النواب الفرنسيين الذين زاروا لبنان بعد الحرب مباشرة.‏

أتيت عبر الطريق الإنساني مرورا بعمان وبقيت ثلاثة أيام وزرت الضاحية الجنوبية، ولكن لم أستطع زيارة الجنوب أو حتى زيارة الشمال لرؤية البطريرك.‏

رأينا سياسة فرنسية متقلبة في الفترة الأخيرة، ما تفسير ذلك؟‏

اعتبرت فرنسا في البداية ان حزب الله خرق القانون الدولي بقيامه بعملية داخل "إسرائيل" وليس في الأراضي المحتلة، خارج الحديث عن الفرصة في هذا العمل عند بداية الصيف، وفي وقت كانت فيه "إسرائيل" في حرب صعبة ضد الفلسطينيين في غزة.‏

منذ 15 تموز عبّر الرئيس شيراك في مؤتمر صحافي في الإليزيه عن دهشته أمام حجم الدمار الذي سببته "إسرائيل" في لبنان، والذي لا يتناسب مع حجم عملية عسكرية محدودة، حيث كان بالإمكان إجراء مباحثات سياسية لتبادل الأسرى، ولكن بدأت عملية عقاب جماعي للبنانيين حسب قول رئيس الأركان الإسرائيلي، وكان هناك تدمير للبنان ومحاولة لتدمير البنية التحتية لحزب الله. رئيس الجمهورية كان حقا مندهشا ومصدوما، ومنذ 14 تموز طلبت فرنسا هدنه إنسانية وممراً إنسانياً، ومن ثم البحث عن حل لوقف اطلاق النار على قاعدة اتفاق سياسي عبر مجلس الأمن. إن أول مسودة للقرار 1701 التي أعدت من قبل أميركا وفرنسا كانت غير كافية من وجهة نظر الحكومة اللبنانية، وأنا أيضا ـ مع ناثيت في الحزب الاشتراكي وجيرار دولامبير وفرانسوا لولا (شخصيات سياسية فرنسية) ـ أصدرنا بيانا قلنا فيه إن القرار يجب أن يأخذ في الحساب مصالح لبنان في مجال السيادة، لا أن يأخذ فقط في الحساب المصالح الإسرائيلية.. وبعدها أخذ قرار بالإجماع في مجلس الوزراء اللبناني بالموافقة على القرار 1701 الذي يستبعد بعض الشروط الإسرائيلية برغم انها موجودة في مضمون القرار.‏

مناطق انتشار القوة الفرنسية تسكنها غالبية شيعية، حيث وجود حزب الله قوي وفعال، هذا الوجود ألا يشجع الحكومة الفرنسية على تحسين العلاقة مع حزب الله؟‏

الجنرال بلغريني أعلن أن العلاقة مع اللبنانيين دون تمييز سوف تمر عبر السلطات اللبنانية وعبر الحكومة اللبنانية التي يتمثل فيها الجميع عدا الجنرال عون. على الخريطة المحلية القوى الدولية سوف تنسق مع السلطات المحلية والبلديات، القوى الدولية لن تفرق بين رؤساء البلديات حسب انتماءاتهم الحزبية.‏

من الناحية السياسية العامة هناك اتصالات مع وزراء حزب الله، في اعتقادي انه يجب التحاور مع الجميع حول كل المواضيع وحول مستقبل المنطقة. الدولة الفرنسية لا يمكنها ان تختار فريقا تحاوره في دولة.. عندما تحاور فرنسا ألمانيا فإنها تحاور الدولة الألمانية وليس حزباً بعينه. العلاقة هنا هي مع الدولة والحكومة في لبنان.‏

هل تعتقدون ان فرنسا سوف تذهب الى مجلس الأمن للحصول على قرار يضع اليونفيل تحت البند السابع، وبالتالي محاولة نزع سلاح المقاومة بالقوة؟‏

موقف فرنسا يقضي بأن قضية نزع سلاح حزب الله هي قضية لبنانية داخلية ما دام حزب الله يحترم تعهداته بعدم الظهور المسلح جنوبي نهر الليطاني. فرنسا والقوة الدولية ليسا بمهمة لنزع سلاح حزب الله الذي ـ على المدى المستقبلي ـ يجب أن يتحول إلى حزب سياسي وليس حزباً ذا ازدواجية، من ناحية سياسي ومن أخرى عسكري.‏

