ارشيف من :ترجمات ودراسات
تراجع حزب العمل، حقيقته وأبعاده؟
كتب المحرر العبري
ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن عدد أعضاء حزب العمل الذي يترأسه وزير الحرب في كيان العدو ايهود باراك، تراجع في هذه المرحلة إلى 30،000 عضو، بعدما كان يبلغ عدد أعضائه خلال توليه لرئاسته ايضا في العام 1998، نحو 160،000 عضو.
ما تقدم يفرض التوقف عند بعض ما تنطوي عليه هذه الأرقام من أبعاد ومؤشرات تتصل بواقع حزب العمل ومستقبله.
من الضروري التأكيد على أن الحديث عن حزب العمل، في بعض جوانبه وابعاده، يختلف كثيرا عن تناول واقع كثير من الأحزاب الأخرى، إن لم نقل جميعها، انطلاقا من ميزة اساسية يتمتع بها هذا الحزب "كون استعراض تاريخه يشكل جزء هاما من تاريخ إسرائيل، بمراحلها المختلفة، هذا عدا عن كونه "الحزب المؤسس" لاسرائيل التي حكمها بشكل شبه انفرادي"، بمشاركة أحزاب يسارية أخرى، خلال السنوات التسع والعشرين الاولى، أي منذ العام 1948 حتى العام 1977، من دون أي منافس جدي، ليتحول في مرحلة لاحقة، خلال الثمانينات من القرن الماضي، إلى احد الحزبين الرئيسيين (مع حزب الليكود اليميني) اللذين تناوبا على حكم الكيان اما سويا او كلٌ مع حلفائه... ثم أصبح حزبا من الدرجة المتوسطة قبل أن يهبط إلى المستوى الذي بلغه الآن.
رغم أن سمتي تقلص الأحجام وتراجع الشعبية شملت كافة الأحزاب في الكيان الإسرائيلي، مع ما أدى ذلك إلى اتساع حالة التشظي للمنظومة الحزبية بفقدانها لوجود حزب مركزي، واقتصارها على أحزاب متوسطة وأخرى صغيرة... (الحزب الأكبر في الكنيست الحالي، كديما يملك 28 مقعدا في الكنيست). إلا أن ذلك لا يلغي أو يخفف من أبعاد وخصوصية التراجع الكبير الذي أصاب حزب العمل، وتحديدا بعد الانتخابات الأخيرة التي كان يفترض أن تشكل نتائجها (نال 13 عضوا في الكنيست) تحفيزا لقيادته للعمل على استنهاض الحزب وتوسيع دائرة اتساعه وسط الجمهور الإسرائيلي.
للوقوف على حقيقة التراجع الذي بلغه حزب العمل يكفي أن نقارن باتجاهين: الأول بالقياس إلى الأحزاب الكبرى التي كان يفترض أن يوازيها أو ينافسها على الأقل، والثاني مقارنته مع ما كان عليه في مراحل سابقة.
بخصوص المقارنة مع بقية الأحزاب، يبلغ عدد أعضاء حزب الليكود، في المرحلة الحالية، أكثر من ثلاثة أضعاف عدد أعضاء حزب العمل (حوالي 100,000عضو) في حين يبلغ عدد أعضاء حزب كديما الذي تتزعمه رئيسة المعارضة تسيبي ليفني أكثر من ضعفي عدد أعضاء العمل (حوالي 80،000 عضو). الأمر الذي يعني ان حزب العمل لم يعد حزبا رئيسيا في الساحة الإسرائيلية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وتبين ان بعضا من الهالة والاهتمام بهذا الحزب والتي يمكن أن نتلمس بعضا من مظاهرها، تعود إلى ماضيه ولكونه حزب التسوية بدء من ثمانينات القرن الماضي.
بالمقارنة مع ما كان عليه سابقا، من الملاحظ أن بلوغ العمل رقم الثلاثين ألف لم يأت تصاعدا من الأسفل إلى الأعلى، وانما بالعكس. إذ بعدما كان عدد أعضائه 160،000 عضوا في العام 1998، عندما كان يترأسه ايهود باراك، تراجع عشية انتخابات العام 2006، في ظل رئاسة عمير بيرتس، إلى نحو 120 ألف عضو، ثم تراجع بعد انتهاء الانتخابات العامة في شهر آذار من العام الماضي، برئاسة باراك أيضا، إلى نحو 57,000 عضو، ليتراجع بعد اقل من سنة بنحو 27000 عضو. وعليه من الواضح أن هذا المسار يعكس حالة تراجعية متواصلة يعاني منها حزب العمل لأسباب متعددة.
بخصوص هذه الاسباب، ينبغي القول ان الدقة تفترض الاشارة إلى ان الاسباب التي ادت إلى التراجع المستمر في قوة حزب العمل كثيرة، منها اسباب سياسية جوهرية واساسية، واخرى مرتبطة بالتحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع الاسرائيلي اضافة إلى بعض التطورات الداخلية في حزب العمل نفسه.
الا انه في ضوء مروحة الأسباب من الضروري الإشارة إلى أن الانحدار السريع والحاد لحزب العمل تسارع في أعقاب فقدانه للبرنامج السياسي واضح المعالم، نتيجة فشل رهانه على التسوية التي كان يحمل رايتها، وتحديدا خلال مؤتمر كامب ديفيد في العام 2000. كما أن تشكيل حزب كديما ليكون الحزب البديل للسلطة، وحامل راية التسوية قضى على الآمال التي كان يمكن ان يراهن عليها الحزب لعودته إلى الصدارة في وقت قريب.
وكتعبير عن الحضيض الذي انحدر اليه الحزب اليساري الاكبر في الكيان الاسرائيلي اعتبر القيادي في حزب العمل يتسحاق هرتسوغ ان "معطى كهذا يلامس الافلاس، بسبب ان الفجوة بين الـ30،000 والصفر صغيرة جدا".