ارشيف من :ترجمات ودراسات

عندما ترضخ واشنطن لتل أبيب: كيان فلسطيني بحدود موقّتة، بلا مضمون

عندما ترضخ واشنطن لتل أبيب: كيان فلسطيني بحدود موقّتة، بلا مضمون
حسان ابراهيم

يبدو أن الصفقة قد تبلورت بالفعل بين الإدارة الأميركية وحكومة بنيامين نتنياهو، مما يرشح من معطيات، وتحديدا من معطيات نشرها الإعلام الإسرائيلي تباعا في الأيام الماضية، تبدو الصفقة ملائمة للطروحات الإسرائيلية، أكثر من ملاءمتها للطروحات الأميركية، مع "صفر تنازلات" لجهة تل أبيب. المعنى هو أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما "فضلت" الانسحاب من الضغوط ومجاراة نتنياهو، وبالتالي حرف الضغوط الأميركية التي لم تفعّل في الأساس، باتجاه السلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، الجهة التي تراها واشنطن وتل أبيب على أنها جهة " غب الطلب" ويمكنها أن تلبي أية مطالب مهما كانت، مذلة ومحرجة.

بحسب "نقاط الصفقة" المتبلورة، والمعلن عنها بصورة غير مباشرة من قبل الإعلام الإسرائيلي، أن على بنيامين نتنياهو أن "يقبل" بدولة فلسطينية بحدود موقتة، أي كيان سياسي فارغ من المضمون، مقابل ترحيل الحديث عن القدس إلى المستقبل، وعدم التطرق إلى اللاجئين، أي إنهاء مسألة الاستيطان، سواء في القدس أو في الضفة الغربية، ونزعها من التداول.

وتأتي زيارة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جورج ميتشل، لتضفي مصداقية إضافية على الحديث الإسرائيلي، بمعنى انه كان يؤجل زيارته إلى المنطقة ما دام أن الردود الإسرائيلية على المطالب الأميركية، وهي لائحة من المطالب، لم ترد إلى واشنطن بعد.

لا يخفى أن إستراتيجية الولايات المتحدة، بمعنى إستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، هي الربط ما بين الساحات في المنطقة، والسعي إلى خروج القوات الأميركية بأقل الخسائر ممكنة، مع ترك إيران ضعيفة، والإبقاء على تابعية الساحات التي انهزمت فيها تابعة لها، هذا إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.

ويشير "التنظير" الأميركي إلى أن أحد أهم الأسس التي توفر لإيران مادة معتبرة "للتدخل" في أكثر من ساحة، هو القضية الفلسطينية، وإذا ما استطاعت واشنطن حل هذه المسألة عن طريق التسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية فترى أنها ستحجب عن إيران إمكانية تواصل حضورها وتأثيرها بما يتعارض مع التوجهات الأميركية، كما أن إيجاد حلف ظاهر وعلني وسافر ضد إيران مع الدول العربية، التي تسمى معتدلة، يوجب أيضا حل القضية الفلسطينية، منعا من إحراج هذه الأنظمة، ما دام أن القضية الفلسطينية لم تحل.

من هنا، تجد واشنطن ربطا ما بين وجودها العسكري وإمكان انسحابها وترك الساحة المنسحبة منها تابعة لها، بحيث لا تنحرف باتجاه طهران، وبين حل القضية الفلسطينية، وهذا يوجب عليها السعي وبذل الجهود ليس انطلاقا من "مساعدة دولة حليفة (إسرائيل) بل انطلاقا من مصلحتها الخاصة"، كما أشار أخيرا السفير السابق للولايات المتحدة لدى إسرائيل، مارتن إنديك، والمعروف انه قريب جدا من الإدارة الأميركية الحالية.

بهذا المعنى، فان الجهد الأساسي الذي تبذله واشنطن هو الوصول إلى تسوية على المسار الفلسطيني، كمصلحة أميركية بحتة، وما عملية الطلب بتجميد الاستيطان، في الأساس، إلا نوع من اللفتة التي رأى أوباما ابتداءً أنها مفيدة في إطار "إرضاء" الحكومات العربية المعتدلة، لكن حساباته كانت خاطئة، فلا استجابة فعلية من قبل إسرائيل، ولا اهتمام، من ناحية فعلية، لدى العرب.

في الفترة الأخيرة، وجدت واشنطن نفسها في حرج حقيقي، فهي تريد أن تظهر وجود أزمة مع إسرائيل على خلفية الاستيطان، وبالتالي الإظهار أنها فرضت تجميد الاستيطان فرضا على إسرائيل، لكنها في نفس الوقت لا تريد أن تصل إلى أزمة معها.. من الحراك الأخير والإعلان عن تسوية بينية بين الجانبين، يبدو أن واشنطن فضلت القفز عن مطالبها التي رأت أنها لن تقدم شيئا سوى فائدة معنوية، باتجاه اجتراح حل آخر، قد لا يكون حلا كاملا، لكنه يفضي إلى ما يؤسس للنظرية الأميركية حيال إيران: نزع "ذريعة" فلسطين من اليد الإيرانية.

الحديث الإسرائيلي الأخير عن "قبول" أو إمكان قبول دولة فلسطينية بحدود موقتة، وعن حل مع واشنطن وتغاض عن الاستيطان، لا يعني من ناحية عملية الوصول إلى حل أو إلى تسوية على المسار الفلسطيني، وبالتالي لن يكفي واشنطن كي تنزع "الذريعة" من إيران ومنع تواصل نفوذها في المنطقة، ودائما بحسب الرؤية الأميركية لواقع إيران ونفوذها. لكن يمكن القول ان الإدارة الأميركية كانت في سباق مع الزمن، من جهة تواصل إيران مساعيها النووية وترفض ما يقال انه عروض غربية حيال هذا الملف، والوقت أصبح ضيقا جدا حيالها، خاصة أن هناك استحقاق انسحاب أميركي ما يفضي بطبيعة الحال إلى تراجع النفوذ الأميركي في الساحات التي تلعب فيها بشكل تناقضي مع إيران (العراق وأفغانستان)، وبين المسارعة إلى تسوية على المسار الفلسطيني. وعملية انتظار نتائج الضغوط الأميركية على تل أبيب يبدو أنها ستطول، خاصة أن الضغوط لم تكن، وليس بالإمكان أن تكون كبيرة ومؤثرة، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية للاكتفاء بحلول على شاكلة، دولة بحدود موقتة.

هل هذا يعني أن باراك أوباما قد اكتفى بتحقيق هذه النتائج على تواضعها؟ لا يبدو ذلك. لكن الإمكانيات المتوافرة لديه لا تسمح له بالوصول إلى نتائج أكثر فاعلية مما يبدو انه حصل عليه، وبالتالي لن تفضي الصفقة إلى ما أراده ابتداءً.

نتائج الكباش الأميركي الإسرائيلي، وما جرت تسميته بالأزمة، لم يوصل واشنطن إلى ما تريد، ويمكن القول ان الإدارة الأميركية قد رضخت بالفعل، وفي نهاية المطاف، إلى الممانعة الإسرائيلية، وليس العكس.
2010-04-24