ارشيف من :أخبار لبنانية
تيري رود لارسن وآخر خرطوشة لمهمة جديدة
صحيفة "تشرين" - ناصر قنديل
الحملة التي أطلقها قادة الكيان الإسرائيلي وتلقفتها بعض الدوائر الأميركية، حول وصول شحنات من صواريخ السكود إلى المقاومة اللبنانية عبر الحدود مع سورية، ليست تمهيدا لحرب جديدة، إذا ربطنا بينها وبين سياق الرواية الإسرائيلية نفسها، التي تقول إن هذه الصواريخ مصدر للخطر ويجب عدم السكوت عنها، لأنها تقلب الموازين في المنطقة، ووصل بعض القول الإسرائيلي إلى أنها تجعل الحرب الإسرائيلية مستحيلة، وربما تنقل قرار الحرب إلى الجهة المقابلة، وبغض النظر عن صحة الأمرين، وجود الصواريخ من عدمه، ومدى أهميتها في الموازين العسكرية، ينبئ الحديث الإسرائيلي بأن الحرب إذا كان لها أن تقع يجب أن تقع منعاً لوصول هذه الصواريخ، وليس بعد وصولها.
الأكيد أنه لو كانت الحملة الإسرائيلية مبنية على وقائع حسية، كأن رصدت الطائرات ووسائل التجسس الإسرائيلية مثل هذا التدفق عبر الحدود، لكانت الحربية الإسرائيلية سارعت لاستهدافها فورا، بعملية محدودة تعلن عنها وتؤكد انها محدودة لمنع إخلال بالقرار 1701 يحدث من دون قيام الدولة اللبنانية واليونيفل بمنعه، أو عدم قدرتهما على منعه، ولكانت تلك ذريعة مناسبة لدخول الحرب إذا كانت إسرائيل تنتظر الذريعة، وفرصة لتظهير القضية على عدسة مجهر إذا كانت بمستوى الأهمية الذي تدعيه، واستعادة نسبية لهيبة قوة الردع المفقودة إذا لم تتحول إلى حرب.
الأكيد أيضا أنه لو كان التلقف الأميركي مبنياً على وثائق ثبوتية، لما سمعنا كلاما أميركيا فقط بل لرأينا أفعالا، تتمثل على الأقل بتقديم صور الأقمار الصناعية التي قد تشبه ما قدمه كولن باول قبل سنوات حول أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق، لكنها تبرر التزخيم المطلوب للحملة، ولما كنا سمعنا حتى في الكلام الأميركي هذه الحشرجة الصوتية المعطوفة بجميع أدوات الشرط اللغوية، من نوع إذا صحت المعلومات، وإذا ثبت ما يقال، ولو تأكدت الاتهامات، ولو كان هذا صحيحا، إلى آخر أداة شرط تمكنت اللغة من إنجابها.
ليس مهماً من زاوية نظر المقاومة الدخول في النقاش حول صحة وعدم صحة امتلاكها هذه الصواريخ، وهي لم تتبرع ولن تتبرع بتقديم المعلومات للعدو عن جهوزيتها العسكرية وما تحتوي، وليست المقاومة معنية بالجواب حول فاعلية ونوعية صواريخها في حال نشوب حرب، وقد أعلن قائدها على الملأ أنها ستطول كل المدن والمواقع في فلسطين المحتلة، وتمتلك قدرة التدمير التي تتناسب مع وعده بتدمير مبانٍ في تل ابيب إذا دمر مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت.
المهم أن هذه الحملة ليست مجانية، وأن مراميها ليست الحرب، وهي بالتالي جزء من دعاية منظمة لبلوغ هدف سياسي، وقد يكون الهدف هو الإرباك والتشويش على العلاقة الأميركية مع سورية وإعلان الاشتراك غير المباشر والمباشر في آن واحد في مناقشات الهيئات الأميركية المعنية بالعلاقة مع سورية ،عشية إرسال السفير الأميركي الجديد إلى دمشق ، والمطالبة بثمن يسدد أميركياً لإسرائيل كالثمن الذي قبضته ضمانات مالية ومساعدات عسكرية مع كل صفقة سلاح تباع لدولة عربية حليفة للولايات المتحدة الأميركية، وقد يكون أيضا في روزنامة الحملة التغطية على الاشتباك السياسي القائم بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية حول ملف الاستيطان وخصوصا في القدس الشرقية، لإعادة إنتاج مناخ يؤكد الحاجة لوقف التجاذب لأن الخطر قائم ويجب التعاون في مواجهته.
