ارشيف من : 2005-2008

لقاء "من القلب إلى القلب" لثلاث ساعات: وقائع من جلسة "الفضفضة" بين نصر الله والحص

لقاء "من القلب إلى القلب" لثلاث ساعات: وقائع من جلسة "الفضفضة" بين نصر الله والحص

الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أول لقاء بين الرجلين منذ اندلاع حرب تموز.‏

شعر الحص بأن المسافة كانت أطول مما اعتاد عليه عندما كان يزور نصر الله في مقر الأمانة العامة في حارة حريك، ولكنه كان يدرك أن المتطلبات الأمنية كانت تفرض نوعا من "المناورات التمويهية" قبل الوصول إلى مكان اللقاء.‏

بعد قرابة ثلاثين دقيقة، وصل الحص الى إحدى الشقق حيث كان "السيد" في انتظاره. أقبل الرجلان واحدهما صوب الآخر ثم تصافحا بحرارة وتبادلا العناق. نظر الحص إلى نصر الله وقال له: الحمد لله على سلامتك.. الله ينصرك ويحميك.‏

بعد الاستقبال الحميم والدافئ، انطلق الحديث. كان لدى نصر الله الكثير ليقوله بأقل قدر ممكن من "الرقابة المسبقة" وهو الذي يضع ثقته الكاملة في الحص. لم تكن هذه الثقة بحاجة الى الاختبار ولكن الحرب الاخيرة شكلت برهاناً إضافياً على متانتها، حتى إن "السيد" قال قبل أيام، لأحد المقرّبين من الحص أثناء التحضير للزيارة: إن سليم الحص يفيض علينا من نقائه ونزاهته..‏

خلال العدوان، كان الحص حريصاً على إبقاء قناة تواصل ولو غير مباشرة بينه وبين نصر الله. كان في معظم الأحيان يدوّن أفكاره وآراءه على الورق ثم يبعث النص إما بـ"الفاكس" أو عبر "مرسال" الى الأمين العام لحزب الله الذي كان يسر كثيراً برسائل الحص، وهكذا ظلت العلاقة تحيا بـ"مصل" الحبر طوال فترة العدوان.‏

وعندما قال نصر الله خلال مهرجان الانتصار الاخير في الضاحية إنه سيرد على الكلام الذي استهدف جمهور المقاومة مع أن البعض تمنى عليه ألا يفعل ذلك، فإنه كان يقصد بهذا‏

"البعض" الرئيس سليم الحص الذي سبق له أن أبلغ "السيد" أنه يفضل ألا يخوض هو شخصياً في سجالات مع خصوم حزب الله، "لأنك إذا توليت أنت الهجوم، فمن سيصالح؟".‏

هذه الرغبة المشتركة في التلاقي المباشر تحققت إذاً ليل الاثنين الماضي. لم يتأخر الوقت قبل ان يبدأ الحص بتلمس مدى المرارة لدى الامين العام لحزب الله الذي راح "يفضفض" فيما كان ضيفه يستمع بإصغاء شديد. روى له "السيد" الكثير من الوقائع والأسرار التي "أذهلت الحص" حول مجريات حرب الـ33 يوماً وما رافقها من تهاون وتخاذل "ذوي القربى"، ولم يبخل نصر الله على ضيفه أيضاً بسرد العديد من التفاصيل العسكرية المتعلقة بالمواجهات التي دارت بين المقاومة والجيش الاسرائيلي.‏

استغرق هذا الحيّز وقتاً لا بأس به من الجلسة التي استهلكت عدداً من فناجين القهوة وأكواب الشاي ودامت قرابة ثلاث ساعات. بعد ذلك انتقل البحث الى مسائل سياسية راهنة، فعرض الحص مضمون "مذكرة التفاهم" التي وضعها رؤساء الحكومات السابقون وردود الفعل عليها، وكان رد نصر الله أن حزب الله يؤيد المذكرة من دون تحفظ وأنه سيعلن عن ذلك في الوقت المناسب. وأبدى "السيد" سروره للتعديل الذي أدخله الحص على مشروعه لحل الازمة الراهنة وهو التعديل المدرج في "مذكرة التفاهم" والذي يقترح تأليف حكومة وحدة وطنية فإجراء انتخابات نيابية ثم انتخاب رئيس للجمهورية يستلم الحكم بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، في حين ان الطرح السابق للحص كان يدعو الى حكومة وحدة فانتخابات تليها استقالة لحود وانتخاب رئيس جديد خلفا له.‏

وفي مسألة التغيير الحكومي، توافق الرجلان على أن لا مناص من تشكيل حكومة اتحاد وطني لانه لا يجوز ان تبقى هناك شريحة واسعة من اللبنانيين غير ممثلة في السلطة التنفيذية، عدا عن أن أداء الحكومة الحالية لا يبرر استمرارها. وفي هذا الاطار أطلع نصر الله ضيفه على معطيات خطيرة يملكها حول الخلفية التي كانت تتحكم بنظرة اتجاهات اساسية في الحكومة الى النازحين، وروى كيف أن أحد المسؤولين الإيرانيين عرض على مسؤول لبناني كبير تقديم المساعدة لإعادة إعمار الجسور فقيل له إن هناك من تعهد ببنائها، ثم طرح تقديم العون في إعادة بناء المدارس المهدمة فقيل له إن دولا عربية أخذت هذه المهمة على عاتقها، وهكذا على المنوال ذاته في ما خص الطرقات والمستشفيات... فقط لان مصدر المساعدة المقترحة هو إيران التي يرفض البعض أي دور لها في لبنان حتى لو كان إنسانياً.‏

وقال الحص لـ"السفير" إن الجلسة مع نصر الله كانت طيبة جداً، من القلب الى القلب، وهي اتسمت بنقاش صريح وصادق، وقد تناولنا خلالها تجربة الحرب الاسرائيلية على لبنان حيث تكلم "سماحة السيد" عن هذه التجربة بصراحة وإخلاص وكان لديه إحساس بالخيبة من مواقف بعض الجهات، كما تطرقنا بالتفصيل الى مذكرة التفاهم التي وقّعها رؤساء الحكومات السابقون، وشددت من جهتي على أهميتها لاستقطاب أوسع مروحة ممكنة من التأييد بغية تجاوز المماحكات السياسية واستعادة الحد الأدنى من الوحدة الوطنية المبعثرة، وقد شجعنا السيد نصر الله على هذا التوجه وأبلغنا بأنه يؤيد المذكرة كلها.‏

وأضاف: تداولنا كذلك في أهمية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي كنت أول من دعا إليها بعدما وصل مؤتمر الحوار الوطني الى طريق مسدود، علما أنه في ديموقراطيات العالم ليست هناك مؤتمرات حوار بل إن الحوار يدور في المؤسسات الدستورية وخصوصا في مجلسي النواب والوزراء، وهذا ما يستدعي الاسراع في تشكيل حكومة اتحاد وطني.‏

المصدر: صحيفة "السفير"/ كتب عماد مرمل‏

2006-10-05