ارشيف من : 2005-2008
نصيحة جبرية
وتكبّر لدى هذا المستعمر الأميركي الذي ما زال يرفض قراءة التاريخ والاتعاظ منه، فينطلق، وكأن لا سبقه مستعمرون ولا كان هناك مقاومون أذاقوا المحتلين المرّ والأمرّ.
هي كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية التي بشّرتنا مطلع هذا الأسبوع بالسياسة الجديدة (القديمة) لبلادها في المنطقة عبر خطة "فرِّق تسد"، بعدما فشلت كل خططها السابقة التي تصاعدت من حرب العقول إلى الحرب الاستباقية إلى نظرية الفوضى البناءة إلى نظرية الضربة القاضية، لتعود وتنتهج الخط الذي برع حلفاؤها البريطانيون في انتهاجه طيلة استعمارهم لمناطق عديدة من العالم، وقد لا يزالون كذلك.
فبعد عجز الكيان الصهيوني عن المس بقدرة المقاومة في لبنان برغم القوة العسكرية الهائلة التي وُفرت له، وعجز سياسة الحصار الخانق ـ الذي ضربته واشنطن وحلفاؤها الغربيون وبعض العرب على الفلسطينيين ـ عن لوي ذراع الحكومة الفلسطينية وحماس للسير في طريق الذل والمهانة، ها هي رايس تعلن انطلاق الخطة بكلها وكلكلها.
لماذا؟
لإحداث شرخ وانقسام في صفوف المقاومة وجمهورها في لبنان وفي صفوف الحكومة الفلسطينية وشعبها في الداخل والخارج.
ولكن ما تجهله رايس وربما تتجاهله هو أنها إذا كانت تعتبر أنها وصلت في ارتقاء السلّم الاستعماري إلى مرحلة "فرّق تسد" الآن، فإن شعوب المنطقة قد خبروا هذا الأسلوب منذ قرون، ولم يعد من السهل على أحد إيقاعهم في شراكه، وبناءً عليه نعود ونقدم النصيحة الوحيدة التي اضطر جميع المحتلين والغاصبين للأخذ بها جبرا وغصبا، وهي ترك المنطقة والعودة إلى أحضان البيت الأبيض في واشنطن كما عاد أمثالها إلى أحضان الـ "تن داونينغ ستريت" في لندن و"الإيليزيه" في باريس.
محمد يونس
الانتقاد/ العدد 1182ـ 29 ايلول/ سبتمبر 2006