ارشيف من : 2005-2008
السيد فضل الله: لبنان يعيش في مهب الرياح الدولية والاقليمية والمحلية وهناك من يحاول العبث بنزاهة القضاء وقدسيته في أكثر من لعبة طائفية
والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "لا تزال أميركا تتخبط في مفرداتها السياسية التي تستخدمها في حربها ضد معارضيها في منطقة الشرق الأوسط، فقد دأبت على الحديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية الشعوب في التعبير السياسي الحر، في عملية إدانة للأنظمة التي وصفتها بالشمولية غير الملتزمة بهذه المبادىء، كما دأبت على دعوة بعض دول المنطقة إلى الالتزام بها، وفي مقدمها الدول الحليفة أو العميلة لها، مع استخدام بعض الأساليب المرنة التي تتحدث بإيجابية عن بعض الشكليات الديموقراطية في هذه الدولة أو تلك". "ولكن الإدارة الأميركية لم تركز في المرحلة الحاضرة على تلك المبادىء، لأن هناك سياسة جديدة تخطط لها في حملتها على بعض المواقع المعارضة لها، التي أخذت شرعيتها من خلال النهج الديموقراطي في حصولها على أصوات الأكثرية الشعبية المؤيدة لها، كإيران التي حصلت حكومتها على الأغلبية الساحقة من أصوات الشعب الإيراني في انتخابات حرة، وكحزب الله في لبنان الذي حصل على مواقعه السياسية في البرلمان اللبناني بأكثرية كاسحة في الجنوب والبقاع وبيروت، وكحركة حماس التي نجحت بأصوات الأكثرية الفلسطينية في انتخابات ديموقراطية حرة باعتراف العالم كله. ولكن أميركا أسقطت اعترافها واحترامها للديموقراطية في هذه المواقع، لأنها لا تتوافق مع سياستها الاستكبارية، ولأنها انطلقت في سياسة حرة مستقلة في التزاماتها بمصالح شعبها ضد السياسة الأميركية والإسرائيلية التي تعمل على الهيمنة على مقدرات الشعوب المستضعفة في المنطقة وفي العالم، ولاسيما العالم الثالث، وعملت على اعتبار المقاومة الإسلامية في لبنان والانتفاضة الجهادية في فلسطين حركتين إرهابيتين، لأنهما تتحركان من أجل تحرير الأرض والإنسان في مواجهتهما للعدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، الملتزمة بالكيان الصهيوني التزاما مطلقا على حساب الشعبين الفلسطيني واللبناني". اضاف:"أما إيران، فإن أميركا وصفتها بالدولة المارقة، واعتبرتها محور الشر، واتهمتها بدعم الإرهاب، وذلك لأن إيران تؤيد حركة التحرر في لبنان وفلسطين والعراق، وترفض الاستكبار الأميركي في سياسته واقتصاده وأمنه. وهكذا رأينا الإدارة الأميركية تطلق بعض المفردات الجديدة في حركة وزيرة الخارجية الأميركية في رحلتها في المنطقة، حيث تحدثت عن الاعتدال والتطرف، من أجل تحريك بعض الدول التي اعتبرتها دولا معتدلة ضد الدول الأخرى التي وصفتها بالمتطرفة، كإيران وسوريا، إضافة إلى بعض الحركات التحررية، كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وذلك من خلال إيجاد محور جديد من أصدقاء أميركا للتحرك السياسي بغية إرباك الواقع في المنطقة". "وهذا ما تحدثت به الوزيرة الأميركية التي أرادت من رئاسة السلطة الفلسطينية إسقاط حكومة حماس، لأنها لم تعترف بإسرائيل، ولأنها لم تستطع حل مشكلة الفلسطينيين، من دون أن تذكر أن السبب في ذلك هو الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني دوليا وإسرائيليا وعربيا بضغط أميركي. ولعل الأحداث الدامية التي حصلت في غزة بعد قدوم رئيس السلطة من رحلته إلى أميركا، كانت بفعل الإيحاءات الأميركية التي قدمت له التشجيع للقيام بالأوضاع القلقة التي أدت إلى النتائج الأليمة في نزف الدم الفلسطيني. ولا تزال الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية تتحرك من أجل استكمال عملية إسقاط حكومة حماس، أو تحريك الفتنة الداخلية في القتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، في خطة تهدف إلى الإيحاء بفشل الحكومة الفلسطينية في تجربتها في حساب المسؤولية". اضاف: "وهكذا رأينا أن الوزيرة الأميركية خططت مع أصدقائها في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لإيجاد محور عربي ضد إيران، للضغط على ملفها النووي السلمي، بالإيحاء بأنه يمثل الخطر على هذه الدول والمنطقة، بحجة أن إيران تعمل على إنتاج السلاح النووي، مع ملاحظة مهمة، وهي أن أي دولة من هذه الدول، لم تتحدث مع هذه الوزيرة عن السلاح النووي الإسرائيلي الضخم الذي كانت مصر قد طالبت