ارشيف من : 2005-2008

استحالة تكرار مهرجان بحجم وزخم «مهرجان الانتصار» : اذا لم يتوفر فيه عنصرا المظلومية ‏والتوق للكرامة الوطنية

استحالة تكرار مهرجان بحجم وزخم «مهرجان الانتصار» : اذا لم يتوفر فيه عنصرا المظلومية ‏والتوق للكرامة الوطنية

لي قناة وانا أؤممها مثل عبد الناصر‏

كتب محمد باقر شري‏

اتصل بي صديق ظريف في الصباح الباكر من يوم امس، وكان قد «تربص» ليقرأ ما سأكتبه عن ‏‏«مهرجان النصر»، فاذا به يتوقف عند نقطة واحدة مما كتبت تتعلق «باقتراحي» ان يقوم ‏لفيف 14 آذار بالانضمام الى الخطط الرامية الى اسغلال الفرص المتاحة في المستقبل لمواجهة ‏العدو لأن مواجهات الشهر والثلاثة وثلاثين يوما مع العدو، لن تكون كما «يروج» القاعدون ‏عن القتال والمهرولون نحو الاستسلام، بأن حرب تموز - ايلول عام 2006 هي آخر الحروب! واذا ‏كان الاكثريون يخشون مزيداً من الدمار للبنى التحتية، فان جاهزية «الاكثر من 20 الف ‏صاروخ» كفيلة بأن تجعل العدو يفكر الف مرة بمصير تل ابيب (والقدس الجديدة الاستيطانية) ‏قبل ان يفكر بضرب قريطم مثلاً الا اذا وجد فيها مرة أخرى «منارة مهجورة» يكون متأكداً ‏بأن «اصحاب الصواريخ» لن يستخدموا تقدمهم التقني في اصابة الاهداف في العمق الاسرائيلي، ‏لانهم لا يعتبرون المساس بمبنى مهجور يستأهل الرد، الا اذا كان قصر قريطم سوف يأمر «جبخانة» ‏القوات المتعددة الاطراف (الفرنسية والالمانية خاصة) وما تملكه من صواريخ غيربيل البحرية ‏الموجهة من البحر الى البر، والطائرات المجوقلة (التي تنقل قوات محمولة جوا) ان تعتبر المساس ‏بمنارة مهجورة قرب قصر قريطم، جزءاً من تحدي اكثرية 14 آذار نظراً لمواقفها المتطرفة في ‏الاعتدال عفواً في العداء تجاه هي اسرائيل!).‏‏

