ارشيف من :ترجمات ودراسات

أميركا أمام الطرقات المسدودة في أفغانستان

أميركا أمام الطرقات المسدودة في أفغانستان
عقيل الشيخ حسين

شهدت الأسابيع والأشهر القليلة الماضية مبارزة حامية بين الرئيس الأفغاني، حامد قرضاي، والحلفاء الغربيين، وصلت إلى حد إطلاق تهديدات من قبل قرضاي قال فيها بأن تمرد طالبان قد يتحول إلى حركة مقاومة مشروعة إذا استمر الأجانب في التدخل في الشؤون الأفغانية، وأنه قد يضطر إلى الانضمام بنفسه إلى التمرد.
وبدلاً من أن تقود هذه المبارزة إلى معاقبة قرضاي أو، أقله، إلى القطيعة بينه وبين الأميركيين، يبدو أنه قد تمكن من لي ذراع الإدارة الأميركية، حيث استقبل قبل أيام في البيت الأبيض والكونغرس، وحظي بكل آيات التكريم والتبجيل. منها المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع الرئيس الأميركي، وهو شرف لا يناله عادة غير كبار الحلفاء والضيوف غير العاديين.
واللافت، في دلالة واضحة على تغير موازين القوى لمصلحة قرضاي، أن أوباما قد أعرب عن تأييده لمبادرات قرضاي في مد اليد إلى معتدلي طالبان ممن يوافقون على التخلي عن العنف وعلى قطع الصلة بتنظيم "القاعدة".
ويأتي هذه التأييد بعد الاستياء الأميركي مما سمي بـ "تسرع" قرضاي في العمل من أجل إبرام تسوية مع حركة طالبان في إطار خطة مصالحة وطنية. أما سبب الاستياء، فهو التهميش الذي لا بد وأن يحيق بالحلفاء الغربيين لمصلحة تحالفات بين الحكومة الأفغانية وقوى إقليمية ودولية كإيران وروسيا وباكستان...
وإذا كان أوباما قد وافق على توجهات طالبان نحو تلك المصالحة، فإنه قد أرفق ذلك بالتشديد على أن الشهور القادمة ستشهد مواجهات عسكرية صعبة خصوصاً في إقليم هلمند، حيث تشن القوات المتحالفة هجوماً واسع النطاق منذ أسابيع، من دون أن يكون حظ هذا الهجوم من النجاح أكبر من حظ الغزو الذي تتعرض له أفغانستان منذ تسع سنوات.
 يحلم أوباما بتحقيق ما يمكن وصفه بانتصار عسكري، وذلك قبل موعد الانسحاب المحدد في منتصف العام القادم
من هنا، يصبح القول ممكناً بأن أمل أوباما بالخروج من أفغانستان مع المحافظة على ماء الوجه يبدو معقوداً على قرضاي وجهوده التصالحية، أكثر مما هو معقود على رهانات عسكرية لم يعد من الممكن التعويل عليها، ولا على إقناع الكونغرس والرأي العام بتأييدها، بعدما أصبح الحديث المكرور عن قرب تحقيق النصر أشبه بأسطوانة مشدوخة، ولا سيما أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وخسائر الحرب البشرية والمادية، التي باتت تضرب بلدان الأطلسي، لم تعد تسمح بتخصيص المزيد من الموازنات وإرسال المزيد من الجنود.
ومع هذا، يحلم أوباما بتحقيق ما يمكن وصفه بانتصار عسكري، وذلك قبل موعد الانسحاب المحدد في منتصف العام القادم، على أمل ألا تظهر المصالحة الوطنية الأفغانية كعنصر حاسم في تحديد نهاية الحرب.
لكن ذلك الانتصار يظل مجرد حلم. من هنا يتطلع أوباما نحو باكستان في رهانه القديم الجديد على أن ينجح جيشها حيث أخفق الجيش الأميركي.
بدا ذلك واضحاً في تداعيات محاولة التفجير الفاشلة في ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك. فقد اتهم شخص أميركي يحمل الجنسية الباكستانية بتدبير تلك المحاولة، وكان ذلك كافياً لأن يتبارى المسؤولون الأميركيون في تهديد الحكومة الباكستانية بعواقب "وخيمة" فيما لو لم تقم بعمل ملموس بهدف استئصال شأفة من تسميهم بالمتمردين في منطقة القبائل الباكستانية المحاذية لأفغانستان.
والمعروف في هذا المجال أن المنطقة المذكورة تتعرض منذ سنوات لقصف صاروخي يومي تنفذه طائرات الأميركيين وحلفائهم، وكذلك لهجمات متتالية من قبل القوات الباكستانية ... من دون أن يسفر ذلك عن أية نتائج من شأنها أن تدخل تغييراً لمصلحة الأميركيين في الحرب الأفغانية.
والمعروف أيضاً أن إصرار الأميركيين على زج باكستان في المعمعة الأفغانية من شأنه أن ينكشف عن تطورات في الوضع الباكستاني قد تلحق بالمصالح الأميركية أضراراً أشد بكثير من الأضرار التي قد تنشأ عن الهزيمة العسكرية في أفغانستان.
كل الطرقات تبدو مسدودة في وجه خروج الأميركيين من أفغانستان مع الاحتفاظ بماء الوجه. ولعل الطريق الوحيدة المفتوحة هي تلك التي اقترحها عليهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: التسليم بالأمر الواقع، والحوار مع القوى الفاعلة الحقيقية في المنطقة، تحت سقف الاستعداد لإخلاء المنطقة من الجيوش والقواعد الأميركية... وإيقاف كل أشكال التدخل في شؤون المنطقة.
وإلا، فإن المأزق الأميركي في أفغانستان لا يمكنه إلا أن يكون بمثابة الحلم الجميل، قياساً إلى الكوابيس المرعبة التي تنتظر الوجود الأميركي في المنطقة.
2010-05-14