ارشيف من : 2005-2008
بري القلق على الداخل يرفض ذهاب البلد إلى الفراغ
هزيمة".
ينطوي هذا التوصيف على قلق بالغ لدى بري، من أن البلد في ظل استمرار الحملات والأجواء السجالية المتفاقمة بين الفرقاء المختلفين، مقبل على ما هو أسوأ.. يقول بري: أنا خائف.
ثم يتابع تقويمه لما هو سائد في الساحة السياسية المحلية، فيرسم الصورة على طريقته بقوله: "بس الواحد يصير شاطر بالسواقة.. بيرجع لورا. ونحن مع الأسف الشديد، عم نرجع لورا... الامر الخطير ان المؤامرة مستمرة".
قبل سفره في زيارته الخاصة بعد الاعتصام النيابي في مجلس النواب، كان بري قد شرع في تنفيذ "أمر ما" على خط إعادة ربط العلاقات المنقطعة بين الفرقاء، ولا سيما بين حزب الله ووليد جنبلاط، وكذلك مع سعد الحريري. وعاد من السفر على أمل ان يستأنف ما بدأه، خصوصاً ان الاجواء كما لمسها كانت مشجعة. لكنه اصطدم بالسجال الصدامي على مختلف المنابر والجبهات، ما جعله يفرمل ما كان بصدده، أي إجراء لقاءات ثنائية من الاطراف المعنيين، تمهد لجلوسهم على طاولة حوار تلملم اشلاء الوضع الداخلي. ويشير بري في هذا السياق الى استمرار التواصل مع النائب وليد جنبلاط، وكذلك مع سعد الحريري الذي التقاه مساء أمس في مقر رئاسة المجلس النيابي في عين التينة.
والمؤسف في رأي بري أنه لا بد من الاستعانة بالخارج العربي لمعالجة الداخل اللبناني، وما يزال في هذا الاطار يعوّل على دور تلعبه المملكة العربية السعودية في مجال تبريد الاجواء والحلحلة الداخلية لما للمملكة من مكانة و"مَونة" في لبنان، وقد عبّر عن ذلك، خلال لقاء عقده خلال الساعات الماضية مع السفير السعودي عبد العزيز خوجة (الذي لم ينقطع التواصل بينه وبين حزب الله).
في اللقاء انطلق بري من إشارة انتقادية الى "المساعدات الكلامية فقط" التي رصدت للبنان في مؤتمر استوكهولم، ليعرب عن تقديره للمملكة وما تقدمه للبنان... "وإذا كان الدعم الاقتصادي مهماً، فالأهم هو الدعم السياسي". مع الاشارة الى ان الدعوة الى الرئيس بري لزيارة السعودية ما تزال قائمة.
وفي مجال الدعم السعودي تبلّغ بري من السفير السعودي تكفّل المملكة بإعادة إعمار 29 بلدة تضررت جراء العدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان، بما كلفته 232 مليون دولار اميركي، وهي: الطيبة، صريفا، النبطية، عيترون، كفرا، بيت ليف، كفرشوبا، قبريخا، بيت ياحون، مركبا، يحمر، تبنين، مروحين، صور، مرجعيون، الحوش، تولين، بليدا، الكفور، دير ميماس، زبقين، عين إبل، الحجة، صربا، الوزاني، صيدا، اضافة الى عدد من القرى في الشمال وعكار.
ويكشف بري عن أن كثيرين يطالبونه بعمل شيء ما، وبإطلاق ورشة حوار ثانية، على اعتبار ان البلد لم يعد يحتمل، والاحتقان السائد يهدد بكارثة. لكنه يقول "ان الحوار ليس للصورة، وليس للتسلية، وليس لتقطيع الوقت.. الحوار مسألة جدية". وقد أبلغ هذا الامر الى وفد فريق 14 آذار الذي زاره نهاية الاسبوع الماضي. وإذ يدرك بري أن المسؤولية ملقاة عليه في هذا المجال الانقاذي، لا يعتقد أن الظروف مؤاتية الآن. لكنه لا يقفل الباب على إمكانية أن تنضج الظروف لاحقا.. وبالتالي المبادرة إلى إطلاق الحوار.
وإذا كان الوضع سيئا حاليا، فهو في رأيه ينذر بالاسوا لاحقا، خصوصا ان البلد امام استحقاقات متعددة، أبرزها استحقاق رئاسة الجمهورية بعد تسعة اشهر، الذي سيطغى على كل شيء ويخطف كل الاهتمامات: "المرأة الحامل بدها تولّد بعد 9 أشهر، فكيف ستولّد في هذا الجو. يعني في حزيران المقبل يفترض ان يكون هناك تفاهم على الرئيس. فبغير هذا التفاهم سنصل الى أزمة. ويخالف رئيس المجلس ما اجتهد به بعض الاكثريين حول نصاب الجلسة الانتخابية التي سيعقدها المجلس النيابي لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، حيث يفيد الاجتهاد الاكثري بأنه اذا تعذر الثلثان في الجلسة الاولى، يُكتفى بالاكثرية المطلقة في الجلسة الثانية.
