ارشيف من :ترجمات ودراسات

الولايات المتحدة والكارثة النفطية الجديدة !

الولايات المتحدة والكارثة النفطية الجديدة !
عقيل الشيخ حسين
قواسم مشتركة عديدة بين بركان إيسلندا الذي انفجر ولم يهدأ زفيره بعد، ومنصة استخراج النفط التي انفجرت على مقربة من الشواطيء الجنوبية للولايات المتحدة في خليج المكسيك.
منها أن "الأرض تخرج أثقالها". حمم ملتهبة وغبار أسود يخرج من جوف الأرض ثم يتحول غيوماً تسد سماء أوروبا وتشل حركة الطيران فيها بين تداعيات كارثية أخرى، في الحالة الأولى. وسائل أسود كريه الرائحة وقاتل للحياة يغطي وجه البحر على مساحة تجاوزت حتى الآن الـ ثمانية آلاف كم مترمربع، مع قابلية للازدياد، في الحالة الثانية.
ومنها أن شمال المحيط الأطلسي هو مسرح الكارثتين. فالكارثة الأولى ضربت أوروبا الشمالية، في حين ضربت الثانية جنوب الولايات المتحدة.
وبعد هذه المقارنة، كثيرة هي المقارنات بين انفجار منصة النفط وإعصار كاترينا الذي اجتاح المنطقة نفسها عام 2005. لجهة الأضرار والخسائر والتداعيات السياسية السلبية.
الولايات المتحدة والكارثة النفطية الجديدة !وهي كثيرة أيضاً، في مجال التلوث النفطي، بين الكارثة الحالية وكارثة ناقلة النفط العملاقة "أكسون فالديز" التي غرقت عام 1989، قريبا من شواطيء الولايات المتحدة الشمالية على المحيط الباسيفيكي،وتسرب منها أكثر من 40 مليون ليتر من النفط الخام، غطت مساحة 28 ألف كم مربع.
وإذا كان قد أمكن احتواء كارثة "أكسون فالديز"، بعد أن فعلت ما فعلت، فإن احتواء كارثة منصة خليج المكسيك هو حتى الآن مجرد رهان. وهنالك كلام عن أن التداعيات الكارثية لا تقتصر على الولايات المتحدة بل تتعداها إلى العالم أجمع، لجهة التأثيرات السلبية على البيئة وحياة الأجناس البحرية، النباتية والحيوانية، في وقت وصلت فيه البيئة على سطح الكوكب إلى مستوى قريب من الاحتضار.
صحيح أن حكومات الولايات في آلاباما وميسيسيبي ولويزيانا وفلوريدا، وهي الولايات التي وصلت إلى شواطئها بقعة النفط المتسرب من المنصة، قد جندت، مع الحكومة الفيدرالية، مئات القطع البحرية والطائرات وآلاف الجنود، إضافة إلى نزلاء السجون، للعمل على الحد من انتشار بقعة النفط، قبل البدء بأعمال التنظيف.
لكن ذلك يظل غير كاف في ظل استمرار النفط بالتسرب من جوف باطن البحر، واستمرار البقعة بالتوسع، واستمرار العجز عن وقف التسرب.
وبالطبع، فإن تصريحات أوباما المتواترة، وزيارته إلى المنطقة المنكوبة، لن تجدي فتيلاً في إزالة آثار الكارثة ووقف تداعياتها. فهو يفعل ذلك رداً على التهم الموجهة إلى إدارته بالتقصير إزاء ما بات يعرف بـ "كاترينا أوباما" في مقابل "كاترينا بوش".
كما أن الكارثة قد عرضت للخطر مشروعاً يتعب أوباما على تمريره في إطار استراتيجياتيه الإصلاحية. ذلك القانون الهادف إلى تزلف الجمهوريين وكسب تأييدهم يحشر، داخل مشروعه الهادف إلى التخفيف من وطأة الكارثة المناخية، بنوداً تقضي بالتوسع في التنقيب على النفط في مياه البحر ... في جملة التناقضات الصارخة بين هذا المسعى والخطابات الأميركية عن "تجريم" النفط والدعاوى إلى استبداله بالطاقة "النظيفة".
التزلف إلى الجمهوريين لا بد وأنه يثير حفيظة ديموقراطيين كثيرين. ولا بد وأن هؤلاء لا يكتفون بالاكتفاء بالبقاء مكتوفي الأيدي... في وقت أصبح فيه اصطناع الأزمات والكوارث وسيلة رائجة من وسائل تمرير المشاريع أو منع تمريرها.  
وبالإضافة إلى التناقضات، والخسائر المادية الناشئة، بالحسابات التجارية، عن هلاك الأنواع الحية، وإمكانية هرب الأسماك من خليج المكسيك، وتلف مزارع الأسماك على الشواطيء، وعن عمليات التنظيف، وهي خسائر تقدر بعشرات المليارات، تسمع في الولايات الأميركية غير المتضررة همهمات وغمغمات تعكس الاستياء من مشاركة الخزانة الفيدرالية في تحمل الأعباء.
فـ "أولاً"، ذلك الشعار المفتوح على الانقسام والتقسيم والأنانية المناطقية الضيقة، لم يعد حكراً على البلدان التي تجري فيها الولايات المتحدة تجاربها التفكيكية، بل بات بمتناول اليد في الولايات الأميركية التي بدأت تعرب عن رغبتها بالإنفصال عن الكيان الفيدرالي.
مرة أخرى، يعود التساؤل إلى البروز حول كون النفط "نعمة" أو "نقمة". والواضح، بعد أن كان النفط نعمة على على كثيرين في مقدمتهم شركات النفط الأميركية، أن انفجار بئر المكسيك، يضاف إلى ما لا يحصى من كوارث نفطية سابقة تغلب فيه صفة النقمة على صفة النعمة.
والواضح أيضاَ، فيما لو كان انفجار المنصة ناشئاً عن تقصير أو عطل فني، أن عنصر "المهارة" والاقتدار التقني الذي كثيراً ما يزدهي به الغربيون، ويعتبرونه مصدراً للقلق عندما يتحدثون عن المخاطر (غير العسكرية) التي قد تنشأ عن البرنامج النووي الإيراني مثلاً، قد تهافت تهافتاً مريعاً مع ما لا يحصى أخطاء حصلت ليس أولها، ولن يكون آخرها، انفجار منصة خليج المكسيك.  
2010-05-03