ارشيف من :خاص

الأميركيون يدفعون من جيوبهم ثمن أوهام العدو

الأميركيون يدفعون من جيوبهم ثمن أوهام العدو
مهزلة القبة الفولاذية.. 205 مليون دولار لحل مشاكل اسرائيل الاستراتيجية!!

حسان ابراهيم

مثير للسخرية وايضا للشفقة، الخبر المنشور في صحيفة "معاريف"، وباقي وسائل الاعلام الاسرائيلية، 14\05\2010، عن ايجاد ممول لمنظومة القبة الفولاذية، المفترض بها اعتراض الصواريخ القصيرة المدى، الموجودة في حوزة المقاومين في لبنان وقطاع غزة. المثير للشفقة اكثر ان تتجند الولايات المتحدة لتجاري كيان العدو في الترويج لهذه المنظومة ولقدراتها، مع انها منظومة "خيالية" اكثر من كونها واقعية، كما اعترف اكثر من تقرير نشر حتى في الكيان الغاصب حول هذه المنظومة. والاكثر اثارة للشفقة ان اعتبار المال هو مشكلة هذه المنظومة، والعائق الرئيسي امام تفعيلها، رغم صغر وهزالة المبلغ.

تحوّلت "اسرائيل" في اعقاب فشلها في حرب عام 2006، كيسا للملاكمة امام اعدائها، وامام نفسها ايضا.. ادى الفشل الى تبادل الادوار والمواقع بينها واعدائها، فحلت تل ابيب مكان القاهرة في اعقاب الهزيمة عام 1967، اذ انتج الفشل والتلهف باي ثمن لاعادة الاعتبار للجيش الاسرائيلي ولقدرات الكيان، وايضا اعادة صورة الكيان الذي لا يقهر والمنتصر دوما، اكثر من احمد سعيد في صوت العرب عام 1967، بحيث ان وسائل الاعلام الاسرائيلية تلعب دور سعيد العبري، وتتوسّل اي شيء، حتى وإن كان مثيرا للسخرية ومجافيا للمنطق.

في خبر صحيفة "معاريف"، المنشور تحت عنوان "ايجاد ممول للقبة الفولاذية"، نقلت الصحيفة عن البيت الابيض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما قرر اخيرا الموافقة على طلب "اسرائيل" ومساعدتها بمبلغ 205 ملايين دولار، ما يسمح لها بشراء عشر بطاريات جديدة من المنظومة، قادرة على  تأمين الحماية من الصواريخ لمستوطنات محيط قطاع غزة. اما صحيفة هآرتس فنقلت عن مصدر رفيع المستوى في المؤسسة الامنية الاسرائيلية قوله ان "الموافقة الأميركية هي انطلاقة ستخفف علينا جدا مواصلة التزود بالمشروع. فمسألة المال كانت حتى الان العائق الرئيسي"، وبحسب هذا المصدر فان "الحديث يدور عن عملية ستستغرق المزيد من الزمن وستستمر اكثر من سنة الى ان يكون ممكنا التزود بعدد كبير من البطاريات، ولا سيما بسبب التأخر في التنظيم التنفيذي للجيش الاسرائيلي". والمصدر الامني الرفيع، يكون من ناحية عملية، قد امّن لـ"اسرائيل" عاما كاملا قبل ان تعود المؤسسة الامنية الاسرائيلية للبحث عما يؤجل الاستحقاق من جديد.

في هذا الاطار، روجت "اسرائيل" في الاعوام القليلة الماضية بعد فشلها عام 2006 عن التصدي لصواريخ حزب الله، لهذه المنظومة كثيرا الى حدود المبالغة الزائدة، وكانت بين الحين والاخر تنشر تقارير عن نجاحها وقدرتها الفائقة على مواجهة الصواريخ، وكانت تعد بانها ستكون تنفيذية بعد اشهر. ثم تعود وتنشر تقارير اخرى تقول انها استطاعت ان تعالج الثغرات، التي لم تكن قد تحدثت عنها، وتصر على انها ستكون تنفيذية بعد اشهر، واخر استحقاق وموعد وعدت به المؤسسة الامنية الاسرائيلية كان شهر ايار الحالي، لكن قبل حلوله فضل الجيش الاسرائيلي عدم نشر المنظومة بالقرب من مستوطنة سديروت، وقرر نشرها داخل احدى قواعد الجيش الاسرائيلي، بينما كشف عدد من المراسلين العسكريين ان ليس هناك اية منظومة فعلية، والمسألة ليست الا خيالا وموضوعا لاستدرار المال لاجراء تجارب لدى الصناعات الامنية الاسرائيلية، وبالتالي ليست رواية "القبة الفولاذية" الا رواية ليس اكثر.

لكن ان تصل اسرائيل، وايضا الولايات المتحدة، الى حد الحديث عن ان الصعوبات المالية هي العائق امام المنظومة، بل القول ان 205 مليون دولار هي الحل، فهو حديث مثير للسخرية، ويمكن في اطار ذلك ان نعرض للآتي:

يعتبر تهديد الصواريخ في ايدي المقاومة الشغل الشاغل لكيان العدو ولاجهزتها الامنية، بل انها الخطر شبه الوحيد الذي يمثل امامها ويمنعها من فرض ارادتها على اعدائها.. لم يبق احد في الكيان، مسؤولا كان او غير مسؤول، والا وحذر من هذا التهديد وضرورة مواجهته.. رغم ذلك، لم تنفق طاسرائيل"، او لا تقوى بحسب ما تقول على الانفاق على هذه المنظومة التي تؤمن الحل، رغم كون المبلغ لا يتجاوز 205 مليون دولار.

ولفهم سبب السخرية، اضافة الى اهمية مواجهة الصواريخ ورفع التهديد عن الجبهة الداخلية الاسرائيلية، يشار الى ان الناتج القومي في اسرائيل سنويا، يبلغ 120 مليار دولار.. وان ميزانية وزارة الحرب فقط، تبلغ 50 مليارا في العام.

تريد "اسرائيل" ان تقول، ان تهديدا غير مسبوق يصل الى حدود التهديد الاستراتيجي، ويمنعها من فرض ارادتها السياسية على اعدائها، بل وتفعيل الردع المفقود حيالهم، وهي في نفس الوقت تستطيع ان تنهي هذا التهديد بثمن 205 مليون دولار، لكنها تفضل ان تنتظر مساعدات من الخارج بلا مسارعة الى تأمين المبلغ، وهي قادرة بالفعل على تأمينه.

يسجل في هذا الاطار، نتيجة اليأس، تجند الولايات المتحدة لمساعدة "اسرائيل" في هذه الرواية.. وهذا يكشف منسوب القلق والمأزق الاسرائيلي، غير المسبوق، والتلهف الى اعادة صورة الرادع المفقودة، واعادة الحفر في الوعي العربي لصورة الجيش الذي لا يقهر.

احمد سعيد لم يختف من صوت العرب عام 1967، لكن لغته ولهجته تغيرت، واصبحت عبرية بمساعدة اميركية.. والفضل دوما للقاومين.
2010-05-15