ارشيف من :ترجمات ودراسات
ساعتان بلا كهرباء... موسم الاستثمار في الكارثة البيئية !
عقيل الشيخ حسين
في السابع والعشرين من آذار/ مارس المنصرم، إطفئت المصابيح الكهربائية لمدة ساعة كاملة، في مبان ومؤسسات في 92 بلداً من بلدان العالم، وذلك في إطار مبادرة انطلقت من سيدني في أوستراليا بهدف توعية الناس على الخطر المحدق بالبيئة والذي تتسبب به الكهرباء.
وفي الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل الحالي، وبمناسبة ما يسمى بـ "يوم الأرض العالمي"، انطلقت نشاطات بيئية متنوعة بهدف لفت الانتباه إلى مشاكل البيئة. ومن هذه النشاطات، قامت سفارات بريطانيا وأستراليا واليابان والدنمرك والنروج، في لبنان، بأطفاء الأضواء وسخانات المياه وأنظمة التبريد لمدة ساعتين صباحاً. وقد ساعد ذلك، على ما ورد في بيان وزعته تلك السفارات، على منع انبعاث عشرة أطنان من ثاني أوكسيد الكربون.
وكنا قد نشرنا في "الانتقاد" مقالة تحت عنوان "ساعة بلا كهرباء، الحضارة الصناعية تأكل فلذات أكبادها"، ذكرنا فيها أن الذين أنقذوا البيئة من التأثيرات الضارة لساعة واحدة، في السنة، من استخدام الكهرباء في الإنارة، قد واصلوا ممارسة الفتك الذريع بالبيئة طيلة 8759 ساعة في السنة. واعتبرنا أن ذلك يشكل قمة في الصفاقة بقدر ما شاء أدعياء الإشفاق على البيئة تقديم أنفسهم، من خلال ساعتهم تلك، على أنهم ينقذون العالم مما يتهدده من أخطار وكوارث بيئية ومناخية.
وقلنا بأن المسألة مع هؤلاء شبيهة بمصلوب علق على خشبة ودقت في جسده مئات المسامير، ثم يأتي فريزي متجلبب بجلباب الورع والتقوى والشهامة فينزع من جسد المصلوب واحداً من المسامير ويذرف دمعة تكفي لحمل الجماهير ـ المحتشدة للاستمتاع بمشهد الصلب ـ على البكاء والعويل تأثراً بتلك الدمعة. ثم يحملون الفريزي ذا القلب الرحيم على الأكتاف ويذهبون به إلى مواطن الرفعة، تاركين الصلوب معلقاً بمساميره فوق خشبته.
ونقول الآن عن تلك السفارات بأنها تمارس الصفاقة نفسها عندما تمن على الكوكب وسكانه بكونها قد منعت، خلال ساعتين "صباحيتين" من الامتناع عن استخدام الكهرباء، انبعاث عشرة أطنان من ثاني أوكسيد الكربون.
ونجرمها، طالما أنها تعترف بمسؤولية الكهرباء وأخواتها الحضاريات عن دمار البيئة، بالمسؤولية عن التسبب، خلال 8758 ساعة في السنة، بانبعاث 87580 طن من الغاز القاتل المسمى بـ "ثاني أوكسيد الكربون".
ونجرم - طالما أن خمس سفارات لا غير تتسبب بانبعاث 87580 طن من الغاز القاتل- ما لا يحصى من سفارات وبيوت ومؤسسات ومصانع... بالتسبب بانبعاث ما لا يحصى من ملايين الأطنان من ذلك الغاز القاتل.
وللتذكير، فإن الأخوات الحضاريات المذكورة أعلاه هي كل ما يهب ويدب من فلذات أكباد الحضارة الصناعية التي تعمل عن طريق إحراق الطاقة. أي التي تولد "النار" التي يرد ذكرها في الذكر الحكيم، والعياذ بالله، والتي استجلبت النار الأخروية إلى هذا العالم، تحت اسم الدفيئة والاحتباس الحراري.
وكل ما يهب ويدب من مواد التنظيف والتعقيم والمبيدات والمواد الحافظة والمخصبات على اختلافها، تلك المواد التي تسهم، مع الاحتباس الحراري، في الفتك بكل ما تدب فيه الحياة من كائنات نباتية وحيوانية في البر والبحر والجو (الأوزون)، معرضة الحجر والتربة والبشر للهلاك جوعاً واختناقاً واحتراقاً، إلى آخر السلسلة.
وبما أن القائمين على هذه المبادرات، ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة، ومدراء ما لا يحصى من تفريعات هذه المنظمة، يزعمون أنهم يفعلون ذلك للفت الانتباه إلى الأخطار المحدقة بالبيئة، ينبغي القول عالياً بأن ما ينبغي لفت الانتباه إليه هو المقاصد غير الشريفة لمساعيهم المغطاة بغشاء رقيق من الحرص على البيئة.