بنزعه من المنطقة، لأنهم يعرفون أن الحديث عن إسرائيل بشكل سلبي هو من المحرمات الأميركية التي يخاف هؤلاء المعتدلون من تحريكه. وقد حاولت هذه الوزيرة أن تتحدث معهم عن الحل الحاسم للصراع العربي ـ الإسرائيلي، من خلال مطالبة الرئيس الأميركي بدولتين مستقلتين هما إسرائيل وفلسطين. وصفق المعتدلون لذلك، لأنهم ـ كعادة العرب ـ يلهثون مع الكلمات الأميركية الإيجابية التي تتميز بالخداع والإغراء واللعب على الألفاظ، لأن الاستراتيجية الأميركية ـ الإسرائيلية ترتكز على تنفيذ كل مطامع إسرائيل في فلسطين، حتى لا يبقى للفلسطينيين أي موقع للدولة إلا بما يشبه الدولة المسخ التي لا تقبل الحياة". وتابع:" ولم تنس هذه الوزيرة الحديث عن لبنان الذي استطاعت مقاومته البطلة التحريرية أن تسقط الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية في أهداف العدوان، وأن تصادر كل العنفوان الإسرائيلي للجيش الصهيوني الذي كان يقال عنه إنه الجيش الذي لا يقهر، فلم يحصل العدو على أي هدف من أهدافه المعلنة، ولم تستطع أميركا أن تحقق من خلاله أي هدف من أهدافها في إسقاط المقاومة ونزع سلاحها". واوضح: "ان هذا اللقاء الأميركي ـ العربي عمل على التخطيط لمواجهة المقاومة الإسلامية بمختلف الخطوط الداخلية والخارجية، في نطاق اللعبة الدولية والتجاذبات السياسية المحلية. ولكننا في ملاحظاتنا لهذه الزيارة الأميركية للمنطقة، نسجل بعض النقاط: أولا: ما هو مضمون الاعتدال الأميركي الذي تتصف به الدول العربية الثماني؛ هل هو الخضوع للسياسة الأميركية بشكل مطلق لتنفيذ كل خطوطها في المنطقة وخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وخوض حروبها ضد معارضيها؟ وهذا ما نلاحظه في بعض التصريحات لبعض هذه الدول في الحديث عن الخطر الإيراني، في الوقت الذي انفتحت إيران على كل دول الخليج وعلى مصر من الناحية الأمنية، وقدمت لهم المواثيق بأنها لم تخطط لصنع السلاح النووي، الأمر الذي يؤكد أنه لا مصلحة لكل هذه الدول في معاداة الجمهورية الإسلامية في إيران. ثانيا: إن من السذاجة اعتقاد بعض العرب أن وزيرة الخارجية قادمة إلى المنطقة من أجل إيجاد الوسائل الواقعية الكفيلة بحل مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وخصوصا في الوضع الذي تعاني فيه حكومة العدو من الضعف بفعل الخسائر التي تكبدتها نتيجة عدوانها على لبنان، ولاسيما أن المتطرفين في كيان العدو يرفضون أي حل يمنح الشعب الفلسطيني حريته في تقرير مصيره. ثالثا: إن أميركا لا تزال تعاني الأزمات الخانقة في احتلالها للعراق وأفغانستان، وفي أكثر من بلد عربي وإسلامي من الرافضين للنفوذ الأميركي. ولذلك فإن اندفاع هذه الدول في تأييد السياسة الأميركية، قد يخلق لها الكثير من المشاكل مع شعوبها، لاسيما بعد الاهتزاز الشعبي ضد الأنظمة التي وقفت ضد المقاومة ولمصلحة العدوان الإسرائيلي الذي كانت تخطط معه لإسقاط المقاومة". ودعا الأحرار من شعوبنا العربية والإسلامية إلى التحرك من أجل إفشال الخطط الأميركية الإسرائيلية، بالوسائل المناسبة، لأن قضية الحرية وحقوق الإنسان لا تلتقي بكل تلك الخطط، كما دعا الشعب الفلسطيني إلى الحذر من المؤامرة الجديدة التي يراد بها إسقاط القضية من خلال الذين ينفذون الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية لتحصل إسرائيل على ما تريد من دون حرب، وندعو كل الفصائل المجاهدة إلى العودة إلى المقاومة، لأنها وحدها التي تقود إلى التحرير". وقال:"أما لبنان، فإننا ندعو الشعب اللبناني إلى المزيد من الحذر من المخططات الخفية التي ترسمها بعض الخطوط الدولية من أجل خلط الأوراق، وإثارة المشاكل الهامشية، وتحريك الحساسيات الطائفية والمذهبية، وإشغال الناس عن قضاياهم الحيوية والمصيرية، وإبقاء قضايا الهدر والفساد في دائرة النسيان، لأنه ليس هناك من يحاكم حتى لو قدمت الحيثيات أمام القضاء، باعتبار أن هناك من يحاول العبث بنزاهة القضاء وقدسيته في أكثر من لعبة طائفية". وختم:" إن لبنان لا يزال يعيش في مهب الرياح الدولية والإقليمية والمحلية، ولا يزال بعض اللبنانيين مستغرقين في قضاياهم الحزبية والطائفية والمذهبية والشخصية، بعيدا عن الوطن كله وعن المواطنين، فكيف يعيش لبنان لدى الذين يقولون دائما "عاش لبنان"، في الخط الذي يحفرون فيه القبر الكبير له ولمواطنيه؟"