ارشيف من :أخبار لبنانية
"البعث ": رسالة خاطئة
بإعلانها تمديد العقوبات ضد سورية لعام آخر تتوج الإدارة الأمريكية أسابيع من التصعيد وتبني السياسات الإسرائيلية العدوانية تحت عناوين شتى وآخرها نقل صواريخ «سكود» الى حزب الله.
قد لا يكون تمديد تلك العقوبات بالأمر المفاجئ استناداً الى عدم قدرة إدارة الرئيس باراك أوباما على الخروج مما خطه المحافظون الجدد خلال إدارتي جورج بوش الابن للضغط على سورية ومحاولة ثنيها عن ثوابتها السياسية في قضايا المنطقة فلسطينياً وعراقياً وبطبيعة الحال دعمها للمقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
لكن في المقابل يصطدم الإعلان عن تمديد تلك الإجراءات المرفوضة في القانون الدولي، كما هو معروف، بما أعلنه أوباما على الدوام منذ بدء ولايته الرئاسية عن الحاجة الى الحوار وبناء أفضل العلاقات مع دول العالم وصولاً لرغبته في إشاعة مناخات الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط استناداً لتطبيق القرارات الدولية المعروفة.
الإعلان عن تمديد العقوبات الجائرة ضد سورية لا يتّسق وتلك الأهداف العريضة كما يلقي بظلاله على الحوار الذي دشنه أعضاء في الكونغرس ومسؤولون كبار في الخارجية الأمريكية مع القيادة السورية إذ أن منطق الحوار والبحث في نقاط الخلاف لا يستوي مع منطق التهديد والإجراءات الاقتصادية العقابية، فضلاً عن أن تلك الوسيلة البائسة أثبتت فشلها في ثني سورية عن أيٍّ من مواقفها التي أثبتت صحتها بعد تخبط الاحتلال الأمريكي في العراق وقدوم إدارة أوباما ببرنامج إنقاذي يقوم على الانسحاب ثم تأكد المجتمع الدولي من عدم وجود شريك إسرائيلي حقيقي للسلام وتراخي واشنطن في إجباره على الالتزام بالحد الأدنى من متطلبات عودة المفاوضات..!.
ماذا تهدف واشنطن من تلك العقوبات إذاً؟. الواضح أن ما ساقه الرئيس أوباما في حيثيات رسالته للكونغرس تبريراً لتمديد العقوبات يكرر اتهامات جوفاء رددها شيمون بيريز وبنيامين نتنياهو عدة مرات خلال الأيام الماضية حتى تكاد تكون رسالة أوباما رجع صدى لتلك الأصوات الإسرائيلية مع استحضار لمنطق المحافظين الجدد الذي دمر هيبة الولايات المتحدة في كل حروبها ومشاريعها حول العالم.
كان حرياً بالإدارة الديمقراطية توسيع مظلة الحوار مع سورية صاحبة الدور الذي لا يمكن القفز عليه باعتراف الأمريكيين أنفسهم بحثاً عن إيجاد مقاربات عقلانية لقضايا المنطقة، وعن طريق لإنهاء الحالة العدوانية الإسرائيلية مصدر التوتر الدائم، والاستماع لآراء تختلف معها لكنها تحمل بالتأكيد مفاتيح حلول جدية، وليس الذهاب وراء نتنياهو وتبني اتهاماته التي تهدد بإشعال فتيل الحرب الإقليمية في المنطقة.
قد تكون ضغوط أصدقاء إسرائيل أو سوء تحليل مستشاري أوباما لتجارب الأعوام الماضية من التعاطي مع سورية وراء هذا الموقف، لكن النتيجة واحدة في كل الأحوال: لقد أخطأت الإدارة الأمريكية مجدداً برسالتها الى سورية، ويبدو أن انحيازها الأعمى لإسرائيل يعميها حتى عن رؤية مصالحها أحياناً.