ارشيف من :ترجمات ودراسات

أسرار تهجير "الموساد" لليهود السوريين عبر لبنان في السبعينات

أسرار تهجير "الموساد" لليهود السوريين عبر لبنان في السبعينات
المصدر: "اسرئيل اليوم"
كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" الاسرائيلية تحت عنوان "سبيل الفرار" الطرق والأساليب التي لجأ إليها اليهود السوريون للهجرة إلى الكيان الغاصب عبر لبنان. وأشارت إلى أن هذه الأحداث جرت في العام 1972 حينما كان اليهود السوريون يتمركزون في كل من دمشق وحلب.
واشارت الصحيفة إلى أن مئات من الشبان اليهود في سوريا "الذين تربوا كيهود صهاينة مع حليب أمهاتهم" كانوا يبحثون عن سبل للوصول إلى "أرض الميعاد". وكان المنفذ الأسلم هو الهروب إلى لبنان حيث "سرت الإشاعات في صفوف الشبان اليهود في حلب بأن من يصل إلى بيروت، ينال "عوناً خاصاً" من أجل الوصول إلى إسرائيل. وتعززت الإشاعة في كل مرة كان "يختفي" فيها عدد من الشبان فجأة. فالأرض فجأة تبتلعهم، ولا أحد يعلم ماذا جرى معهم".
وبحسب "إسرائيل اليوم" فإن الإشاعات كانت صحيحة. إذ أنه طوال ثمانية شهور، من أيلول 1972 إلى نيسان 1973 نفذ الموساد وسلاح البحرية الإسرائيلية أكثر من عشرين عملية سرية لتهجير شبان يهود من سوريا، عن طريق بيروت. وحسب جهات في سلاح البحرية فإن كل عملية كانت تشمل ما بين خمسة إلى ثلاثين مهاجراً. وفقط قلة كانت تعلم بأمر هذه العمليات حتى يومنا هذا.
وأشارت الصحيفة إلى أن اثنين من قادة الموساد السابقين، اسحق حوفي وناحوم أدموني، أبلغاها أنهما لا يعلمان شيئاً عن هذه العمليات. كما أن جهات عسكرية عدة زعمت أنه ليس هناك أي تسجيل لعمليات هجرة يهود سوريين في تلك الفترة. كما أن المؤرخين العسكريين فوجئوا عند الاستفسار منهم عن هذه العمليات.
ولكن ضباط كباراً في الجيش الإسرائيلي أكدوا أمر مشاركتهم في هذه العمليات شرط البقاء مغفلي الأسماء. وبالمناسبة فإن من هاجروا عبر هذا السبيل تم تصويرهم وقيل لهم: ذات يوم تستطيعون أن تعرضوا هذه الصور على أحفادكم. ولكن أحداً لم يعطهم الصور حتى اليوم.
وروت الصحيفة قصة عائلة حبيب التي كانت مشهورة في حلب. ونسيم، كان تاجر أقمشة. ولديه من زوجته سبعة أبناء وخمس بنات. وفر ثلاثة من أبناء هذه العائلة في محاولة للوصول إلى إسرائيل. وكان أول "المختفين" الابن يوسي، وبعده موشي ثم الابنة ريتا.
وقال يوسي «أردت الهجرة لإسرائيل لأسباب دينية وصهيونية... أردت أن أخدم في الجيش والمساهمة في بناء الدولة. أردت أن أموت في إسرائيل. وكانت المجازفة تستأهل في سبيل تحقيق هذا الحلم». واليوم يبلغ يوسي 56 عاماً وهو برتبة مقدم في القوات الاحتياطية ويتذكر هروبه من حلب. ويقول «إن معظم الشبان الهاربين فعلوا ذلك بالاستعانة بدليل محترف, وكثيراً باستخدام بطاقة هوية مزورة. لكني لم أرغب في تزوير أوراق, ونظرت للأمر على أنه إجرامي أكثر من اللزوم. كل عائلة يهودية في سوريا كانت تعلم أنه في حال اختفاء أحد أبنائها عليها أن تبلغ السلطات. وفي العادة كانت الشرطة تعتقل والد «المختفي» على الأقل لبضعة أيام وفي حالات كثيرة تعرّضوا لتعذيب شديد للإبلاغ عما يعرفونه عن الهروب".