فهم ينافقون أولاً عندما ينبهون إلى الخطر ويستمرون بمفاقمة الخطر آلاف المرات. بدلاً من أن يعترفوا، إذا كانوا صادقين، بأن البشرية قد اقترفت خطأً فظيعاً، ورمت بنفسها إلى تهلكة أكيدة عندما فتحت صندوق "بيندار الشهير"، وبأن الأوان قد آن للرجوع الجذري عن الخطأ قبل الفوات النهائي للأوان.
وهم يبرعون،ثانياً، في ممارسة الأفك، عندما يلفتون الانتباه إلى الأخطار المحدقة بالبيئة، لا بهدف العمل على حماية البيئة عبر الكف عن تدميرها، بل بهدف زج البشر في المشروع الجهنمي المسمى، بمصطلحات مستعارة من تشارلز داروين، بـ"التكيف مع البيئة"، و"الاستدامة" (لأن المترجمين الجدد إلى العربية لم يبلغ علمهم أن من سبقوهم سبق لهم أن وضعوا مصطلح "حفظ البقاء" الشائع الاستعمال).
التكيف مع البيئة يعني ببساطة الاستمرار في النهج الحضاري الصناعي المدمر مع إيجاد حلول عبر بدائل من النوع الذي تتفتق عنه قرائح قوارين المال والأعمال. من نوع الطاقة النظيفة التي ستنكشف قذارتها للجميع ولو بعد حين، ولكن بعد أن تكون البلدان العاجزة عن توليد تلك الطاقة قد رهنت ما تبقى من وجودها للدول المتقدمة والمالكة لتقنيات توليد تلك الطاقة.
أمثلة بسيطة: إقامة نظم إنذار مبكرة كلفة الواحد منها عشرات المليارات لاستباق العلم بحدوث موجات التسونامي والأعاصير والفيضانات والتصحر... علم لا ينفع إلا من سيحصلون على تلك المليارات، وهم بالطبع ليسوا سكان بنغلادش وغيرها من البلدان المشابهة والذين لن يفيدهم العلم في تجنب الكارثة.
6،2 مليار إنسان يعيشون دون مرافق محسنة للصرف الصحي. استثمار يسيل لضخامته لعاب الباحثين عن استثمارات. و885 مليون شخص يعيشون بلا مياه مأمونة للشرب. إذن، لا شيء أكثر فائدة للشركات التي تبيع مياه الشرب من الاستمرار الحثيث في تلويث مصادر المياه.
وهلم جرا... على طريق التكيف المستدام والفاحش التكاليف مع في ظل التكائر المريع للآفات المخصبة بعناية بهدف فتح مجالات واسعة للاستثمار وجني الأرباح الفاحشة التي يؤمنها دمار البيئة.
في السابع والعشرين من آذار/ مارس المنصرم، إطفئت المصابيح الكهربائية لمدة ساعة كاملة، في مبان ومؤسسات في 92 بلداً من بلدان العالم، وذلك في إطار مبادرة انطلقت من سيدني في أوستراليا بهدف توعية الناس على الخطر المحدق بالبيئة والذي تتسبب به الكهرباء.
وفي الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل الحالي، وبمناسبة ما يسمى بـ "يوم الأرض العالمي"، انطلقت نشاطات بيئية متنوعة بهدف لفت الانتباه إلى مشاكل البيئة. ومن هذه النشاطات، قامت سفارات بريطانيا وأستراليا واليابان والدنمرك والنروج، في لبنان، بأطفاء الأضواء وسخانات المياه وأنظمة التبريد لمدة ساعتين صباحاً. وقد ساعد ذلك، على ما ورد في بيان وزعته تلك السفارات، على منع انبعاث عشرة أطنان من ثاني أوكسيد الكربون.
وكنا قد نشرنا في "الانتقاد" مقالة تحت عنوان "ساعة بلا كهرباء، الحضارة الصناعية تأكل فلذات أكبادها"، ذكرنا فيها أن الذين أنقذوا البيئة من التأثيرات الضارة لساعة واحدة، في السنة، من استخدام الكهرباء في الإنارة، قد واصلوا ممارسة الفتك الذريع بالبيئة طيلة 8759 ساعة في السنة. واعتبرنا أن ذلك يشكل قمة في الصفاقة بقدر ما شاء أدعياء الإشفاق على البيئة تقديم أنفسهم، من خلال ساعتهم تلك، على أنهم ينقذون العالم مما يتهدده من أخطار وكوارث بيئية ومناخية.
وقلنا بأن المسألة مع هؤلاء شبيهة بمصلوب علق على خشبة ودقت في جسده مئات المسامير، ثم يأتي فريزي متجلبب بجلباب الورع والتقوى والشهامة فينزع من جسد المصلوب واحداً من المسامير ويذرف دمعة تكفي لحمل الجماهير ـ المحتشدة للاستمتاع بمشهد الصلب ـ على البكاء والعويل تأثراً بتلك الدمعة. ثم يحملون الفريزي ذا القلب الرحيم على الأكتاف ويذهبون به إلى مواطن الرفعة، تاركين الصلوب معلقاً بمساميره فوق خشبته.