هل في نية فرنسا فتح صفحة جديدة مع الشيعة في لبنان بعد القرار 1559 وقضية المنار؟‏

أنا أتمنى ذلك، وأعتقد انه اعتبارا من الوقت الذي تحدثت فيه مع بعض مسؤولي حزب الله حول قلقنا من بعض التصريحات من هنا ومن هناك والتي تقول ان الفرنسيين غير مرغوب بهم في لبنان وبعد التطمينات التي أُعطيت بأن حزب الله سوف يحترم القوة الدولية أيا كانت جنسيات عناصرها وأنه يقبل بوجود هذه القوة لمساندة الجيش اللبناني ولن تكون قوة عدوة، أعتقد أن الآفاق يجب أن تجد فرصاً للبحث والتحاور بين الطرفين. أعتقد أن حزب الله صُوِّر في أوروبا كمنظمة إرهابية على نسق القاعدة، فعندما يقول الرئيس جورج بوش انه يريد ان يحارب الإرهاب في لبنان بعد العراق وأفغانستان، أعتقد انه هنا يجسد هذا التصوير. أعتقد أن حزب الله هو قوة اجتماعية وسياسية تمثل شريحة واسعة من الشيعة دخلت في تفاهم مع التيار العوني الذي يمثل شريحة مهمة من المسيحيين في لبنان.‏

بخصوص الهوية اللبنانية، العلاقة مع سوريا، ترسيم الحدود وإقامة دولة القانون، أعتقد انه كما قال لي بعض مسؤولي حزب الله ومنهم نواف الموسوي، في الوقت الذي تصبح فيه السيادة اللبنانية كاملة على وحين تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية وعندما يصبح هناك سلام دائم لا يوجد أسباب عند حزب الله لحمل السلاح وحماية سكان جنوب لبنان، الآفاق هي لنزع السلاح وإقامة دولة القانون، ولكن أنا لا أعتقد كما يقول البعض انه بمجرد نزع سلاح حزب الله سوف يكون هناك دولة قانون في لبنان.‏

أنا رأيت مثلا انه عندما كانت المساعدات الدولية تأتي الى مرفأ بيروت كانت المنظمات غير الحكومية تشتكي ان الشاحنات كانت تصل الى الجنوب نصفها فارغ، وأن المواد كانت تباع في أماكن أخرى في لبنان.. أي دولة قانون هذه التي لا تقدر على إيصال شاحنات المساعدات الى شعبها الذي يعاني! أنا رأيت ايضا لبنانيين من الشوف ينتظرون عودتهم الى بيوتهم منذ عشرين عاما، أي دولة قانون هذه غير القادرة بعد عشرين عاما على إعادة لبنانيين إلى بيوتهم لطي صفحة تلك الحقبة المأساوية من تاريخ الشوف، في الوقت الذي نتكلم فيه عن توافق وطني! أي دولة هذه الدولة اللبنانية غير القادرة على اصدار قانون انتخابي عادل في الوقت الذي يقضي اتفاق الطائف بإيجاد تمثيل متوازن وصحيح لكل المناطق والطوائف! الدولة اللبنانية غير جديرة بتأمين التعويض الآن للناس المحتاجين، لكن هذا ما فعله بالمناسبة حزب الله. هناك مبادئ وأطر لإقامة دولة القانون ومكافحة الفساد.‏

عندما تتحدثون عن الدولة اللبنانية.. عما تتحدثون؟‏

الدولة اللبنانية ليست شخصاً وإنما هي كيان قانوني وتمثيل لأمة مهمة كانت من مؤسسي الأمم المتحدة والجامعة العربية، ليست مرتبطة باسم أو مجموعة أو دين. هي هذا الكيان القانوني الذي يمثل كل اللبنانيين. ان اتفاق الطائف وُجد من أجل إرساء توازن خصوصا بالنسبة الى الطائفة الشيعية التي كانت في الماضي تعاني من عدم اعتراف الطوائف الأخرى بوجودها. إذن الدولة اللبنانية هي الإطار الذي يستطيع كل لبناني أن يجد نفسه وحقه في المساواة مع الآخرين فيه.‏

القرار 1701 يحدد مكان وجود القوة الدولية جنوبي نهر الليطاني، ماذا تفعل قوات فرنسية على جسري الدامور والعريضة؟‏