يقول بري، واستناداً لقناعته الخاصة، وكذلك للدكتور ادمون رباط في هذا المجال: نصاب الجلسة الانتخابية ثلثا اعضاء المجلس النيابي، أي 86 نائباً، ولتعقد هذه الجلسة يجب أن يتواجد في القاعة العامة للمجلس النيابي 86 نائباً".
يشير بري الى اقتراح تلقاه مؤخرا، بأن يصار الى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد من الآن، واستند صاحب الاقتراح الى سابقة انتخاب الرئيس الياس سركيس قبل ستة اشهر من انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجية. قال بري انه رفض هذا الاقتراح. وقد سأل من أتى به: من هو الرئيس، وعلى اي اساس سينتخب، فلم يلق جوابا؟
وفي مجال آخر، يعتبر بري ان الحل الامثل للبنان هو في تشكيل حكومة وحدة وطنية. ومن يرفض هذه الحكومة من حيث المبدأ، لا يفقه شيئاً في السياسة. ويستحضر التجربة التي تكون الوحيدة التي مرت على لبنان، أي "حكومة العشرة" بعد انتفاضة 6 شباط ,1984 والتي ضمّت الاقطاب الاساسيين جميعا. يقول رئيس المجلس: انا مع حكومة اتحاد وطني، والتي هي كناية عن مؤتمر حوار دائم الى حين تشكيل غيرها، ولكن ما هو السبيل لتحقيقها، والوصول اليها. يجب ان تكون الحكومة البديلة جاهزة ومتفقا عليها قبل رحيل الحكومة الحالية. لا يمكن الذهاب بالبلد الى الفراغ، يجب ان نعلم ان المسألة حساسة جدا، وجوهر الموضوع هو "الثلث المعطل". فإذا كانت المسألة ستقتصر على تعديل الحكومة الحالية، وتغيير بعض الوجوه وإحلال آخرين مكانهم لن يتغير شيء.
كانت صورة المأدبة الرمضانية في السراي الحكومي، مهمة لدى رئيس المجلس وخصوصا لتلك "التشكيلة" المختلفة، التي توزعت على الطاولة الرئيسية، وضمت للمرة الاولى الرئيس ميشال عون بين رؤساء الحكومة السابقين. علّق بري باقتراح طريف، بأن عون صار عضواً في المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى، على اعتبار ان رؤساء الحكومة السابقين هم اعضاء حكماً في المجلس الشرعي؟!
بري قلق من تطورات الوضع الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة، وأكثر ما يخشاه ان تصيب شظايا التوتر الفلسطيني لبنان.. وفي الوقت ذاته، هو ناقم جدا من كلام كوندليسا رايس حول انفراط تحالف "حزب الله" وحركة "أمل". بري تصدى شخصيا لكلام وزيرة الخارجية الاميركية لانهم كما فسر كلامها ينوون العمل في هذا الاتجاه، وهو متيقن انهم سيفشلون.
ويقول بري انه اذا اراد ان يحكي، فهو يكتم الكثير الكثير، وكتمانه هذا يندرج ضمن شعار رفعه لهذه المرحلة، وهو "كتم الغيظ" لعلنا نتجاوز هذه المرحلة ويمر البلد بأقل الخسائر.
ولكن، يبدو ان كتم غيظه مهدد بأن يتعرض للخرق، جراء التباطؤ (الحكومي) غير المبرر في إزالة آثار العدوان، فضلا عن "العرقلة غير المفهومة" لمساعدات من قبل سوريا، والتي قررت ان تعيد إعمار ثلاث بلدات: قانا، صديقين والقليلة. وكذلك من قبل إيران التي اعربت عن استعدادها لتزفيت كل الطرقات، وفي المقابل تلاقي مماطلة. والسؤال الذي يطرحه بري: لماذا، وهل لذلك علاقة بالسياسة؟
في أي حال، وفي مقابل عرقلة المبادرة السورية، اتُخذ قرار: ابدأوا الاعمار ومن غير المسموح لأحد ان يعرقل؟. وأما في شأن المساعدة الايرانية، فثمة لقاء لبري مع السفير الايراني، وسيستوضحه، وفي حال تأكدت العرقلة، سيبادر بري الى اعتمار "برنيطة" وينزل الى الشارع ويتابع اشغال التزفيت شخصيا.
التقى بري مؤخرا وفداً روحياً، عبر أمامه عن بالغ استيائه مما قاله سمير جعجع في مهرجان حريصا، وقال: لا يجوز أبدا المساواة بين مارون الراس.. وعين الرمانة، في الأولى مقاومة، وفي الثانية..جريمة!
المصدر: صحيفة "السفير"