ويضيف يوسي: "سمعنا عن تاجر مخدرات عربي مستعد لنقل أفراد إلى بيروت من دون بطاقات هوية مقابل 1500 دولار. وكان هذا مبلغاً كبيراً بمقاييس ذلك الزمان. توجّهت إلى أحد المدرسين اليهود ورويت له عن نيتي الهرب وحاجتي إلى 1500 دولار لتسليمها للدليل. أعطاني المدرس المبلغ وقال لي: إذا كان هذا لمصلحة أرض إسرائيل، فلا مشكلة. في النهاية علم أهلي بالأمر ودفعوا له المبلغ".
وفي التاسع عشر من تشرين الأول 1972 خرج يوسي وأربعة من أصدقائه وتركوا كل شيء خلفهم. ويقول «ركبنا حافلة إلى حمص من دون أن نحمل بطاقات هوية وفقط حملنا ميداليات تشير إلى أننا مسلمون. وكل ذلك من أجل أن لا يكتشف أحد أننا يهود».
المهم أن يوسي وصل إلى نقطة اللقاء مع المهرب الذي سينقله إلى لبنان. وقد أخذ المهرب يوسي وأصدقاءه وبعد ساعات قام بنقلهم فجراً على حمير عبر الحدود مع لبنان. ويقول يوسي: «عبرنا الحدود بسلام ووصلنا إلى بعلبك. واتصل المهرب بزميله اللبناني وطلب منه نقلنا إلى بيروت... لكن الشرطة اللبنانية ضبطتنا واعتقدنا أن مهمتنا فشلت وأننا سنخضع للاعتقال. غير أن أحدهم دس مالاً في يد الشرطة فتركونا نمضي في سبيلنا».
وفي بيروت اتصل يوسي وأصدقاؤه بعدد من يهود بيروت طلباً للمساعدة. وفعلا قدم هؤلاء المساعدة وتبين أنهم سبق لهم أن قدموا المساعدة لشباب يهود فروا من حلب إلى إسرائيل. وأخبرتهم عائلة يهودية بأن عليهم الاستعداد للسفر. ووصلت سيارة حملت خمسة من الفارين. ويقول يوسي إن «السائق، على ما يبدو إما رجل موساد أو عميل، ارتدى بزة. وكان مسلحاً. وأخذنا إلى منطقة الميناء، حيث التقينا بشبان آخرين وصلوا بسيارات أخرى. وقادنا العملاء إلى غرفة صغيرة قرب مطعم مغلق في الميناء. ووضعنا عميل آخر في زورق صغير. وكنا خمسة. وأعطى كل واحد قرص دواء ضد دوار البحر وطلب منا التزام الصمت».
شرع الزورق في التقدم في عمق البحر في ظلمة شديدة. ولم يكن يوسي يعرف ما سيحدث لهم. وبعد «ساعة إبحار في الزورق شرع قائد الزورق بإعطاء إشارات من مصباح. وبعد ثوان رأينا إشارات ضوئية مقابلة. وحينها حدث ما لن أنساه أبداً: في الظلمة بدأنا نرى خيال سفينتين. كانتا سفينتي دبور تابعتين لسلاح البحرية...».