واضاف صاحبي قائلا ان وعدك بأن يشارك مئات الالوف من انصار المقاومة في «مهرجان نصر ‏‏»تحرزه «قوات الاكثرية» في محاربة اسرائيل في يوم من الايام.. بحيث يكون مهرجانها عبارة عن ‏شتائم توجه الى الذين «ترتاب» بأنهم كانوا وراء جريمة 14 اذار، والمقصود بجريمة 14 اذار، ‏هو الجريمة الاولى، لانه قد ارتكبت في 14 اذار جريمتان عظميان: جريمة الاغتيال التي زلزلت ‏لبنان، والجريمة الثانية التي لا تقل عنها فداحة عن الاولى تتمثل بجعل ردة الفعل العادلة ‏على الجريمة «جواز مرور» للكفر بانتماء لبنان «لعروبة غير مشروطة» على حد تعبير الرئيس ‏السنيورة، والتي جعلته يبكي فعلاً ولا يتباكى امام وزراء الخارجية العرب الذين جاءوا ‏لمساندته شخصيا وقد دخلوا لبنان باذن اسرائيلي وخرجوا منه باذن اسرائيلي، مع الانضباط ‏الجماعي الكامل «على الدقيقة» ما عدا وزير خارجية عربي واحد خرج من «مجلس العزاء» ‏التأييدي للسنيورة في السراي، قبل ان تفيض دموعه كدموع الآخرين تضامنا مع السنيورة ‏وليس مع لبنان، لأن لبنان في نظر السنيورة نفسه لم يكن في حرب مع اسرائيل، بل كانت الحرب ‏بين قسم من اللبنانيين اسموهم تسمية طائفية، وبالتالي، فان هؤلاء في نظر «اطياف» 14 آذار ‏قد خرجوا من لبنانيتهم لانهم قاتلوا اسرائيل وردوا على ضربها للبنى التحتية دون اذن من ‏الحكومة التي تطمح ان «تبسط سلطتها على جميع الاراضي اللبنانية». ومن المؤكد ان «الدولة» ‏بالمفهوم «السنيوري»، لو استؤذنت بالرد على اسرائيل لارتعدت فرائضها هلعا ورعبا! ولو ‏كانت «قادرة» ليس على اسرائيل، بل على المقاومة لمنعتها من الرد حتى ولو تحوّل لبنان الى ‏ارض محروقة على يد آلة الحرب الاسرائيلية، وتحقق ما كان يدعو اليه دايفيد ليفي قبل ‏سنوات من قتل اطفال الجنوب وحرق مدنه وقراه، عندما كانت المقاومة لا تزال تقاتل الاحتلال ‏‏«بمباركة» من الدولة اللبنانية التي كانت على جانب من التضامن ولو «القسري» في دعم ‏المقاومة ضد الاحتلال: فالدمار والحرق الاسرائيليان للبنان هما امنية العدو التي لم تتحقق ‏الا عندما اعطي الإذن والضوء الآخر من الداخل ومن رئيس الحكومة مشفوعين «بشهادة عربية» ‏معتبرين اسر الجنديين «عدوانا» على اسرائيل، ومغامرة، يجب ان تتحمل المقاومة مسؤوليتها ‏وعلى هذه المقاومة ان تتحمل العواقب، ولذلك فان هذه «الدولة التي تريد بسط السيادة» لم ‏تبدِ حراكاً تجاه ما حل بالبلد من دمار لم يكن بسبب الزلازل والبراكين الطبيعية بل كان من ‏عدو اسمه اسرائيل، وهي حتى الآن لا تزال تتصرف تجاه ما حدث من جانب اسرائيل وكأنه امر ‏طبيعي ومبرر «قانونيا» وهي لا تعتبر نفسها مسؤولة عن النهوض بالبلد من آثار الدمار ‏الذي احدثته آلة الحرب الاسرائيلية، ولأن الاهالي الذين كانوا يهتفون للمقاومة التي ضربت ‏الميركافا والمواقع العسكرية الاسرائيلية في عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة، وهم يقفون على ‏انقاض منازلهم المهدمة1 فيجب ان لا يقابلوا باللامبالاة والشماتة، ولو استطاع الاكثريون ‏الاحتجاج على عفوية سكان المناطق اللبنانية من ابناء العائلات الروحية الأخرى على ‏ايوائها للذين دمرت اسرائيل منازلهم، لما قصّرت في ذلك! وهي كانت تأمل ان يثور سكان هذه ‏المناطق على مواطنيهم المنكوبين في الجنوب ويظهروا عداءهم للمقاومة، ولكن اصالتهم ‏اللبنانية ووجود امثال ميشال عون وسليمان فرنجية وعمر كرامي وطلال ارسلان ونجاح واكيم ‏ووئام وهاب بين ظهرانيهم، الذين رفضوا مبررات العدوان، واستطراداً رفضوا واحبطوا تحقيق ‏اهداف العدوان الرامية لتأليب الشعب اللبناني ضد المقاومة، واصابوا الذين كانوا ‏يعدون انفسهم للاحتفال بهزيمة المقاومة بل «وسحقها» وانتصار العدو عليها، ولانهم يعتبرون ‏المشردين الذين اخرجوا من ديارهم بسبب القصف والدمار، قد ارتكبوا جريمة لانهم لم يقتلوا ‏ابناءهم الذين يقاتلون العدو، او انهم لم يشوا بهم الى العدو ويسلموهم اليهم حتى ينزل بهم ‏‏«حكمه العادل» فهم في بعض نظر الاكثرية يستحقون العقوبة لانهم «خانوه» الخيانة!‏‏

واليوم اذ ينكر «الجاحدون» عظمة هذا الشعب التي تجلّت في «مهرجان الانتصار»، و«يتوحمون» ‏على ان يقيموا مهرجانا مماثلا تحت «عنوان وطني» عبر التباكي على الرئيس الشهيد وحمل ‏قميصه، ولكنهم لا يجدون ما يجمع الناس على طريقتهم ، الا باثارة الغرائز الطائفية ولو ‏كانت «مقنة» بأقنعة اخرى!‏‏

