ارشيف من :ترجمات ودراسات

"السكود": زوبعة في فنجان أم تمهيد لعاصفة

"السكود": زوبعة في فنجان أم تمهيد لعاصفة

مصطفى الحاج علي
كما هبت بسرعة زوبعة صواريخ "سكود"، مالت الى الهدوء بسرعة أيضاً، إلا أن هذا لا يقلل أبداً من أهمية الحقل الدلالي الذي يتفاعل فيه ملف الصواريخ إجمالاً، والمؤشر الأبرز هنا هو السرعة التي جرى بها تلقف المعلومات التي أوردتها كل من صحيفة "الرأي" الكويتية، وصحيفة "وول ستريت جورنال" الاميركية، هذه المعلومات التي لم تأت معزولة السياق، وإنما سبقها الكلام أيضاً في وسائل الاعلام عن أن لدى الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة معلومات عن وجود عناصر من حزب الله يقومون بتدريبات على كيفية استخدام هذا النوع من الصواريخ، والذي دفع ـ بحسب هذه المعلومات ـ واشنطن الى التدخل مباشرة لدى دمشق لمنع حصول حزب الله على هذا النوع من الصواريخ، كما دفع الكيان الاسرائيلي الى التفكير بتوجيه ضربة عسكرية لقافلة قيل انها تحمل شحنة من الصواريخ داخل دمشق كرسالة مزدوجة، إلا أنه في آخر لحظة تركت المسألة للاتصالات الديبلوماسية خشية ان يؤدي تطور من هذا النوع الى انفلات الأمور على نحوٍ دراماتيكي لا يريده أحد في هذا التوقيت.
ثمة أقوال وآراء كثيرة قيلت في صواريخ "سكود" أبرزها أنه لن يضيف شيئاً الى المخزون الاستراتيجي لحزب الله، كما أن طريقة اشغال هذا النوع من الصواريخ، والوقت الذي تستهلكه تجعل من إمكان التعامل معه بسرعة أمراً سهلاً، فالفاصل الزمني بين التحضير والاطلاق يصل الى نصف ساعة، وهذا بحد ذاته وقت كافٍ لتوجيه ضربة اليه، كما أن صواريخ "باتريوت" نجحت الى حد ما بتوجيه واصطياد هذا النوع من الصواريخ وهي ما زالت في الفضاء.
وثمة خبر آخر، لا يقل أهمية في توجيه دلالات زوبعة صواريخ "سكود" الأخيرة، وهو ما نقلته مجلة "جيلز" البريطانية منذ فترة غير بعيدة عن أنه بات لدى حزب الله قدرات صاروخية من نوع فاتح 115 التي هي أكثر تطوراً وقدرة من صواريخ سكود، وبالرغم من هذا كله فلقد اختار الكيان الاسرائيلي الصمت وعدم التعليق.
والى هذا وذاك، وبالرغم من مظاهر التهويل والتهديد وابداء القلق من مسألة "السكود"، إلا ان كلاً من واشنطن وباريس احتفظتا بهامش تشكيك بصحة المعلومات التي أوردتها كل من صحيفة "الرأي" و"وول ستريت جورنال".
ومن ثم دخلت أصوات اسرائيلية بسرعة على الخط لتؤكد بأن صواريخ "سكود" ليست هي الصواريخ الكاسرة للتوازن التي تستحق الرد السريع.
ماذا تعني هذه الملاحظات في الاجمال؟
أولاً: ان الكلام عن صواريخ "سكود" ليس إلا مجرد ذريعة وجد فيها الكيان الاسرائيلي فرصة، أو أنه منسقها سلفاً مع وسائل الاعلام المذكورة لتحقيق جملة أهداف، تتمثل بدفع قضية الصواريخ مجدداً الى لائحة الاهتمام، وجدول اعمال الاهتمام الدولي والاقليمي، لتحويل الانتباه بعيداً عما يجري في فلسطين، ولإعادة استجلاب المواقف الداعمة لأمن هذا الكيان، واظهار نفسه بمظهر المهدد في استعادة لصورة الضحية في سياق اعادة ترميم صورته الاخلاقية المنهارة في الخارج.
واذا أخذنا بعين الاعتبار الإطار الاستراتيجي الشامل الذي يضع فيه الكيان الاسرائيلي مسألة الصواريخ، فإن استجلاب الضغوط وتركيزها على جبهة من جبهات هذا الاطار، سيمتد تلقائياً ليصيب الجبهات الأخرى.
وثمة ما يريد الكيان الاسرائيلي قوله، وهو ان الخط البياني لتراكم قوة حزب الله الصاروخية يكاد يصل الى النقطة التي لم يعد بامكانه تحملها، وبالتالي، فقد يكون المقصود ليس صواريخ سكود بحد ذاتها، وانما الصواريخ ينظر اليها كسلاح كاسر للتوازن، وقد يكون تحديداً هنا الصواريخ المضادة للطائرات.
وبناء عليه، فالكيان الاسرائيلي يعلن بأن الخطر الأكبر والمباشر عليه ليس ايران أو سوريا، وانما المقاومة في لبنان.
ولا شك، ان الكيان الاسرائيلي برفعه صوت التهديد العالي على وقع ايقاع الترسانة الصاروخية، انما يستهدف أيضاً ابقاء مسألة التحريض الداخلي على سلاح المقاومة مفتوحاً، من خلال تزويد المعنيين بها بالمادة اللازمة، لا سيما في ضوء ما خرجت به طاولة الحوار مؤخراً".
ثانياً: من الواضح، ان مجمل المواقف التي صدرت جهدت لتؤكد أن الأمور لن تخرج عن مسارها، وانها ستبقى مضبوطة دون التدهور نحو حربٍ واسعة.
ثالثاً: ما بين هذا أو ذاك، تظهر محاولات الردع كهدف بحد ذاته، بمعنى أن المواقف التي صدرت انما هدفت الى توجيه رسائل الى المعنيين بضرورة التنبه الى الوجهة التي تتجه اليها الأمور في حال الاستمرار في سلوك نفس النهج.
رابعاً: كان لافتاً في معظم المواقف التي صدرت تركيز الرسائل على العنوان السوري وصولاً الى تهديد أحد الوزراء الاسرائيليين بإعادة دمشق الى العصر الحجري في حال استمرت في تزويد أو تسهيل وصول سلاح كاسر للتوازن الى حزب الله.
هنا تأخذ الدلالات ابعاداً متعددة، أبرزها:
أ ـ سعي اسرائيلي لادخال ملف التسلح كبند اساسي في ملف العلاقات السورية ـ الاميركية.
ب ـ ان هناك مطالب اميركية في سوريا تتعلق في لبنان والعراق لم تجد آذاناً صاغية لدى دمشق، ما دفعها لاستغلال هذه الورقة كأداة ضغط لتليين مواقفها.
وفي مطلق الأحوال، فإن تراجع الكلام عن هذا الملف بسرعة نسبية يكشف ان ما جرى كان مجرد استفادة ظرفية في سياق تراكمي، وهذا هو المؤشر الأخطر، كما يكشف ان توقيت تفجير الأمور ما زال دونه وقت غير معلوم.

2010-04-20