ليس لدي أي فكرة عن الموضوع ولا أرى حاجة لوجود قوة لحماية هذه الجسور، يمكن هي جسور قديمة للجيش الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية وما زالت صالحة للاستعمال، ولكن يجب مراقبة صلاحيتها الفنية.‏

هناك تصريحات للسيد (نيكولا) سركوزي (وزير الداخلية الفرنسي) اعتبر فيها أن عمليات حزب الله هي عمليات ارهابية؟‏

للأسف ساركوزي يتخلى عن السياسة التقليدية الديغولية والميترانية التي كانت متبعة من الرئيس شيراك.. مواقف السيد ساركوزي بالنسبة الي بديهية بعد زيارته الولايات المتحدة الأميركية، وكانت بديهية عبر مواقفه أثناء الحرب بين لبنان و"إسرائيل".. نيكولا ساركوزي يقطع مع الموقف الفرنسي المتوازن الذي كان لديه دائما نظرة الى الضفة العربية من المتوسط، وهو يتبع خطى المحافظين الجدد الأميركيين، وأعتقد أنه لا يمكننا ان نفترض ان فرنسا كانت على خطأ عندما اعترضت على حرب العراق التي أدت إلى عكس الهدف المعلن، ولا يمكننا أبدا الافتراض أن لبنان يجب أن يكون اليوم مسرحاً لجبهة ثالثة للحرب على الإرهاب، حتى لو كنت أعتقد أن الخطر على قوات اليونيفيل والقوات الأوروبية في لبنان يمكن أن يأتي الآن عن طريق مجموعات ذات علاقة بالقاعدة.‏

هل لتصريحات ساركوزي علاقة بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام المقبل، أم هي فعلا تأثيرات المحافظين الجدد في أميركا؟‏

هي نظرة ساركوزي، وهي أيضا نظرة مستشاره باتريك دوفيجان، وأنا لا أعتقد انه بإمكان فرنسا تبني مثل هذه النظرة الى هذا الحد وبازدواجية تعتبر الخير في جهة والشر في جهة أخرى. عندما تتكلم عن حوار حضارات وحوار ثقافة هذا شيء يغذي الجوانب الإنسانية والحضارية عند كل طرف من الأطراف.‏

الدمار الذي حل بلبنان طاول خصوصا المناطق الشيعية، وقد رأيتم خلال زياراتكم للضاحية نموذجا مصغرا عن الدمار في الجنوب، هل ستساهم فرنسا في إعادة إعمار هذه المناطق؟‏

هناك دعم من السلطات المحلية والجهوية.. مثلا محافظة الميدي بيرينيه قدمت دعما لجمعية غير حكومية اسمها "المعماريون الجدد" بهدف إعادة إعمار كل المدارس التي تضررت في جنوب لبنان.‏

هل أنتم على ثقة بهذه الجمعيات بعد كل الذي حصل في المساعدات الإنسانية؟‏

أنا أعتقد انه يجب ان يُدعم كل ذلك عبر تعاون غير مركزي أو عبر جمعيات غير حكومية معروفة بنظافتها وصدقها، أنا أتحفظ كثيرا على المساعدات التي تمر عبر خطوط فيها الفساد. أعتقد انه يجب اعتماد نوع من التعاون بين جمعيات غير حكومية محترمة والسلطات المحلية والبلديات.‏

من هو جيرار بابت؟‏

جيرار بابت نائب اشتراكي من مقاطعة "أوت كارون"، زار لبنان أول مرة عام 1987، بعدها عاد اليه دوريا في الأعوام: 88 و89 و90 بعد ان وضعت الحرب الأهلية أوزارها. وقد كوّن علاقات كثيرة وقام بزيارات مستمرة حتى أصبحت له علاقات عائلية. وقد أصبح نائباً لرئيس لجنة الصداقة الفرنسية اللبنانية في البرلمان برغم تغير الأغلبية الحاكمة لمصلحة حزب الرئيس جاك شيراك، حيث تربطه بنائب مدينة فرساي السيد "بنت" علاقة ممتازة فيما يخص الموضوع اللبناني.‏

الانتقاد/ العدد 1182 ـ 29 أيلول/ سبتمبر 2006‏

2006-09-29