ارشيف من :ترجمات ودراسات

اليونان... وأوروبا، أمام الأسوأ !

اليونان... وأوروبا، أمام الأسوأ !

عقيل الشيخ حسين
كتل كثيفة من رجال الأمن قوات مكافحة الشغب تحيط بمبنى البرلمان اليوناني. في داخل البرلمان، يجتمع النواب لإقرار خطة الإصلاحات وإجراءات التقشف المطلوبة من الشقيقات الأوروبيات ومن صندوق النقد الدولي، مقابل حصول اليونان على حوالي 110 مليار يورو ضرورية من أجل احتواء يظل مؤقتاً للأزمة التي تعصف باليونان منذ الصيف الماضي، أي منذ انكشاف تستر الحكومة اليمينية السابقة على العجز المالي الذي بلغ 300 مليار يورو (450 مليار دولار). 

وفي خارج البرلمان عشرات الألوف من المتظاهرين، أكثر من مئة ألف، على ما تقوله المعارضة، ينتظرون قرار البرلمان. قرار معروف سلفاً : الحزب الحاكم يمتلك أكثرية مريحة، والمعارضة لا تملك حلولاً، إضافة إلى أن الحكومة قد سبق لها ووقعت على الكثير من التعهدات الإصلاحية والتقشفية حتى قبل مناقشتها من قبل البرلمان. 

اليونان... وأوروبا، أمام الأسوأ ! والأكيد أن الشارع لا يمتلك خياراً غير ابتلاع الإجراءات. والدعوات إلى التظاهر منتصف الأسبوع الماضي، لا إلى استمرار المظاهرات الحالية، تعكس غياب البدائل. ومن غير المنتظر أن يفضي "تفكير" المعارضة حول ما ينبغي عمله إلى حلول ملموسة. 

ابتلاع الإجراءات يعني أن على الشعب اليوناني تحمل أعباء توفير حوالي 5 مليارات يورو سنوياً سيتم تحصيلها عن طريق رفع الضرائب وتخفيض الإنفاق الحكومي وتجميد رواتب المتقاعدين واقتطاع مرتب شهرين من مرتبات الموظفين... 

لكن احتمالات لتدهور الوضع تظل مطروحة، خصوصاً وأن تظاهرات اليومين الماضيين قد اشتملت على أعمال عنف أودت بحياة ثلاثة أشخاص ماتوا احتراقاً في أحد المصارف، حيث استهدفت أبنية عديدة بقنابل المولوتوف التي أتت أيضاً على أعداد كبيرة من السيارات. 

والظاهر أن أعمال العنف هذه قد سرعت من تحرك وزراء المال الأوروبيين الذين اجتمعوا في العاصمة البرتغالية للبحث في الإجراءات الواجب اعتمادها من أجل وقف التدهور السريع في أسعار العملة الأوروبية الموحدة، ومن أجل الحيلولة دون انتقال الأزمة إلى بلدان أوروبية كإسبانيا والبرتغال، وحتى إلى إيطاليا وإيرلندا وغيرهما، حيث ترتفع أرقام العجز الحكومي في تلك البلدان.

والإسراع في التحرك حتمه أيضاً الإحساس بأن الأزمة قد تجاوزت حدودها المالية وباتت تأخذ أبعاداً سياسية تهدد منطقة اليورو بأكملها، وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي نفسه. 

كما حتمه الإحساس بأن الأوروبيين قد تأخروا كثيراً عن السعي إلى تدارك الأزمة قبل استفحالها، وسط إصرار ألمانيا، القوة الاقتصادية الأوروبية الرئيسية، على عدم دفع "سنت واحد" من أجل مساعدة اليونان.

إصرار كان من الواضح أن أنغيلا ميركيل تعتمده لأسباب انتخابية، وسط انعدام الحماس الشعبي لمد يد العون إلى اليونان.

لكن ألمانيا تراجعت في اللحظة الأخيرة، وأطلقت أنغيلا ميركيل تصريحات أيدت فيها تقديم القروض إلى اليونان، في تناقض صارخ مع مواقفها السابقة، وهو الأمر الذي كلفها هبوط شعبيتها في استطلاعات الرأي. 

وبالطبع، لم يكن بإمكان ميركل، ومعها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلا أن ينتهيا إلى هذه النتيجة، خصوصاً وأن اليونان مدين للمصارف الألمانية والفرنسية بحوالي 100 مليار دولار، وأن عدم سداد هذه المبالغ يضع المصارف في طليعة المتضررين من ترك اليونان لمصيره.

وإذا كانت أوروبا قد حسمت أمرها أخيراً، فإن ذلك لم يكن ممكناً دون اللجوء المحرج إلى صندوق النقد الدولي الذي شكل إسهامه في التصدي للمشكلة اليونانية دليلاً على عجز أوروبا عن حل مشكلاتها بقدراتها الذاتية. 

وإذا كان على اليونان أن تتحمل الشروط المرهقة التي يفرضها الصندوق، فإن ذلك يؤشر إلى المزيد من العجز الأوروبي فيما لو أصبح المخرج من الأزمات المحدقة بأكثر من بلد في أوروبا غير ممكن عن غير طريق صندوق النقد الدولي المتخصص، بدلاً من الإنقاذ، بمفاقمة أزمات البلدان التي تضطر إلى الخضوع لإملاءاته.

إملاءات، يقول المراقبون، بأنها تطرح نفسها كعلاجات في حين أنها في الحقيقة لا تفعل غير مفاقمة الأمراض. خصوصاً وأن العلاجات مؤقتة في وقت يعاني فيه الاقتصاد اليوناني، كمعظم اقتصادات العالم الرأسمالي، من خلل بنيوي ناجم عن طغيان قطاع الخدمات والمضاربات على القطاعات المنتجة. وهذا بالضبط ما يجعل المعارضة اليونانية أشد عجزاً من الموالاة عن تلمس الحلول. 

اللهم إلا إذا انبجست وسط الأزمة، وفي ظل ردود الأفعال الغاضبة على خطة التقشف، حلول لا يمكن إلا أن تكون بالغة الصعوبة بقدر ما تتطلب إعادة النظر في النظام الرأسمالي من أساسه... مع كل ما يطرحه ذلك من استعداد للتضحية الإجبارية بنمط الإزدهار والرفاه المصطنع، وعلى الأرجح بنمط التطور الحضاري السائد، ليس فقط في اليونان، بل أيضاً على المستوى العالمي. 

2010-05-06