ونقول الآن عن تلك السفارات بأنها تمارس الصفاقة نفسها عندما تمن على الكوكب وسكانه بكونها قد منعت، خلال ساعتين "صباحيتين" من الامتناع عن استخدام الكهرباء، انبعاث عشرة أطنان من ثاني أوكسيد الكربون.
ونجرمها، طالما أنها تعترف بمسؤولية الكهرباء وأخواتها الحضاريات عن دمار البيئة، بالمسؤولية عن التسبب، خلال 8758 ساعة في السنة، بانبعاث 87580 طن من الغاز القاتل المسمى بـ "ثاني أوكسيد الكربون".
ونجرم - طالما أن خمس سفارات لا غير تتسبب بانبعاث 87580 طن من الغاز القاتل- ما لا يحصى من سفارات وبيوت ومؤسسات ومصانع... بالتسبب بانبعاث ما لا يحصى من ملايين الأطنان من ذلك الغاز القاتل.
وللتذكير، فإن الأخوات الحضاريات المذكورة أعلاه هي كل ما يهب ويدب من فلذات أكباد الحضارة الصناعية التي تعمل عن طريق إحراق الطاقة. أي التي تولد "النار" التي يرد ذكرها في الذكر الحكيم، والعياذ بالله، والتي استجلبت النار الأخروية إلى هذا العالم، تحت اسم الدفيئة والاحتباس الحراري.
وكل ما يهب ويدب من مواد التنظيف والتعقيم والمبيدات والمواد الحافظة والمخصبات على اختلافها، تلك المواد التي تسهم، مع الاحتباس الحراري، في الفتك بكل ما تدب فيه الحياة من كائنات نباتية وحيوانية في البر والبحر والجو (الأوزون)، معرضة الحجر والتربة والبشر للهلاك جوعاً واختناقاً واحتراقاً، إلى آخر السلسلة.
خمس سفارات لا غير تتسبب بانبعاث 87580 طن من الغاز القاتل |
فهم ينافقون أولاً عندما ينبهون إلى الخطر ويستمرون بمفاقمة الخطر آلاف المرات. بدلاً من أن يعترفوا، إذا كانوا صادقين، بأن البشرية قد اقترفت خطأً فظيعاً، ورمت بنفسها إلى تهلكة أكيدة عندما فتحت صندوق "بيندار الشهير"، وبأن الأوان قد آن للرجوع الجذري عن الخطأ قبل الفوات النهائي للأوان.
وهم يبرعون،ثانياً، في ممارسة الأفك، عندما يلفتون الانتباه إلى الأخطار المحدقة بالبيئة، لا بهدف العمل على حماية البيئة عبر الكف عن تدميرها، بل بهدف زج البشر في المشروع الجهنمي المسمى، بمصطلحات مستعارة من تشارلز داروين، بـ"التكيف مع البيئة"، و"الاستدامة" (لأن المترجمين الجدد إلى العربية لم يبلغ علمهم أن من سبقوهم سبق لهم أن وضعوا مصطلح "حفظ البقاء" الشائع الاستعمال).
التكيف مع البيئة يعني ببساطة الاستمرار في النهج الحضاري الصناعي المدمر مع إيجاد حلول عبر بدائل من النوع الذي تتفتق عنه قرائح قوارين المال والأعمال. من نوع الطاقة النظيفة التي ستنكشف قذارتها للجميع ولو بعد حين، ولكن بعد أن تكون البلدان العاجزة عن توليد تلك الطاقة قد رهنت ما تبقى من وجودها للدول المتقدمة والمالكة لتقنيات توليد تلك الطاقة.
أمثلة بسيطة: إقامة نظم إنذار مبكرة كلفة الواحد منها عشرات المليارات لاستباق العلم بحدوث موجات التسونامي والأعاصير والفيضانات والتصحر... علم لا ينفع إلا من سيحصلون على تلك المليارات، وهم بالطبع ليسوا سكان بنغلادش وغيرها من البلدان المشابهة والذين لن يفيدهم العلم في تجنب الكارثة.
6،2 مليار إنسان يعيشون دون مرافق محسنة للصرف الصحي. استثمار يسيل لضخامته لعاب الباحثين عن استثمارات. و885 مليون شخص يعيشون بلا مياه مأمونة للشرب. إذن، لا شيء أكثر فائدة للشركات التي تبيع مياه الشرب من الاستمرار الحثيث في تلويث مصادر المياه.
وهلم جرا... على طريق التكيف المستدام والفاحش التكاليف مع في ظل التكائر المريع للآفات المخصبة بعناية بهدف فتح مجالات واسعة للاستثمار وجني الأرباح الفاحشة التي يؤمنها دمار البيئة.