ويقول يوسي «أنزل الجنود سلالم من حبال بدأنا في تسلقها ولم تكن المهمة بسيطة. ... وعلى السفينة نظرت فرأيت الجنود بالزي العسكري الإسرائيلي... وكان هذا شعوراً رائعاً». وشرعت السفينتان في الابتعاد عن الساحل اللبناني فيما عاد الزورق الصغير إلى بيروت. واستمرت الرحلة ثلاث ساعات في البحر وفي صبيحة 23 تشرين الأول 1972 نزل يوسي حبيب إلى الشاطئ الإسرائيلي. وتم نقله ورفاقه إلى قاعدة بحرية للراحة وهناك تمّ منحهم بطاقة مهاجر.
وبعد ذلك أخضعتهم السلطات العسكرية للتحقيق بغرض معرفة كيف وصلوا إلى بيروت. وبعد انتهاء التحقيق تم نقلهم إلى مطار اللد، حيث طلب إليهم القول بأنهم دخلوا عن طريق المطار من باريس أو من قبرص. وتم التشديد عليهم أن لا يقولوا لأحد كيف وصلوا فعلاً.
وبعد خمسة شهور من ذلك فرّ الأخ موشي وهو في سن الخامسة عشرة والنصف. ووصل هو الآخر إلى بيروت عبر مهرب شاب، ولكن عبر المنفذ الحدودي وليس عبر الجبال. ومرة أخرى تم الإبلاغ وجرى اعتقال الوالد، ولكن أفرج عنه خلال وقت قصير.
ووصل موشي إلى حارة اليهود في وادي أبو جميل، حيث توجه مباشرة إلى الكنيس والتقى بشاب يهودي حلبي كان قد «اختفى» هو الآخر قبل أيام. وفي داخل الكنيس تعرف على عدد من الشباب اليهودي الحلبي الذين أقاموا هناك. وفي اليوم التالي جاء رجال وجمعوا 12 شاباً في سيارتين إلى الميناء.
وأيضاً وصل موشي إلى إسرائيل في آذار 1973 على ظهر زورق صواريخ تابع لسلاح البحرية. وبعد ذلك وصلت الأخت ريتا مع اثنين من أصدقائها إلى إسرائيل بعدما دفعت لأرمنية 3000 دولار من أجل تهريبها إلى بيروت. وأيضاً وصلت إلى الكنيس واستضافتها عائلة يهودية تسمّى عائلة أنغلجي». وخلافاً لأخويها بقيت ريتا في بيروت ثلاثة أسابيع.
وكتبت «إسرائيل اليوم» أن إيصال الشبان ونقلهم إلى الميناء كان من مسؤولية الموساد. وكانت العملية تتم دوماً في الليل. وعندما تم نقل ريتا كانت المجموعة التي غادرت معها تضمّ ما لا يقل عن 30 يهودياً.
وكان «الموساد» عندما يجتمع في بيروت عدد كاف من اليهود الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل يعطي الضوء الأخضر لقيادة سلاح البحرية. وتنقل الصحيفة عن العميد احتياط جدعون راز قائد القاعدة البحرية في حيفا أن السلاح لم يكن يعلم بتفاصيل العملية، ولا حتى بعدد القادمين. ولذلك خصص للأمر زورق صواريخ وسفينة دبور تكون جاهزة على الدوام. «وكنا على استعداد كل مساء للخروج لتنفيذ المهمة حال الحصول على الاشارة». ويؤكد راز أن هذه العمليات كانت محاطة بسرية تامة وأنها كثيراً ما فشلت.
أما العميد إيلي راهف فكان حينها قائداً لسفينة صواريخ ونفذ مراراً عمليات كهذه لتهجير اليهود من سوريا. وقال «إن أساس العمل كان يجري على الأرض اللبنانية من جانب رجال الموساد, وكنا نحن نكمل المهمة». ويتذكر راز أن الزورق كان يقف بعيداً عن السفينة الحربية ويقوم رجل الموساد, وهو مسلح, بإعطاء كلمة السر وفقط بعدها يسمح للزورق بالاقتراب ويقوم حينها زورق دبور بواجب الحماية».
2010-04-22