ولقد كان سيد «المقاومة» في منتهى الإلهام عندما قال ان بعض «احبار» عائلته الروحية ‏الذين انضموا الى وجهة النظر الاخرى المعادية للطرح المقاوم، قد ادوا للمقاومة خدمة غير ‏متعمدة، لانهم بانضمامهم الى وجه النظر الاخرى، رغم «محدودية قواعدهم الشعبية»، قد ‏برهنوا ان الصراع ليس بين طائفة واسرائيل، وان «اعيانا» من هذه الطائفة يشاركون ‏الاكثرية، او يلتقون معها دون اعلان رسمي او دون انتماء الى صفوفها، رغم انهم من طائفة ‏ليست لها وحدها تبني شعارات المقاومة، وقيل ان هذه الفئة المتلاقية «على غير موعد» مع ‏الاكثرية، قد عرضت عليها اموال الاكثرية كنفقات ضرورية فرفضتها. وفي اعتقادنا ان ‏دوافعها ذاتية، وهي اذا اتضحت لها امور كانت ملتبسة عليها، فانها تصبح في طليعة الاجماع ‏الوطني على صوابية ما كانت تعتبره خطأ... وخاصة ان «سيد المقاومة»، يأخذ بالنظرية ‏القائلة: «انا على صواب يحتمل الخطأ والآخر على خطأ يحتمل الصواب»! ولَولا «التقسيم ‏المذهبي» الذي يراد ترسيخه بين العائلات الروحية، لقلنا ان من قال هذا الكلام هو الامام ‏الشافعي احد ائمة الفقه الكبار عند اهل السنة والجماعة وهو الذي سمي احد المذاهب باسمه: ‏‏«المذهب الشافعي»، ونحن لا نتجنب ذكر اسمه مخافة لوم او عتب من جانب اتباع مذاهب فقهية ‏اخرى فه «إمام معتدل» ومقبول عند اتباع مختلف المذاهب الاسلامية، ولكن خشينا ان ينسب ‏الينا التملق المصطنع لاتباع مذهب من المذاهب ونحن «ننشد الحكمة التي هي ضالّة المؤمن، التي ‏يتلقفها انّى وجدها بغض النظر عن الهوية الدينية او المذهبية او القومية او العرقية، ‏لان الكلام الذي يتضمن عمقاً ثقافياً او حضارياً لا يعود ملك صاحبه او عائلة صاحبة ‏الروحية، بل تصبح ملكاً للبشرية جمعاء!‏‏

اما فيما يتعلق انحنئنا باللائمة في مقال الأمس على تخلف الاكثرية عن حضور «مهرجان ‏الانتصار»، فان صاحبنا الظريف الذي ايقظنا من النوم في ساعة مبكرة امس قال: كيف ‏تلومهم على عدم حضور المهرجان، فهل يفترض انهم «قد فقدوا عقولهم»؟ وهل بلغوا من ‏‏«الحماقة» لدرجة ان يتعرضوا الى «اتهامهم بالوطنية» والوطنية اصبحت من «المفردات الخشبية ‏البالية» في نظرهم وكذلك النضال والقتال والشهادة. اما اذا سئلوا: كيف تعتبرون النضال ‏والكفاح والاستشهاد «عادات بالية» وانتم ترون العدو نفسه يقاتل في سبيل ما يعتقده ‏حقاً. ولو كنا متأكدين من ان حقه باطل، وهل تربّي «الدول القادرة» ابناءها ومواطنيها ‏على التخاذل والقعود وعدم الاستعداد للنضال من اجل استرداد الحقوق المغتصبة او عدم ‏مواجهة العدوان؟‏

واذا كنتم ترون ان العدو الذي يبعث جنوده الى ساحات القتال يرتكب عملاً متخلفاً، واذا ‏كان ارسال الجنود الاميركيين الى «ساحات الوغى» لاحتلال بلد مثل العراق، حتى رغم ارادة ‏الشعب الاميركي ودون استشارته، دليل تخلف واستبداد وغشم وانتقال من الديموقراطية الى ‏الشمولية و«الى محاكم التفتيش» الجديدة، التي تلغي اساس النظام الديموقراطي، فلماذا لا ‏تعلنون ذلك، ام تخشون ان تتهموا بالتخلف وعدم «مماشاة روح العصر»؟‏

روى احد الظرفاء من شعراء الجنوب ان عنصرا من المشكوك في «ولائهم الوطني» اراد المفوض ‏السامي الفرنسي ان «يلّمع صورهم» فاوعز الى الدولة ان تنقلهم الى صيدا، لاتهامهم باعمال ‏معادية لسلطة الانتداب التي يعتبرها الفرنسيون تمثل «الشرعية»! فسئل احد المواطنين: هل ‏تعرف لماذا تم استدعاؤهم الى صيدا؟ فقال: لانهم «وطنيون يقاتلون ضد الانتداب»! وفي المساء ‏عاد هؤلاء «المتهمون» من جانب سلطات الانتداب دون ان يمسهم اذى، فعادوا فسألوا الشخص ‏نفسه كيف تقول انهم وطنيون، وها هم عادوا دون ان يحاكموا او يدخلوا السجن؟ فقال: يبدو ‏انهم اتهموا بالوطنية وعملوا المستحيل «لالباسهم» تهمة الوطنية، ولكن ثبت انهم «براءة»! لم ‏تثبت عليهم «تهمة» الوطنية او المقاومة!‏‏