لكن مع هذه وتلك كان لافتاً توقيت الحملة قبل ثلاثة ايام من تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره عن القرار 1559، وهو التقرير الذي يعدّه كل ستة أشهر ناظر القرار تيري رود لارسن، العاطل عن العمل في مكتبه في نيويورك، واللافت أيضا تضمين التقرير جزءاً منسجما مع الحملة الإسرائيلية وبذات المفردات والتعابير، عمّا سماه تهريب أسلحة عبر الحدود اللبنانية ـ السورية.
الواضح أن مهمة لارسن على خلفية القرار 1559 قد انتهت ولن تنجح كل محاولات إحيائها، فالقوات السورية التي طالب القرار بعودتها إلى بلادها أصبحت في الديار منذ خمسة أعوام بالتمام والكمال، والرئيس اللبناني الذي طالب القرار بانتخابه وفقاً للدستور يدخل سنته الثالثة رئاسيا بعد انتخابه بالإجماع اللبناني والعربي والدولي، والسلاح الذي تحدث عنه القرار، بغض النظر عن التسميات، انتقلت مرجعيته الدولية إلى القرار 1701.
إنتاج مهمة جديدة للارسن يتوقف على نجاح الحملة الإسرائيلية بتقديم ملف الحدود اللبنانية ـ السورية مرة أخرى كمعضلة دولية تحتاج إلى مقاربة وبالتالي مراقبة على المستوى الأممي، وهذا يستحيل أيضا من بوابة القرار 1680، الذي يتمنى على الحكومتين اللبنانية والسورية ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي، وقد احتفلت السفارات المتبادلة بأعيادها الوطنية وبدأت لجان الترسيم مهامها أو تكاد.
القرار 1701 بات الضالة المنشودة للارسن ومن ورائه إسرائيل عبر التشكيك بجدية أو بقدرة الحكومتين اللبنانية والسورية على ضبط الحدود ومنع ما يسمى تهريب الأسلحة، والحملة على الحدود تأتي من هذا الباب كما تقرير لارسن، ولأن المطالبة بنشر قوات أو مراقبين دوليين على الحدود مرفوض سلفا لبنانيا وسورياً، ولا يمكن فرضه رغما عن الدولتين، فإن الدوائر المعنية تفتقت عن صيغة تقوم على تشكيل وحدة لبنانية مستقلة عن القوات المسلحة تسمى حرس الحدود، ويجري تدريبها وإعدادها تحت إشراف دول غربية وتنشر على الحدود مع سورية، مزودة بتقنيات مراقبة مربوطة بغرفة عمليات مركزية يشارك فيها ضباط دوليون، ويمكن نقل خلاصة المراقبة مباشرة أو دورياً بواسطة الأقمار الصناعية إلى الأمم المتحدة، تحت شعار ضمان حسن تطبيق القرار 1701 لتتولى تحليلها وحدة يشرف عليها تيري رود لارسن، الذي ينتظر مسمار جحا لتوسيع نطاق التدخل التخريبي لحساب إسرائيل بعدما فشلت مساعيه السابقة.
المشروع جدي وقد جرت تحضيرات مواكبة له في بعض مشروعات الاتفاقيات الدولية المعروضة من السفارات على الحكومة اللبنانية، و خطورته أنه إعلان تدويل للعلاقة ـ اللبنانية السورية وكسر لمعادلة صفتها السيادية والثنائية، والأخطر أنه مشروع تجسس مفتوح على طول الحدود، ما سيجعل كل تنقل عبرها تحت العين الإسرائيلية مباشرة بواسطة البث الحي الذي ستتولاه التجهيزات المرصودة لتيري رودلارسن ومهمته الجديدة.