وكلنا امل الا يكون كل هم «الاكثريين» اليوم ان يثبتوا للدوائر الاجنبية انهم بريئون من ‏‏«تهمة المقاومة او الوطنية».. لاننا نعرف انهم لو تركوا وشأنهم، ولم تقيدهم القيود ‏‏«الانتخابية» او «المناصب» التي يتوهمون انها لا يمكن ان تأتي الا عن طريق «نفوذ السفراء» ‏والمال السياسي والدعم الاجنبي و«المرونة» في تقبل الاملاءات واظهار الاستعداد للتكيُّف مع ما ‏يعتقدونه «رياحاً موسمية» وافدة، في حين انهم قد «يكتشفون» متأخرين، ان هذا هو «مقتل» ‏سمعتهم، امام ناخبيهم الذين هم جزء من الضمير الوطني العام الذي فطر على نبذ السياسيين ‏الذين «يؤمنون» بالتبعية للاجنبي، لان اللبناني بطبيعته الاصيلة لا يخضع للاملاءات حتى في ‏اسرته العائلية، فكيف يتقبلها من اجنبي غشوم، يعتبر نفسه متفوقاً على اللبناني ‏بالذكاء، في حين يتبين بوضوح وبعد التجربة، ان هذا الاجنبي يجسد الغباء، فضلاً عن ان ‏الذيلية والتبعية ممقوتة عند جميع الشعوب، على امتداد التاريخ وقبل شرعة حقوق الانسان ‏بزمن سحيق.‏‏

والذين «يغارون» من الحب والاعزاز اللذين حظي بهما السيد حسن نصرالله، وهو لم يسع اليهما ‏بل كانا «مكافأة عفوية» يستحقها شأن كل من يهب «المثل العليا» عصارة ما وهبه الله من ‏قدرة على العطاء، فاذا كان هنالك من «يحسده» على عنائه وجهاده، فليتفضل وليقل لنا ما ‏قاله السيد حسن صادقاً، بان يكون طموحه - رغم ما وصل اليه من مجد شعبي - ان يحرز ‏الشهادة، بينما وقفت مئات الالوف وكأنه قد مسها كهرباء او صعقها تيار، لانها رغم ‏تقديسها للشهادة، وتعظيمها للشهداء الكبار والصغار، فانها لا تريد منه ان يستهين بحياته ‏فهي ليست ملكه... والوطن بحاجة اليه، بل الامة لا تجد من امثاله نماذج كثيرة، فليحرص على ‏حياته من اجل وطنه وامته!‏‏

وقبل ان نختم نريد ان نسجل حواراً منقولاً حرفياً بين اثنين من السياسيين احدهما لا يستطيع ان ‏يجاهر باعجابه بالمقاومة وادائها واداء قائدها، والآخر يلوم «كتلته» لانها لا تقوم بعمل ‏تؤكد فيه الاعجاب الشعبي بادائها اذ قال الثاني للاول: نحن لدينا كل الامكانات التي ‏نستطيع بها ان نجمع الناس حولنا، ولكننا رغم كل تجمعاتنا السابقة، لم نلاحظ هذا الحماس ‏الذي تفجر عفوياً في المهرجان الذي اطلقواعليه اسم «مهرجان النصر». فقال له الأول: هل ‏تريد الصراحة، اننا يجب ان نضحي كما يضحون وان يكون لدينا «قضية» تلامس الضمير الوطني ‏كالقضية التي يقاتلون العدو من اجلها!‏‏

فاعتصم الثاني بالصمت طويلا وتنهد قائلا: اخشى ان يكون الحق معك!‏‏

وهذا يذكرنا بما نقل عن رئيس عربي في المغرب، عندما كان يرى جماهير بلده تحب زعيما عربيا ‏آخر خاض المعارك وتعرض مع شعبه لاكثر من عدوان: فخاطب جماهيره قائلا: انتم تحبون جمال عبد ‏الناصر، بماذا يمتاز جمال عبد الناصر عني؟ هو قلب النظام انا جعلت الباي (الملك في بلاده) ‏يتخلى عن العرش، عبد الناصر طرد الانكليز انا حققت الحكم الذاتي من الفرنسيين هو عمل ‏اصلاح زراعي انا «فككت الاحباس» (الاراضي التي كان يستغلها المستوطنون في بلده)، تقولون لي ‏انه امم قناة السويس انا اقول لكم هاتوا لي قناة وانا اؤممها!‏‏

اما اذا قالت الاكثرية «هاتوا لي عدوا وانا اتغلب عليه، فنقول لها: هذه اسرائيل لا تزال ‏موجودة، والمطلوب منك ليس ان تقاتليها، بل ان لا تقاتلينا بسبب مقاتلتنا لها!‏‏

وعندئذ سوف يقيم لك الشعب «مهرجان انتصار» على النفس!‏‏

2006-09-24